27 يناير, 2020

عدم الحب ليس سببا كافيا للطلاق

عدم الحب ليس سببا كافيا للطلاق

تقوم الحياة الزوجيّة على مبدأ المسامحة والتغافل بين الزوجين، وأداء ما عليهما من واجبات ومسؤوليّات وتضحيات، للوصول للغاية المنشودة التي وصفها الله في كتابه الكريم بالمودّة والرحمة  فقال تعالي :  "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم:21)، ولا شك أن الحياة الزوجية التي تقوم على الحب بين الزوجين هي الصورة المثلى للزواج، ولكنها ليست الصورة الوحيدة، ولا يعني كمال تلك الصورة استحالة استمرار غيرها من التي فُقد فيها الحب؛ فثمة عوامل أخرى تمد الأسرة بمادة بقائها واستمرارها، وكثير من المصالح تستمر بلا حب؛ فالزواج قائمٌ على التجربة والمعاشرة والمودة والرحمة التي جعلها الله بين الزوجين ، ويزداد الحب شيئًا فشيئًا مع الأيام، فيمتلأ البيت دفئا وسرورًا ينعم فيه الأبناء، وإن اعتري الحياة الزوجية بعض المنغصات فلا تعصف هذه المنغصات بالبيت ما دام الكل يؤدي ما عليه ويتقي الله في الطرف الآخر؛ فحسن العشرة وتبادل الحقوق والواجبات كفيل _  مع الزمن _  برأب الصدع، وإنشاء المحبة والرحمة بينهما، فالسعيد من رزق زوجة صالحة تعينه على أمر دينه ودنياه، وتكون له سكناً وأمنا، ويجد في كنفها المودة والرحمة وقرة العين والقلب، ورغم أن وجود الحب بين الزوجين أمر مهم، إلا أن الحياة الزوجية يمكن أن تدوم بدونه، وعدم الشعور بالحب لا يستلزم الفراق، والعاقل عليه أن ينظر إلي الطلاق باعتباره الكيّ المؤلم الذي يضطر إليه المريض؛ فعقلاء العرب قالوا: "آخر الدواء الكيّ" وقبل التفكير في هذا الكيّ لابد من استنفاد جميع الوسائل الممكنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (رواه مسلم)، أي لا يبغض الرجل زوجته لأنها أساءت في خلق واحد، بل يقارن إن كره خلقاً منها رضي منها خلقاً آخر.

ليس على الحب وحده تبنى البيوت، كما ورد في الأثر عن عمر بن الخطاب _  رضي الله عنه _ عندما جاءه رجل يستشيره في طلاق امرأته، فقال له عمر: لا تفعل، فقال الرجل: ولكني لا أحبها ، قال عمر _ رضي الله عنه_: "ويحك وكم من البيوت يبنى على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم؟ "والمقصود أن البيوت إذا عز عليها أن تبنى على الحب، فهي يمكن أن تبقى وتستمر على ركنين آخرين هما: الرعاية والتذمم ، فالرعاية بمعني التراحم والتكامل وتأدية الحقوق والواجبات، والتذمم هو التحرج من أن يصبح الرجل مصدرًا لتفريق الشمل وتقويض البيت وشقوة الأولاد .

ونكد العيش وسوء المصير؛ فأين تجد المرأة رجلا ترتضى جميع  خصاله ؟ وأين يجد الرجل امرأة ترتضى من جميع الجوانب؟ فقد ورد في الأثر عن عمر  _ رضي الله عنه _أنه قال:  " ...فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام " وفي رواية أخرى  أن امرأة سألها زوجها : هل تبغضه؟ فقالت: نعم، فقال لها عمر:  "فلتكذب إحداكن ولتتجمل، فليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام" فقد أباح عمر الكذب للزوجة والتجمل في القول لزوجها حفاظًا على الزوجية،  والمراد إظهار الود والمحبة واللين فى القول مما يساعد على استقرار العلاقة الزوجية.
 

بقلم الواعظ / صفوت عمارة

عدد المشاهدة (8203)/التعليقات (0)