لا يزال حديثنا موصولًا حول منهاج الإسلام في عنايته الفائقة، ورعايته التامة، وحمايته الكاملة لقيمة الحرية – التي هي حق أصيل في الإنسان – إنها منحة إلهية له مرتبطة به ارتباطًا وثيقًا لا تنفصم عنه ، ولا تنفك إلا لظروف طارئة تعتور كيانه المكرّم فتسلبه هذا الحق الأصيل، وتلك الخصيصة الغالية – فيأتي الإسلام بمنهاجه العادل، وتشريعاته السامية ليرد الحق المسلوب لصاحبه، ويحيطه بسياج منيع، ويحميه بقوانين عادلة. قد اتفقت في العصر الحديث كل الدساتير المتعلقة بحقوق الإنسان، والمعنية بشئون حرياته على استقرار هذا الحق، وعدم منازعة صاحبه فيه سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد أم على مستوى الدول والشعوب، وقد أبرزت في المقال السابق الطريقة الثالثة من الطرق التي سلكها التشريع الإسلامي في المحافظة على الحرية، وإبراز قيمتها وبيان كيف كانت المعالجة الناجحة للشذوذ الذي طرأ عليها فأفقدها بريقها، ونصاعتها، وكيف كان التشريع الإسلامي متشوفًا للحرية، دافعًا لكل ما اعتراها، فاتحًا شتى المنافذ لعودتها في أسمى صورها، مجففًا كل المنابع التي عملت على تعكير صفوها، وتكدير حياتها.