| 09 مايو 2025 م

التفاسير الروائية عند الشيعة الإمامية: قراءة في المصادر والأخبار

التفاسير الروائية عند الشيعة الإمامية: قراءة في المصادر والأخبار

  • 23 أكتوبر 2016
التفاسير الروائية عند الشيعة الإمامية: قراءة في المصادر والأخبار

أ.د/ نادي محمود حسن الأزهري

أستاذ التفسير .. وعميد كلية البنات الأزهرية بأسوان

الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد : فهذا هو المقال التاسع في سلسلة المقالات التي تحمل العنوان أعلاه، وفي هذا المقال نتعرض للتفسير الروائي الموسوم بــ(كنز الدقائق وبحر الغرائب)، لمؤلفه : الميرزا محمد بن محمد رضا بن إسماعيل بن جمال الدين، القمي الأصل، المشهدي المولد والمسكن. (من أعلام القرن الثاني عشر الهجري) . والقمي: نسبة إلى مدينة « قم » الإيرانية، والمشهدي : نسبة إلى مدينة مشهد الإيرانية.

ترجم له علماء الشيعة وأسبغوا عليه نعوتًا كثيرة علمًا وفضلًا، فقالوا: كان فاضلًا، كاملًا، محققًا، مدققًا، نحريرًا، أديبًا، محدثًا، فقيهًا، مفسرًا. عاصر العلامة المجلسي(ت:1111هـ)، والمحقق الأمير محمد مؤمن السبزواري (ت: بين سنة1070هـ إلى 1077هـ)، والفيض الكاشاني (ت:1091هـ) والمحقق الخوانساري (ت:1125هـ)، والحر العاملي(ت:1104هـ)، والمولى خليل القزويني(ت:1089هـ). وليس في كتبهم تاريخ ولادته ووفاته، ولكن يُعلم من تراثه أنه كان حيًا قبل سنة (1074هـ) وميتًا بعد سنة (1107هـ)، وأشار بعضهم إلى أن وفاته كانت في حدود سنة (1125هـ)(1).  وقد أبان المؤلف في مقدمة التفسير عن الباعث له على تأليفه، فقال: « ... ثم سنح لي أن أؤلف تفسيرًا يحتوي على دقائق أسرار التنزيل ونكات أبكار التأويل، مع نقل ما رُوي في التفسير والتأويل عن الأئمة الأطهار والهداة الأبرار». فالتفسير جامع بين علم الرواية والدراية، أو ما يسمى بالتفسير النقلي والعقلي. وقد جمعه – كما يقول الخوانساري: «من التفاسير المعتبرة وسائر كتب الأخبار المشتهرة، فهو كاسمه (كنز الدقائق وبحر الغرائب)، الذي يصاد بغوص النظر فيه أصداف درر الحقائق .. ولم يسبقه إلى وضعه أحد من العلماء قديمًا وجديدًا». ووصفه النوري بأنه : « ... من أحسن التفاسير وأجمعها وأتمها، وهو أنفع من تفسير (الصافي) للكاشاني، وتفسير (نور الثقلين) للحويزي (ت:1053هـ).

فالتفسير حصيلة ما سبقه من أمهات التفاسير الروائية عند الشيعة الإمامية، وإن لم يحط بجميع الأحاديث المتعلقة بأطراف الأبواب(2) .

هذا .. بالإضافة إلى التفاسير العقلية كالبيضاوي، وما استحسنه من كشاف الزمخشري، وانتخبه من أسلوب الطبرسي في (مجمع البيان)،  ويظهر تأثره أيضًا بالكاشاني الذي جمع في تفسيره (الصافي) بين النقل والعقل؛ ولذا كان المنهج العام الذي اعتمده المشهدي في التفسير هو الجمع بين المأثور والمعقول، أما المنهج التفصيلي، فلم يذكر شيئًا عنه في مقدمة التفسير، أو في تضاعيفه .. بيد أن الناظر في التفسير يجد أن صاحبه قد رتبه بحسب ترتيب سور القرآن الكريم، مبتدءًا بسورة الفاتحة ومنتهيًا بسورة الناس. وفيما يتعلق بالجانب العقلي في التفسير،  فهو معقول محتمل في الجملة، وقد اعتنى بفنون البلاغة ومباحث اللغة.

