08 يناير, 2020

دعوة الإسلام إلى مراعاة مشاعر الآخرين

دعوة الإسلام إلى مراعاة مشاعر الآخرين

إن ديننا الحنيف يدعونا إلى حُسن الأخلاق وحسن المعاملة مع الناس، وجبر الخواطر، ومراعاة المشاعر؛ لأن الهدف الذي جاء به الإسلام هو إسعاد الناس جميعًا، فحثنا على نشر القيم والآداب، التي تحثنا على كل فضيلة وتبعدنا عن كل رزيلة، كما راعى الإسلام نفسية الإنسان، فدعا إلى مراعاة مشاعر الآخرين وأحاسيسهم، والمتدبر لآيات القرآن وأحاديث النبي العدنان محمد ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ، يجد الكثير من الدروس والعبر التي نستنبط منها قيمة مهمة من قيم الدين وهي عدم احراج الآخرين ومراعاة مشاعرهم، حتى وإن كانوا مخطئين- مسلمين أو غير مسلمين- حتى يسود الحب والود بين الناس، وتنتشر بينهم روح الأخوة والترابط والتعاون. 

 ومن أجل ذلك حثنا الإسلام على اختيار الألفاظ وانتقاء الكلام، فكان من مبادئه التي دعانا إليها أن ننتقي أفضل الكلام، وأحسن العبارات، فالكلام الطيب الحسن لا يخفى على أحد مدى تأثيره على مشاعر الآخرين، حيث يزيد الحب والود بين الناس، قال تعالى: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾[البقرة: 83]، وقال تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾[الإسراء: 53]، ودعانا النبي   - صلى الله عليه وسلم -   أن نتكلم بالخير أو نصمت، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﭬ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ   - صلى الله عليه وسلم -  : «.... مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»(البخاري)، وعن ابن مسعود ﭬ قال: قال رسول الله   - صلى الله عليه وسلم -  : «ليس المؤمن بالطعَّان ولا اللعَّان ولا الفاحش ولا البذيء»(التّرمذي).

ومما جاء في القرآن حثًا على مراعاة مشاعر الآخرين ما حدث في قصة سيدنا يوسف ڠ مع أخوته، حيث لم يُرد أن يُواجههم بما فعلوه عندما ألقوه في غيابة الجب، فراعى مشاعرهم في هذا الموقف وقال لهم كما حكاه القرآن: ﴿إذ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾ [يوسف: من الآية100]  ولم يقل الجب مع أنهم هم الذين رموه فيه؛ وذلك مراعاة لمشاعرهم في هذا الموقف.

          وراعي مشاعرهم أيضًا عندما جاءوا هربًا من القحط والفقر إلى خير مصر المحروسة التي وصفها القرآن على لسان نبيه يوسف ڠ بخزائن الأرض، فراعى يوسف ڠ مشاعر أخوته الذين آذوه، ولم يمتن عليهم بما فعله معهم من فضل، أو يشعرهم بما هم فيه من فقر وجوع، فقال لهم: ﴿وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ﴾ [يوسف: من الآية100] ولم يقل لهم من الجوع والفقر، فقابل الإساءة بالإحسان؛ لأنه تعامل معهم بأخلاق الأنبياء، فحري بنا أن نتعلم من أخلاق الأنبياء ونقتدي بهم في كل مواقفنا وتعاملاتنا، ونعمل على نشرها في مجتمعاتنا.

وانظر أيها المسلم إلى هذا الموقف الذي يعلمنا فيه النبي   - صلى الله عليه وسلم -   احترام الآخرين ومراعاة مشاعرهم وجبر خاطرهم، وذلك عندما جاء ابن عبد الله بن أبي ابن سلول حيث مات أبوه، وطلب من النبي   - صلى الله عليه وسلم -   قميصًا يُكَفَّنُ فيه أباه، وطلب من النبي   - صلى الله عليه وسلم -   أيضًا أن يصلي عليه، وبالرغم مما فعله ابن سلول مع النبي   - صلى الله عليه وسلم -   وفي الإسلام لم يُحرج النبي   - صلى الله عليه وسلم -   ابنه، ولم يقل له: لا لن أعطيك قميصًا ولن أصلي على أبيك؛ لأنه كان كذا وكذا، بل أعطاه النبي   - صلى الله عليه وسلم -   القميص وصلى عليه؛ وذلك كله مراعاة لمشاعر عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول وجبرًا لخاطره في مصيبته، فعن ابن عمر قال: «لما تُوفِّي عبدالله بن أُبَي ابن سلولَ جاء ابنه عبدالله بن عبدالله إلى رسول الله   - صلى الله عليه وسلم -   فسأله أن يُعطيه قميصَه يُكفِّن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله   - صلى الله عليه وسلم -   ليُصلِّي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله   - صلى الله عليه وسلم -  ، فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تُصلِّي عليه؟ فقال رسول الله   - صلى الله عليه وسلم -  : «إنما خيَّرني الله فقال: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ﴾ [التوبة: 80]، وسأزيده على السبعين»، قال: إنه منافق، فصلَّى عليه رسول الله   - صلى الله عليه وسلم -  ، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾[التوبة: 84]، فترك الصلاةَ عليهم»)البخاري).

          ولنعتبر من هذا التوجيه النبوي الكريم الذي أمرنا فيه النبي   - صلى الله عليه وسلم -   إذا كنا ثلاثة ألا يتحدث اثنان دون الثالث؛ وعلل ذلك بأن ذلك يحزنه، فكانت علة النهي هي ألّا يَشْعر الشخص الثالث بشعور سيء ويتلاعب به الشيطان فيجعله يظن ظن السوء بإخوانه،، فقال   - صلى الله عليه وسلم -  : »إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث، حتى تختلطوا بالناس»(البخاري ومسلم).

وهناك توجيهات نبوية أخرى دعانا فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مراعاة مشاعر الجار ولو كان ذلك في الطعام والشراب، فنجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يبين أنه لا يؤمن من أكل وشبع، وبات وترك جاره يبيت جائعًا، ولم يراع مشاعره ولم يهتم به، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : «مَا يُؤْمِنُ مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ طَاوٍ إِلَى جَنْبِهِ»(مصنف ابن أبي شيبة)،

فَمُرَاعَاةَ المشاعر منهج شرعي واجتماعي يحتاج إليه كل أفراد المجتمع، بداية من رب الأسرة مع أولاده وأهل بيته، والمسئول مع موظفيه وعماله، وكل منا مع من يتعامل معهم في حياته حتى يعم الحب والتعاون وتزداد روابط الألفة، ويرتفع شأن الوطن الحبيب.

عدد المشاهدة (21223)/التعليقات (0)

كلمات دالة: