عند الحديث عمّا يتعلق باسمَي الله - تعالى - (الرحمٰن - الرحيم)
ينبغي لنا ألا ننسى القاعدة التي نسير عليها ونحن نحصي أسماء الله الحسنىٰ ، وهذه القاعدة هي:
(الإيمان بالاسم / فهم معناه / حظ العبد منه) .
أولاً : الإيمان بالاسم :
آمنت إيماناً صادقاً لا شك فيه أن اسمَيّ (الرحمن الرحيم) هما اسمان من أسماء الله الحسنىٰ .
ثانياً : فهم المعنى المراد من هذين الاسمين ويتضمن :
-معنى اسميّ الرحمن الرحيم.
-الفرق بينهما.
-مظاهر رحمة الله تعالى بعباده.
معنى ( الرحمن- الرحيم) : هما اسمان مشتقان من الرحمة ، والرحمة في اللغة هي : الرقة والرأفة والشفقة .
والمراد بها في حق الله - تعالى - : أنه المُنعِم المتفضِّل المحسِن ، أو مريد الإنعام على الجميع ؛ فهو الذي يسدل النعم وإن كان المُنعَم عليه لا يستحق أكثرها .
_ فرحمة الله -عز وجل- ﴿تامة وعامة) ؛
أما تمامها : فمن حيث إنه سبحانه يقضي حاجة المحتاجين .
وأما عمومها : فمن حيث شمولها المستحق وغير المستحق .
_ والرحمة لا تخلو من رقة مؤلمة تعتري الرحيم فتُحركَه لقضاء حاجة المرحوم -هذا بالنسبة للمخلوقات فقط ،أما بالنسبة لله - تعالى - فهو منزه عن هذه الرقة المؤلمة، وهذا ليس بنقصان في معنى الرحمة ، بل هو غاية الكمال لله تعالى ،وذلك لأن تألم الراحم وتفجعه يكون بسبب ضعف نفسه ونقصانها ، والله - عز وجل - منزه عن الضعف والنقصان.
و الرحمن والرحيم صيغ مبالغة، ولكن الرحمن أبلغ من الرحيم ؛ أي يدل على رحمةٍ أعم وأشمل مما يدل عليه الرحيم ، فمن المعروف عند علماء البلاغة أن (فعلان) أشد مبالغة من ( فعيل ) .
وهناك عدة فروق بين " الرحمن والرحيم " منها ما يلى :
الفرق الأول:
أن (الرحمن) اسم مختص بالله - عز وجل - ولا يسمى به غيره، فصار مشابهاً للفْظ الجلالة " الله " الجاري مجرى العَلَم ، فلا يجوز إطلاقهما على أحد غير الله .
تأملوا معي قوله تعالى : "قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ" (الإسراء :١١٠)
حيث عادَل - سبحانه وتعالى - بين الاسمين فلا يسمى بهماغير الله،
لذلك لما سَمى مسيلمة الكذاب نفسه (رحمٰن اليمامة) ، لقبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (بالكذاب) ، فلا يذكر اسمه إلا واقترن بالكذاب ، فصار لا يعرف إلا به .
أما اسم الله عز وجل (الرحيم) فيمكن أن يطلق على غير الله ، وقد أطلقه الله - عز وجل - على النبي - صلّى الله عليه وسلم - ،
فقال تعالى :"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" (التوبة : ١٢٨).
الفرق الثاني :
أن (الرحمن) صفة الرحمة فيه شاملة لجميع الخلائق في الدنيا ( من مؤمن وكافر، مطيع وعاص ، بَرّ و فاجر) فالله - عز وجل - يرزق الجميع: المال، والغذاء ،والصحة، والزوجة، والأولاد، والسمع، والبصر، والكلام وغير ذلك الكثير والكثير….
أما في الأخرة فإن رحمة الله -عز وجل- تكون خاصة بالمؤمنين فقط ، ولا حظّ للكافر فيها .
وأن (الرحيم) صفة الرحمة فيه خاصة بالمؤمنين في الآخرة.
فالله -عز وجل- هو رحمن الدنيا (للمؤمن وغيره) ،ورحيم الآخرة (للمؤمن فقط)
الفرق الثالث: من حيث ذكرهما في القرآن :
افتتحت جميع سور القرآن الكريم ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ما عدا سورة التوبة .
لذلك روى أن أحد العارفين بالله كتب( بسم الله الرحمن الرحيم) فى صحيفة، وأوصى أن تُجعل في كفنه ، فقيل له أىّ فائدة لك فيها ؟
فقال : أقول يوم القيامة يا رب بعثت كتاباً وجعلت عنوانه "بسم الله الرحمن الرحيم" فعاملني بعنوان كتابك..
وسميت سورة في القرآن باسم الله -عز وجل -(الرحمن)
وهي سورة الرحمن
ومن الجميل قول سعيد ابن جبير -رضي الله عنه- : "الرحمن فاتحة ثلاث سور ، إذا جمعن كُنّ اسم من أسماء الله تعالى "الٓرٓ"، "حمٓ"، "نْ"، فمجمُوع تلك الفواتح هو : ﴿الرحمن﴾.
ورحمة الله - عز وجل - لا تزول ولا تنقطع ولا تنفذ أبداً ،حيث كتبها على نفسه فقال تعالى : " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ" (الاعراف : ١٥٦).
ورحمته - سبحانه وتعالى- سبقت غضبه ، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إن الله لما قضى الخلق ، كتب عنده فوق عرشه ، إن رحمتي سبقت غضبي".
والرحمة جعلها الله - عز وجل- مائة جزء ،كل جزء منها طِباق ما بين السماء والأرض ، فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة ، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة بِها يتعاطفون، وبها يتراحمون ، وبها يعطف الوحش على ولده، حتى إن الدابة ترفع حافرها عن ولدها خوفاً من أن تصيبه ، وأخّر الله -عز وجل - تسعة وتسعين رحمة يرحم الله _ عز وجل _ بِهم عباده يوم القيامة .
فالله -عز وجل- ذو رحمة واسعة، نال منها الإنس والجن، المؤمن والكافر، الحيوان والطير والنبات وكل شيء حتى النملة في جحرها.
فقال تعالى _ على لسان ملائكته الذين هم أعرف الخلق بربهم _:" رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ" (غافر :٧).
لذلك نجد النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قام للصلاة يوماً، قام أعرابي وقال : "اللهم ارحمنى ومحمداً ، ولا ترحم معنا أحدا" فلما سلم النبي - صلى الله عليه وسلم- ، قال للأعرابي" لقد حجزتَ واسعاً".
-يقصد بذلك- أن رحمة الله واسعة ،فلمَ تُقصرها علينا ، وتحرم منها باقي الخلق؟ .
وتأملوا أيضاً في هذا الحديث حسن خلق النبي _ صلي الله عليه وسلم _ وأدبه الجمّ، وتفهمه لعدم فهم الأعرابي لأمور دينه ، وحرصه على تعليمهِ بأوجزِ أسلوب.
ويكفينا عزاً و فرحاً أن الله- عز وجل- قد غمرنا برحمته وعطفه وإنعامه علينا ،حتى إنه سبحانه أرحم بنا من أمهاتنا
فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ : قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْي فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم _ : أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا : لاَ وَاللَّهِ وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صلى الله عليه وسلم _: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا. (رواه مسلم) .
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى ، نتحدث فيها عن مظاهر رحمة الله تعالى بعباده ، وكيفية التطبيق العملي لصفة الرحمة في حياتنا اليومية وحظّ العبد من صفة الرحمة .
اللهم اجعلنا ممن آمن بأسمائك الحسنىٰ وفهمها ووعاها وعمل بها ونشرها بين الناس فأحببته وأحبك يا رب العالمين.
بقلم: إلهام فاروق شبانة
واعظة بمنطقة وعظ دمياط