تعارف الناس في جميع العصور والأقطار على أن لكل حرفة رجالها الذين نشئوا فيها، وتربوا عليها، فسبروا أغوارها، وأتقنوا كل ما يتعلق بها، فهم القادرون على صنع ما يحتاجه المجتمع منها، فهم المتخصصون في معرفة ما يتعلق بها، ولذلك لا يطلب من أحد القيام بأي عمل إلا إذا كان ملمًا بمفرداته، قادرًا على إتقانه، ومتمكنًا من إخراجه على الوجه الأكمل، فلا يطلب ـ مثلًا ـ تكليف فلاح بعمل نجار، ولا ينتظر من بناء التعامل مع الآلات، أيًا كان نوعها. فالتواصل بين أرباب الحرف معروف، والتباين بينها واضح، فمن يقحم نفسه في حرفة، ليس هو من أربابها قوبل بالاستنكار والرفض، فلا يطمئن صاحب العمل إلى إسناد ما يطلبه إلا إلى ذي خبرة في مجال المنتج المطلوب، حتى يحصل على مبتغاه بصورة جيدة. تجذر هذا المفهوم في أعماق المجتمع الإنساني، وتعمق في مفهوم العامة والخاصة، حتى شاع بينهم هذا المثل: "اعط العيش لخبازه، حتى ولو أكل نصفه"؛ لأن صاحب الشيء سيأخذ النصف الباقي سليمًا إذا كلف به متخصصًا، أما حتى ولو أكل نصفه إذا أسند عمله إلى غير المتخصص، فلن يأخذ شيئًا سليمًا على الإطلاق.
السنة الهجرية | 1438 |
الشهر الهجري | ذو القَعْدة |