14 ديسمبر, 2019

إني وضعتها أنثى

إني وضعتها أنثى

ألقت السلام علينا ثم دخلت والدموع على خدَّيها والألم والحزن يعتصران قلبها، وجلست تقص شكواها  قائلة  "خلفتي كلها بنات فعندى أربعة وزوجي عايز ولد وإلا هيطلقني ويتجوز بغيري  وخايفة أخلف تكون الخامسة اعمل إيه وهل ليا ذنب فى كده ؟"

تلك كانت شكوى إحدى النساء التي لم تتجاوزالأربعين من عمرها وهي ليست الأولى فى شكواها بهذا الأمر بل غيرها الكثيرات والكثيرات من نساء جنسها يترددن على لجنة الفتوى بمحافظة الغربية بين الحين والآخر إما الشكوى من الزوج بسبب كثرة تلفظه بالطلاق أوالسؤال عن حكم إجهاض الجنين لكونه تبين لها فى السونار بأنه أنثى ولا رغبة للزوج به ! 

وتلك المشكلة لم تكن حديثة عهد بنا اليوم بل هي مشكلة قديمة ممتدة جذورها منذ الجاهلية وإن كان فى عصرنا هذا لا تُقتل الإناث كما فى الجاهلية من وأد البنات إلا أنه أصبح اليوم عند البعض من الازواج يقتلهن معنوياً، فما زال بعض الناس يفضلون إنجاب الذكورعلى الإناث وخاصة في المجتمعات الريفية واعتقادهم الخاطئ أن المرأة هى المسئولة عن نوع الجنين وكأن الأمر بيدها وهذا غير صحيح لأن الله عزوجل  أخبرنا فى القرآن الكريم أن نوع الجنين  ذكراً كان أو أنثى يكون من مني الرجل قال تعالى  "وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ     (٤٥)  مِن نُّطْفَةٍ إِذَاتُمْنَىٰ (٤٦) "  سورة النجم

وقد حسم الإسلام تلك القضية وذاك الفكر المتخبط المريض منذ نزول الوحي على النبي حيث بَين أن الأبناء رزق من الله وتحديد جنسهم ذكوراً واناثاً إنما هو من قدر الله عزوجل قال تعالى" لِّلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ۚ يَهَب لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ" سورة الشورى(٤٩).

والإنجاب عموماً هبة من الله عزوجل وهو أمر لا دخل للإنسان فيه فيجب الرضا بما رُزِق من ذكر أو أنثى وأن يحمد الله على كل حال وأن الخيرة فيما اختاره الله.

كما أن رغبة بعض الأزواج فى إنجاب الذكور وتفضيلهم لهم وكراهيتهم للإناث وللزوجة بسبب إنجابها لهن أمر ذمه الله عزوجل لأنه يدل على ضعف الإيمان وسفاهة العقل حيث كان هذا فعل يفعله أهل الجاهلية .

ولم يكتفوا بذلك بل تبين أن هناك أمثال شعبية كثيرة تسخر من إنجاب الإناث  مثل " يا جايبة البنات يا شايلة الهم للممات"

وأيضاً  " يا أبو البنات ما تعوزها مسيرها لبيت جوزها" .

وأسأل هؤلاء الأزواج لماذا تفضلون الذكوروحدهم دون الإناث؟!

لقد كرم الله جنسي البشرعموماً ولم يخص بهذا التكريم ذكرأً أو أنثى بل كرمهم سواء فقال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ "

 سورة الإسراء (٧٠)

ألم تعلموا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أوصى كثيراً بالأناث وبالرفق بهن بل كان من آخر وصاياه الوصية بهن

فكان أكثر الناس رحمةً وحباً لهن فعندما سُئل عن أى أحب الناس إليه؟ قال "عائشة " وكان كريماً عطوفاً ببناته فقد نطقت الأحاديث الكثيرة بحب النبي لابنته فاطمة " رضي الله عنها " وحُسن معاملته لها فكان يزورها ويتفقد حالها ثم يجلسها عن يمينه أو شماله .

كما أمرالرسول بالإحسان إليهن ووعد من يرعاهن ويحسن إليهن بالأجر الجزيل والمنزلة العالية  فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( مَن كان له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخَوات، أو ابنتان أو أُختان، فأحسَن صُحبتَهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ َفلهُ الجنَّةَ ) رواه الترمذي .

ولقد عرفت المرأة العربية قديماً بذكائها ورجاحة عقلها بأن لا دخل لها فى نوع الجنين قبل أن يثبت الطب ذلك .

فعندما فارقها زوجها لإنجابها البنات وكان يكنى بأبي حمزة

                    أنشدت تلك الأبيات:

ما لأبي حَمزةَ لا يَأتينا

                    يَظلّ في البيتِ الّذي يَلينا

غَضبان أَن لا نلدُ البَنينا

                       تَاللَّه ما ذلكَ في أَيدينا

وَإنّما نَأخذُ ما أُعطينا

                     وَنَحنُ كَالأرضِ لِزارِعينا

ننبتُ ما قَد زَرعوهُ فينا

فيا من تكره البنات إن وجودهن فى حياتك أمر ضروري لا غنى لك عنه فالله عزوجل خلقها لك لتعينك وتساندك وتكون لك  مسكناً تفر إليه من هموم العيش وتعب الحياة.

وإذا كانت المرأة نصف المجتمع فهى تنجب النصف الآخر أيضا ً فأمك التى انجبتك هى أنثى وكم من امرأة هى أعظم مقاماُ وقدراً عند الله والناس بخُلقها وعملها وحسن أدبها .

وكم من امرأة فاقت الكثير من الرجال فى مختلف العلوم وشتى المجالات ،ويكفيك أن تعرف أن أول شهيداً فى الإسلام كانت امرأة وليس رجلاً كانت سمية بنت خياط أم الصحابى الجليل عمار بن ياسر.

فاتق الله فيمن عندك واشكر الله على عظيم فضله عليك وكثير إحسانه إليك.

ويا من تكره إنجاب الإناث  وتريد فراق زوجتك أو الزواج بغيرها لإنجاب الذكر اتق الله فيما وهبك وأعطاك وأكرم ما عندك منهن فما اكرمهن إلا كريم وما اهانهن إلا لئيم

ويا من تريد إسقاط الجنين بعدما نُفِخ فيه الروح بحجة كونه أنثى ولا ترغبه ستحاسب عليه أمام الله، فذاك جحود بالنعمة وكفران بها وعليك الإثم العظيم والوزر الكبير.

فما ذنب نفس ٍ تُحرم من الحياة قبل أن تأتى  إليها؟!

بقلم الواعظة

إيمان عبد الموجود محمد سرحان

منطقة وعظ الغربية

عدد المشاهدة (4709)/التعليقات (0)

كلمات دالة: