04 فبراير, 2025

سلسلة بحثية حول تذكرة الفروع بالأصول .. للإمام أحمد الدمنهوري "العالم الموسوعي وإمام الأزهر المجدد"

سلسلة بحثية حول تذكرة الفروع بالأصول .. للإمام أحمد الدمنهوري "العالم الموسوعي وإمام الأزهر المجدد"

مقال من إعداد: د/ نجلاء شمس، مساعد مدير مركز الفلك الشرعي

في رحاب التاريخ الأزهري الزاخر بالعطاء والعلم، وفي مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، حيث يلتقي عبق الريف بجلال العلم، بزغ نجم الإمام/ أحمد بن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدمنهوري، عام ١١٠١هـ/١٦٩٠م، وهو أحد أعلام الأزهر الشريف العظام. نشأ الإمام في أسرة صالحة ترى في العلم وسيلة للارتقاء الروحي والمجتمعي، وبرزت عليه علامات النبوغ منذ صغره، فانطلق إلى الأزهر الشريف؛ حيث كانت أروقته تشهد حركة فكرية نشطة؛ مما جعله مركزًا للتنوير ومرجعية كبرى في العالم الإسلامي. تتلمذ الإمام على أيدي شيوخ عظام كالإمام الحفني، والسجاعي، ولكنه لم يكتفِ بعلوم الشريعة واللغة، بل تعمق في رحاب الرياضيات، والفلك، والطب، جامعًا بين حِكْمة الدين وأسرار الكون؛ ليُظهر نموذجًا للعالم المتكامل، ومؤكدًا أن العلم حين يقترن بالإيمان والبصيرة يصنع المستحيل.

ولم يقتصر على علوم الدين، بل أبدع في علوم المنطق والبلاغة كما يتضح في مؤلفاته التي تبرز دقته وشموليته، ومنها: «حلية اللب المصون في شرح الجوهر المكنون» في البلاغة، و«نهاية التعريف بأقسام الحديث الضعيف» في مصطلح الحديث، وسبيل الرشاد إلى نفع العباد» و«إيضاح المبهم من معاني السُّلَّم» في المنطق؛ مما يجعلها كنوزًا علمية جديرة بإحياء الباحثين لها.

ولم يكن الإمام مجرد عالم تقليدي، بل كان مُصلِحًا ذا رؤية شاملة، أدرك أن النهضة الحقيقية تتطلب التحرر من الجمود الفكري والتقليد، وأكد أهمية الجمع بين العلوم الشرعية والطبيعية مع تعزيز البحث العلمي، وسعى إلى تكوين جيل من العلماء المستنيرين القادرين على مواجهة تحديات العصر، مؤمنًا بأن العلم هو سبيل الأمة للنهضة، وأن الأزهر يجب أن يكون منارة تستنير بها العقول في كل زمان ومكان. وقد توفي الإمام الدمنهوري عام ١١٩٢هـ/ ۱۷۷۸م عن عمر يناهز (٨٨) عامًا بعد حياة حافلة بالإنجازات، ولكنه ترك أثرًا كبيرًا في تطوير الأزهر كمنارة علمية وفكرية، وعمل على ترسيخ قيم الانفتاح العلمي والابتكار؛ مما جعل الأزهر في عهده نموذجًا يجمع بين الأصالة والتجديد؛ حيث إن رؤية الإمام الدمنهوري للجمع بين علوم الدين والدنيا ما زالت ملهمة حتى اليوم؛ إذ تسهم في بناء مجتمع متوازن فكريًّا وعلميًّا، قادر على مواجهة تحديات العصر بإيمان وعقل مستنير، وستظل أعماله ورؤاه شاهدة على عصر ذهبي للأزهر الشريف، الذي كان ولا يزال مركزًا للعلم المتكامل وأداة لتحقيق النهضة.

المصادر

  1. عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، الجزء الأول، ص٢٥٠-٢٥٢.
  2. حسين مؤنس، نهضة الأزهر في العصر الحديث، دار المعارف، ۱۹۹۲، ص ٥٨-٦٥.
  3. عبد الله الشرقاوي، مشايخ الأزهر وإسهاماتهم العلمية، ص٧٤-٨٠.
  4. يوسف إليان سركيس، معجم المطبوعات العربية والمعربة، ج۲، ص۸۸۲.
  5. مركز الأزهر للتراث، الأزهر منارة العلم والتنوير، دار السلام للنشر، ۲۰۲۲، ص ۸۷-۹۲
  6. مجلة الأزهر، تاريخ الأزهر في عصور النهضة، العدد ٥٨، ص١٤٥-١٥٠.

عدد المشاهدة (2199)/التعليقات (0)

كلمات دالة: