06 يناير, 2020

في رحاب القرآن الكريم

في رحاب القرآن الكريم

ألا أدلكم على سبب حصنكم ؟

وسبب محبة ربكم لكم ؟

وسبب فتح أبواب الجنة أمامكم ؟

هي سورة نحن عنها غافلون ، ولفضلها ناسون ، ولعظيم أجرها لسنا مدركين٠

هي عقيدة كل مسلم وسبب نجاته ،هي براءة له من الشرك ومشتقاته .

هي إحياء لما مات من القلوب ، فهي المذكرة بصفات علام الغيوب .

هي الجمال لما تضمنته من صفات ذات الجميل المتعال .

هي الإخلاص لأنها تجعل قارئها خالصا من الشرك مخلصا لذي الجلال والإكرام .

هي ثلث القرآن العظيم ، هل عرفتم عن ماذا أتحدث ؟عن سورة الإخلاص عن قوله تعالى " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد(١) اللَّهُ الصَّمَدُ(٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد(٣)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(٤) " صدق الله العظيم .

ففيها من الفضل العظيم والأجر الكبير ما ليس في غيرها ، فتعالوا لنحيي فضلها ولنعلم عظيم ثوابها .

لكن قبل البدء في بيان فضلها ، لماذا نزلت سورة الإخلاص على النبي صلى الله عليه وسلم ؟

 عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} فَالصَّمَدُ: الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلاَّ سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلاَّ سَيُورَثُ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَمُوتُ وَلاَ يُورَثُ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلاَ عِدْلٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.

الترمذي 3364.

فكانت نعم الرد على مزاعم المشركين .

ابتدأها الله عز وجل بقوله : ( قل ) ليدل على أهمية وعظم ما يأتي بعدها ،

فهو تعالى واحد في أسمائه وصفاته .

ثم تأتي الآية الثانية ليقرر الله فيها هذا المعنى ويثبته ، فهو صمد يفتقر إليه كل ما عداه ، فالمعدوم مفتقر في وجوده إلى الله والموجود مفتقر في شؤونه إليه ، فمن منا ليس في حاجةٍ إلى خالقه بل نحن في أمس الحاجة إليه في شؤوننا وفي تدبير أمورنا .

وقد جاءت صيغة ( الله الصمد ) صيغة قصر لتفيد قصر الصمدية على الله تعالى ؛لإبطال ما تعوده المشركين من دعائهم أصنامهم في حوائجهم والفزع إليها .

فالله يقرر فينا جميعا عقيدة التوكل عليه والاستعانة به ،

فإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله .

ثم يأتي قوله تعالى :( لم يلد ولم يولد ) لأن من يصمد ويحتاج إليه لا يكون من حاله أن يلد، لأن طلب الولد للاستعانة به في إقامة شؤون الوالد وتدارك عجزه وقد تنزه تعالى عن ذلك .

وجاءت " ولم يولد " لإبطال ألوهية كل مولود ،لأن الإله يستحيل أن يكون مولودا ً بعد عدم .

وبذلك تكون الآية الأولى أبطلت ألوهية غير الله بالأصالة والاستقلال ،

والآية الثانية أبطلت ألوهية غير الله بالاستحقاق،

والثالثة أبطلت ألوهية غير الله بالفرعية أي يكون له فرع  أي ولد منه تحاشى عن ذلك،  والتولد أي يكون له والد فيكون هو ابنه تنزه الله عن كل هذا .

( ولم يكن له كفوا أحد ) هي تأكيد على ما قبلها لأنها أعم في مضمونها فكل الصفات السابقة لا يشبهه فيها غيره ، كما أن ما عداها من صفات لا يشبهه فيها أحد .

وسورة الإخلاص لها فضل عظيم ومن فضائلها :-

 

١ -  هي تعدل ثلث القرآن العظيم ، ولكن كيف تعدل الثلث مع صغر آياتها ؟

القرآن الكريم جاءت آياته في ثلاثة أقسام :

القسم الأول وهو العقيدة ٠

والقسم الثاني وهو الأحكام ٠

والقسم الثالث وهو الأخبار ٠

وسورة الإخلاص قد تضمنت القسم الأول وهو العقيدة لذلك هي ثلث القرآن ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟» قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ». متفق عليه

 

٢ - هي حصن للمسلم وحماية له من الشيطان ووساوسه ، فقرائتها مع المعوذتين سبب لكل خير وسبب للراحة النفسية والجسدية .

عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ". البخاري 5017 .

٣-  هي سبب لمحبة الله تعالى للعبد ،لأنك تحب الله الواحد، تحب من تعلم علم اليقين أنه ليس كمثله شيء، ليس له والدُ ولا ولد ولا يكافئه ولا يضاهيه أحد .

عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟» ، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ». متفق عليه

 

٤ - هي سبب لدخول الجنة فإذا كانت سببا لمحبة الله تعالى للعبد؛ فإن محبة الله تعالى للعبد سبب في دخوله الجنة ، فمحبتها تستوجب الإخلاص في كل فعل ،وهو سبب للقرب من الله والتلذذ بالطاعة والعمل الذي يقربنا منه تعالى .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ هَذِهِ السُّورَةَ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ ". 

مسند أحمد 12432

فهذا جانب بسيط من فضل هذه السورة العظيمة التي يؤكد صدرها على وحدانية الله تعالى ، كما دل "الصمد "على أنه كريم رحيم لأنه من يصمد إليه يكون محسناً جواداً ، ودل عدم اتخاذه ولدا على أنه غني على الإطلاق ومنزه عن كل التغيرات ، وأشار عجزها إلى نفي ما لا يجوز عليه من الصفات .

وللحديث بقية مع سور القرآن العظيم ، نعيش في كل لقاء مع رحاب سورة من سوره ، ندور في فلكها نستعرض عظيم فضلها وجزيل ثوابها ، لندرك ما فاتنا ، و لنحرص على تلاوة كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار ، فتستريح نفوسنا وتهم بالنشاط أجسادنا .

 

أسماء أحمد عوض الله

منطقة وعظ دمياط

عدد المشاهدة (5850)/التعليقات (0)

كلمات دالة: منطقة وعظ دمياط