وأما الجانب الروائي  فهو يُعنى بالأسانيد، وفيما نقله من الأخبار يتحدد معالم منهجه، سواء من ناحية الأسانيد أو المضامين، فالمشهدي لم يتخلف أو يختلف عمن سبقه من أصحاب التفاسير الروائية عند الشيعة الإمامية، فقد نقل في تفسير الآيات عن الأئمة الإثني عشرية،  وخلط فيه بين الغث والسمين، والسليم والسقيم .. وتجلى ذلك بوضوح في الأخبار التي ساقها المشهدي في مقدمته للتفسير، ونقلها دون تعليق أو تعقيب، إيمانًا منه بمضامينها العجيبة ومتونها الغريبة، وهي عن علي بن أبي طالب ]قال : « القرآن أربع أرباع : فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع في أعدائنا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام، ولنا كرائم القرآن » . وقد ساقها بأسانيد ثلاثة، وبالنظر فيها نجد أنها لا تصلح للاعتبار بحال؛ لأن في رجال السند (الأصبغ بن نُباتة)، كذبه بعضهم، وتركه النسائي وغيره، وقال ابن حبان: فُتن بحب علي، فأتى بالطامات، فاستحق الترك (3).

ثم يسترسل بعد فيقول: واعلم أن للقرآن بطنًا وللبطن بطن، وله ظهر، وللظهر ظهر . فإذا جاءك عنهم –يعني الأئمة الإثني عشرية – صلوات الله عليهم- شيء وله بطن، فلا تنكره؛ لأنهم أعلم به. يدل على هذا ما رواه صاحب (شرح الآيات الباهرات) : عن علي بن محمد عن محمد بن الفضل، عن شريس، عن جابر بن يزيد- يعني الجعفي-، قال: سألت أبا جعفر عن شيء من تفسير القرآن، فأجابني. ثم سألته ثانية، فأجابني بجواب آخر. فقلت: جُعلت فداك، أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا؟!. فقال لي: يا جابر، إن للقرآن بطنًا، وللبطن بطن، وله ظهر وللظهر ظهر ... إلخ» . ومحمد بن الفضل، قال فيه السيد هاشم معرف في كتابه الموضوعات في الآثار والأخبار(4): «متهم بالغلو، ومعدود بين ضعفاء الرواة»، ناهيك عن الجعفي وكذبه على الأئمة».

وإن تعجب فعجب ما ساقه المشهدي لاحقًا تأييدًا لهذا الخبر، فقال: ويؤيده ما رواه عن الشيخ أبي جعفر الطوسي بإسناده إلى الفضل بن شاذان، عن داود بن كثير، قال: قلت لأبي عبد الله: أنتم الصلاة في كتاب الله ؟ . وأنتم الزكاة؟ وأنتم الصيام ؟ وأنتم الحج ؟ . فقال : يا داود، نحن الصلاة في كتاب الله، ونحن الزكاة، ونحن الصيام، ونحن الحج، ونحن الشهر الحرام، ونحن البلد الحرام، ونحن كعبة الله، ونحن قبلة الله، ونحن وجه الله، قال الله تعالى:

(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)

(البقرة:115)

ونحن الآيات البينات. وعدونا في كتاب الله: الفحشاء، والمنكر، والبغي، والخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام، والأوثان، والجبت، والطاغوت، والميتة، والدم، ولحم الخنزير !!.

يا داود، إن الله خلقنا فأكرم خلقنا، وفضلنا، وجعلنا أمناءه وحفظته، وخُزانه على ما في السماوات وما في الأرض، وجعل لنا أضدادًا وأعداء، فسمانا في كتابه، وكنى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبها إليه، تكنية عن العدد. وسمى أضدادنا وأعداءنا في كتابه، وكنى عن أسمائهم، وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض الأشياء إليه، وإلى عباده المتقين !!!.

سبحانك هذا بهتان عظيم، وضلال كبير،  ومحال أن يصدر هذا عن الأئمة الأطهار آل بيت النبي المختار ﷺ، إنما هو اختراع الأفاكين، وانتحال الكذابين، ومنهم: داود بن كثير الرقي– أحد رجال الإسناد – قال ابن الغضائري: فاسد المذهب، ضعيف الرواية، لا يلتفت إليه.

وقال النجاشي: ضعيف جدًا والغلاة تروي عنه . قال أحمد بن عبد الواحد: قلَّ ما رأيت له حديثًا سديدًا .

ثم - انظر إلى المشهدي وهو يفسر قول الله تعالى:

(وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ)

(الصافات:83)

ينقل عن تفسير علي بن إبراهيم القمي من طريق أبي بصير عن أبي جعفر، أنه قال: ليهنئكم الاسم. قلت : وما هو، فداك ؟ . قال: الشيعة. قيل : إن الناس يعيروننا بذلك ؟

وهذا مردود من جانبين:

الأول - الاستشهاد الذي تضمنه المتن، فإنه لا يتسق مع المعنى العام المراد؛ لأن الشيعة في الآيتين مقصود به المعنى اللغوي وهو: الأنصار والأتباع وهذا المعنى اللغوي عام وليس مخصوصًا بفئة أو منحصرًا في جماعة .

