(الرحمن الرحيم) الجزء الثانى
مظاهر رحمة الله تعالى بعباده :
أنعم الله - عز وجل - على عباده بنعم كثيرة لا تُعد ولا تُحصى وذلك رحمةً منه - سبحانه وتعالى ، ومن هذه النعم :
_ خلق الله الإنسان بيده ، وسواه ، وعدّله، ونفخ فيه من روحه ، وأنشأ له السمع ، والبصر ، والفؤاد ، والعقل ، وأحبّه ، ثم كرّمه ؛ بأن أسجَد له الملائكة ، تكريماً وتعظيماً له، ومن رَفض السجود لعنه الله وطرَده من رحمته.
_ أرسل الرسل والأنبياء رحمة لبني الإنسان ؛ لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدىٰ
_ بعث الله النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرسله رحمةً للعالمين جميعاً .
قال تعالى :" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ"
(الأنبياء :١٠٧) .
_ أنزل القرآن رحمة للعالمين ، فيه بيان لكل شئ ، وفيه الموعظة ، والهدى ، والنور والرحمة.
قال تعالى "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (النحل: ٨٩) .
_ جعلنا مسلمين ؛ وهذه أعظم وأفضل رحمة، لذلك إذا نظرنا إلى الموضِع الوحيد في القرآن الكريم الذي أمرنا المولى - عز وجل - فيه بالفرح نجِدهُ الفرح بأن جعلنا مؤمنين .
قال تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَخَيْرٌ مِّمَّا يَجمعون ( ٥٨ )"( يونس٥٧-٥٨).
_ ومن رحمة الله -عز وجل - بِنا ؛ أنه ينادي علينا كل ليلة في الثلث الأخير من الليل ، ليستجيب لدعائنا ويتوب علينا ، ويغفر لنا ذنوبنا .
قال - صلّى الله عليه وسلم - : "ينزل ربنا - تبارك وتعالى - إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجِر الفجر" (البخاري ومسلم)
_ كذلك من رحمة الله -عز وجل - بِنا، تقربه منّا .
فمن البدهيّ أن يحاول العبد التقرب من سيده وليس السيد هو الذي يحاول التقرب من عبده ، ولكن من رحمة الله - عز وجل - بنا أنه - جل جلاله وتقدست أسماؤه - هو الذي يتقرب منّا ، وفي ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن الله تعالى أنه قال : "من تقرب مني شبرًا تقربتُ منه ذراعاً ، ومن تقرب مني ذراعاً تقربتُ منه باعاً، ومن أتاني يمشى أتيته هرولةً" .
_ ومن رحمته - سبحانه وتعالى - ذكره لعباده المخلصين في الملأ الأعلى ، قال وتعالى : "فاذكروني أذكركم" .
فليس العجب (فاذكروني) ، فمن العادة أن يذكر الضعيف القويّ ، والفقير الغنيّ ، والذليل العزيز، ولكن العجب كل العجب أن يذكر القويّ الضعيف ، والغنيّ الفقير، والعزيز الذليل ،
فالعجب في قوله تعالى : ( أذْكركُم) .
_ كما تظهر وتتجلى رحمة الله- عز وجل- أكثر وأكثر في تعامله سبحانه وتعالى مع عبده التائب الذي أذنب ذنباً أو ارتكب معصية أو فعل شيئا حرمه الله تعالى، ثم تاب منه وندم عليه واستغفر .
انظرو إلى هذا الترتيب الرائع في تعامل الله - عز وجل - مع المذنب :
يبسط يده لعبده كي يتوب .
يفرح بعبده التائب .
يغفر لعبده التائب .
يبدل سيئاته حسنات.
فما أجمل هذا التعامل !
و ما أرحمك يا الله !
_ وأخيراً فإن من رحمة الله الواسعة أن خلق لنا الجنة ودعانا إليها ، فدخول الجنة ليس بالعمل وحده مهْما عمل الإنسان من طاعات في حياته ؛ وإنما يكون دخولها برحمة الله .
قال النبي- صلى الله عليه وسلم - : "لا يدخل الجنة أحد بعمله ، قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرةٍ منه، ورحمة"
ثانيا : حظ العبد من اسم الله " الرحمن" ومن اسمه " الرحيم" :
بعد أن آمنت بالاسمين وفهمت معناهما ،حان الآن دور التطبيق العملي الذي يتمثل في : ١_التعايش مع صفة الرحمة- عند الله تعالى- فى كل أمور حياتنا، فإذا مرت بك شدّة ، أو ضاقتْ عليك الدنيا، تذكر فوراً أن رحمة الله - عز وجل - لا تعِزّ على من طلبها ، فسيدنا إبراهيم - عليه السلام - وجد هذه الرحمة لما أُلقي في النار، وسيدنا يوسف - عليه السلام- وجدها في الجب ، و سيدنا يونس - عليه السلام - وجدها في بطن الحوت ، وسيدنا موسى - عليه السلام - وجدها في قصر عدوه فرعون، والسيدة هاجر- عليها السلام - وجدتْها في صحراء جدْباء لا زرع فيها ولا ماء .
٢_التفكر في رحمة الله تعالى المحيطة بنا ، وحمده وشكره عليها ، فإن رحمة الله - عز وجل - موجودة في كل شئ فى الكون،
فالشمس مثلاً تحافظ على بعد ثابت من الأرض ؛ هذا البعد يضمن قدراً ثابتاً من الحرارة لا يزيد فتقتلنا الحرارة ولا ينقص فتقتلنا البرودة .
والهواء المحيط بنا يحتوي على الأكسجين اللازم لعملية التنفس .
والماء يمثل معظم مساحة الكرة الأرضية.
وبطن الأم يرزق فيه الطفل بحول الله وقوته.
والأرض تنبت الزرع ، والليل جعله الله لنا سكناً لنجد فيه الراحة والسكينة.
والنهار للسعي والعمل ولكسب الرزق.
كل ذلك وأكثر منه من رحمة الله.
حتى الابتلاءات التي يقدرها الله - عز وجل على بعض عباده هي رحمة منه _سبحانه _إما لرفع درجاتهم، أو لتكفير سيئاتهم، أو لتذكيرهم بنعمة نسوا شكر الله - عز وجل - عليها
فإن أمر المؤمن كله له خير، كما أخبرنا بذلك رسولنا الكريم _ صلي الله عليه وسلم _
٣/أن يكون عندنا دائماً حسن ظن بالله - عز وجل -
فالرحمة بيد الله ولا يستطيع أحد أن يحجبها عنك ، أو يمنع وصولها إليك ، قال تعالى : "مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (فاطر:٢)
وللحديث بقية إن شاء الله_ تعالى _نتحدث فيه عن اسم آخر من أسماء الله- عز وجل- وهو (الملك) وعن كيفية إحصائه ، ثم نتعرف على المعنى المراد منه، والتطبيق العملي له .
اللهم اجعلنا ممن آمن بأسمائك الحسنىٰ، وفهمها ووعاها وعمل بها ونشرها بين الناس فأحببته وأحبك.
آمين يا رب العالمين .
إلهام فاروق شبانة
منطقة وعظ دمياط