18 يناير, 2020

فقه المحبين لأسماء رب العالمين (٢) .. "الله"

فقه المحبين لأسماء رب العالمين (٢) .. "الله"

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ_ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ_ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ_ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _قَالَ : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا- مِائَةً إِلا وَاحِدًا - مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .

والمراد ب (أحصاها) في الحديث ليس مجرد الحفظ فقط ،وإنما المراد الإيمان بها، وهو متوقف على ثلاثة أركان :

أولها :أن يؤمن المسلم بالاسم ،وأنه من أسماء الله الحسنىٰ.

وثانيها :معرفة وفهم المعنى المراد بهذا الاسم.

وثالثها :العمل به (بأن يكون للعبد حظٌّ من هذا الاسم ؛ بأن يَتَحلّى بمعناه بما يليق بصفات البشر).

فمن أحصاها بمعنى حفظها فقط، دون أن يؤمن بها ،ولم يفهم معناها،ولم يَتَحلَّ بمعناها بما يليق به فإنها لن تنفعه.

مثال تطبيقي :اسم الله عز وجل ( الغفور) ،ما معنى أحصيته؟

  • آمنت إيماناً صادقاً لا شك فيه أن هذا الاسم من أسماء الله الحسنىٰ.
  • فهمت معنى الاسم وهو: أن (المغفرة) هي الستر والتغطية، فالله_ عز وجل _يستر ذنوب عباده ويغطيها ، فلا يفضحهم أمام الخلائق يوم العرض الأكبر.
  • ثم يأتي دور تَحلَّي العبد بمعنى هذا الاسم، وإظهار آثار هذا الاسم في سلوكه وأخلاقه.

فإذا أذنبت ذنباً - وجميعنا معرضون للوقوع في الذنوب - ماذا أفعل؟

أقلع عن الذنب، وأتوب منه ،وأعزم على عدم العودة للذنب مرة أخرى، ثم يأتي دور (الإستغفار) ، أستغفر ربي على هذا الذنب ،

فأقول :اللهم اغفره لي، فأنا بذلك أطلب الستر من الله_ عز وجل_ في الدنيا والآخرة، ويكون عندي حسن ظن في الله_ عز وجل _بأنه سيغفر لي ما دمت أستغفر ،وأنه لن يفضحني أبداً أمام الخلائق يوم القيامة.

ففي الحديث عن ابن عمر_ رضي الله عنهما_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم _قال :

"إنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عليه كَنَفَهُ ويَسْتُرُهُ، فيَقولُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فيَقولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، حتَّى إذَا قَرَّرَهُ بذُنُوبِهِ، ورَأَى في نَفْسِهِ أنَّه هَلَكَ، قالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وأَنَا أغْفِرُهَا لكَ اليَومَ"(رواه البخاري).

ونبدأ مع أول اسم من أسماء الله الحسنىٰ وهو_ لفظ الجلالة_( الله) ولا ننسى القاعدة التي نسير عليها في جميع أسماء الله الحسنىٰ (الإيمان بالاسم /فهم معناه / و التَحلِّي بمعناه ).

أولاً : الإيمان بالاسم

آمنت إيماناً صادقاً لا شك فيه أن لفظ الجلالة (الله) هو اسم من أسماء الله الحسنىٰ.

ثانياً: معنى الاسم

-الله في اللغة أصله الإله، فهو الإله المستحق للعبادة والمحبة والتعظيم.

-و من أحسن وأجمل ما ورد في معناه ما ورد عن ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال : "الله :ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين".

_ولفظ الجلالة_ الله هو اسم لا يسمى به أحد غير الله، فلم نسمع قبل ذلك عن أحد سمى نفسه الله، فهذا لم يحدث أبداً_ حتى من المجترئين على الدين _فهو عَلم على الذات العليا اختص به_عز وجل_ وحده ولا يشترك معه فيه غيره.

_ومن خصائص هذا الاسم أيضاً أنه بالفعل اسم وليس صفة ،فجميع أسماء الله الحسنى رغم أننا نقول : أسماء الله، إلا أنها تدل على صفاتٍ لله _عز وجل _ ، فمثلاً اسم الله (الرحمن) يبرز صفة الرحمة لديه، (الغفور) يبرز صفة المغفرة لديه،

 ما عدا _لفظ الجلالة _الله فهو اسم، وعلى الرغم من كونه اسماً إلا أنه تندرج تحته كل الصفات التي تليق بذات الله المقدسة.

لذلك عندما  نبحث عن اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطي

نرى اختلافاً كبيراً وجدلاً واسعاً نحو معرفته

فمن العلماء من رأى أن اسم الله الأعظم هو

 "مالك الملك ".

ويرى آخرون أنه "الحي القيوم".

ويرى فريق ثالث أن اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين

قوله تعالى:"وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إلهَ إلا هو الرحمن الرحيم ".

وقوله تعالى :" اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ".

ويرى بعض العلماء أن اسم الله الأعظم في هذا الدعاء" اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم ".

ولكن رجّح كثير من العلماء _والله أعلم _أن اسم الله الأعظم هو _لفظ الجلالة_( الله) ومما يؤيد هذا الرأي:

_أن هذا الاسم هو أكثر الأسماء وروداً في القرآن الكريم ، فقد ورد أكثر من ألفين ومائتي مرة.

_أن الله عز وجل افتتح به ثلاثاً وثلاثين آية.

_أنه أصل لجميع أسماء الله الحسنىٰ وسائر الأسماء مضافة إليه، قال تعالى:"وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا".

فعندما ندعو الله_ عز وجل_ ندعوه بالاسم الذي يوافق طلبنا، فأقول مثلاً : يا غنيّ اغنني، يا عفوّ اعف عني، يا حكيم هبني الحكمة….

فإذا دعوت الله_ عز وجل _وقلت : يا الله ؛ فإنني بذلك أدعوه بكل صفات الكمال الواجبة له وليس بصفة واحدة.

ثالثاً:التحلي بمعنى هذا الاسم في سلوكنا و أخلاقنا:

أىّ أن نكثر من الدعاء به إذا ضاقت بنا الدنيا وكثرت علينا الهموم والمشاكل، فقط نرفع أيدينا إلى السماء ونقول : يا الله… ياالله….يا الله….

إننا بذلك نناجي الله _عز وجل_ بكل صفات الكمال الواجب لذاته المقدسة التى وصف بها نفسه.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى نتعايش فيه مع اسميّ الله _عز وجل_ (الرحمن- الرحيم) ونتعرف على المعنى المراد منهما، والفرق بينهما ،ونتحدث عن مظاهر رحمة الله تعالى بعباده….

اللهم اجعلنا ممن آمن بأسمائك الحسنىٰ، وفهمها ووعاها، وطبقها، ونشرها بين الناس، فأحببته وأحبك

آمين يا رب العالمين.

 

 بقلم :إلهام فاروق شبانة

واعظة بمنطقة وعظ دمياط

عدد المشاهدة (6018)/التعليقات (0)

كلمات دالة: منطقة وعظ دمياط