الثانى: السند، ففيه أبو بصير، وهو متهم عند علماء الشيعة، فهل مثله يصلح أن تعتمد روايته ؟!(5).

ولا أدري كيف ارتضى المشهدي هذا، وهو الأريب الأديب اللغوي؟ . فالضـمـــير في الآيــة ( إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) عائد على سيدنا نوح \ المذكور قبله في الآيات :

(سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ (82) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ)

(الصافات:79-83)

والغريب أن يؤيد هذا التأويل برواية لا تقل غرابة عنه، من طريق أبي بصير عن يحيى بن أبي القاسم قال: سأل جابر بن يزيد الجعفي، جعفرَ بنَ محمد الصادق عن تفسير هذه الآية، فقال: «إن الله تعالى لما خلق إبراهيم \ كشف له عن بصره، فنظر فرأى نورًا إلى جانب العرش، فقال: إلهي، ما هذا النور؟. فقيل له: هذا نور محمد ﷺ، صفوتي من خلقي. ورأى نورًا إلى جانبه . فقال: إلهي، وما هذا النور؟. فقيل: هذا نور علي بن أبى طالب ]، ناصر ديني. ورأى إلى جنبهم ثلاثة أنوار، فقال : إلهي، وما هذه الأنوار ؟ فقيل له: هذا نور فاطمة رضي الله عنها – فطمت محبيها من النار- ونور ولديها الحسن والحسين . ورأى تسعة أنوار قد حفوا بهم . فقال: إلهي، وما هذه الأنوار التسعة؟. قيل: يا إبراهيم، هؤلاء الأئمة من ولد علي وفاطمة ... فقال إبراهيم \: إلهي وسيدي، أرى أنوارًا قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلا أنت!. قيل: يا إبراهيم، هؤلاء شيعتهم، شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ] » .  فما أغرب هذا المتن المفتعل، و الإفك المفترى!! . ولا يقتصر بحر غرائب المشهدي على الأخبار التي تدعم توجهه الشيعي، وتغذي نزعته المذهبية، بل تراه يذكر في تفسير بعض الآيات تأويلات غريبة، نحو ما قاله في تفسير قوله تعالى:

(ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)        (القلم:1)

قال: قيل: من أسماء الحروف، وقيل: اسم الحوت، والمراد به الجنس، أو البهموت، وهو الذي عليه الأرض، أو الدواة ؛ فإن بعض الحيتان يستخرج منه شيء أشد سوادًا من النقس، يكتب به)اهـ . ويظهر من كلامه استئناسًا بهذا التفسير(ن) اسم الحوت ! . وهذا من التفاسير التي أنكرها العلماء المحققون وعدوها من الإسرائيليات(6). ونكتفي بهذا القدر الذي يعكس تأثر المشهدي بكل التفاسير الروائية الشيعية قبله مما يخدم هواه الشيعي، ولو على حساب الموضوعية العلمية، والمنهجية البحثية السليمة .. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .

 

 

(1) انظر ترجمته : روضات الجنات للخوانساري(7/110) الذريعة إلى تصانيف الشيعة (18/152-23/136) أعيان الشيعة (14/232) الفوائد الرضوية (ص618) الفيض القدسي للنوري المطبوع مع البحار (105/100) وريحانة الأدب للمدرِّس (5/320) أمل الأمل (2/272)مقدمة المحقق للتفسير حسين دركاهي، طبعة دار الغدير ب(قم)1424هـ . ومقدمة الطبعة الأخرى تحقيق مجتبى العراقي. طبعة : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بـ(قم) 1407هـ .

(2)  قاله الخوانساري في (روضات الجنات) (7/110)

(3)  انظر : ميزان الاعتدال للذهبي (1/271) ترجمة رقم(1014) (4)  (ص232)

(5)  قال السيد هاشم معروف الحسيني كاتب الشيعة المعروف : الذين يكنون بأبي بصير أربعة لا غير، أبو بصير عبد الله بن محمد الأسدي، وأبو بصير علياء بن دراع، وأبو بصير ليث بن البختري، وأبو بصير يحيى بن أبي القاسم، وكلهم من المتهمين « . الموضوعات في الآثار والأخبار(ص233)

(6)  انظر : كتاب « الإسرائيليات والموضوعات في التفسير » للشيخ / محمد أبو شهبة (ص403) وقال أبو حيان في البحر (8/307) : «لا يصح من هذا شيء ما عدا كونه اسمًا من أسماء حروف الهجاء » . 

طباعة
كلمات دالة:

حقوق الملكية 2025 مجلة الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg