04 مارس, 2020

الأعراف والتقاليد بين الحداثة والتقليد

الأعراف والتقاليد بين الحداثة والتقليد

كل مجتمع له عاداته وتقاليده التي توارثها خلال تاريخه عن طريق الحضارة والدين, وأعرافنا كمجتمع عربي تعد إيجابية وذلك لاتصال معظمها بالدين, وهو ما يشكل هويتنا ويحافظ عليها من كل ما هو دخيل على المجتمع, فنحن نعيش الآن  في زمن تداخل الثقافات بين المجتمعات بسبب التطور التكنولوجي واختلاط المفاهيم والأفكار.  
وهناك فرق بين الإجماع  والعرف ، فالإجماع ما اتفق عليه مجتهدو الأمة وعلماؤها، أما العرف فهو ما اعتاده الناس من قول وفعل وألفته نفوسهم, وتوارثوه عبر الأجيال.
والأعراف في ديننا الحنيف لها شأنها ولكن بشروط حددها الشرع, كما أن العادات أحيانا تساعد الفرد على معرفة هوية أجداده من خلال عاداتهم المتوارثة.
علاقة الإسلام بالأعراف والتقاليد:-
 لقد امتن الله على أمتنا بأن جعلها أمة وسطا دون إفراط أو تفريط, والقرآن يشهد على ذلك بكثير من النماذج والأمثلة, منها قوله تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا" {الفرقان/67} وقوله سبحانه: "وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ" {الأنعام/152}.
•و    الأصل في حياتنا أنها تقوم على الشرع ، والشرع لم ينكر من الأعراف ما كان صالحاً، وما يحقق مقاصده الحكيمة الوسطية؛ وإنما أنكر ما دون ذلك ولو كان عرفا يسري في الأمة بأكملها ؛ لذا لم يأمرنا باتباع فكر بعينه بل أمر باتباع ما يحقق غايته فقط.
ومن هنا فنحن لا نترك القديم كله ولا نتبع الجديد كله بل نواكب العصر بما يخدم الشرع.  
•    وهناك تقاليد إيجابية لا يجب التخلي عنها، مثل: إكرام الضيف واحترام الكبير والعطف على الصغير والألفة بين الجيران وأهل المنطقة ومساندة أهل المتوفى والوقوف معهم ومساعدتهم ماديا وغيرها من الأمور التي تعد من التقاليد الإيجابية, فهذه كلها أعراف حسنة تخدم الشرع وتحقق غايته ؛ لذا أمر بها الشرع وحث عليها, ولنا في رسول الله_ صلى الله عليه وسلم _الأسوة الحسنة في سائر الأخلاق والعبادات والمعاملات.
•    وهناك بعض العادات التي لا تعود على مجتمعنا بالنفع بل أحيانا تمنع عنا الخير، مثل: عدم الالتحاق بالتعليم الأجنبي بدعوى التأثر بالثقافات الغربية, وفكرة أخذ الثأر, وإطلاق الأعيرة النارية في المناسبات، وزواج البنت بمعيار الجاه والمال لا بمعيار الأخلاق والدين وغير ذلك من العادات المذمومة التي نهي عنها الإسلام.
•    وهنالك أيضا بعض الأفكار السلبية المتوارثة مثل: محاولة التجارة بالدين والمعتقدات والأفكار, والادعاءات الكاذبة لتضرر المرأة في زمننا وعدم حصولها على حقوقها وتفضيل الرجال عليها في كل الأمور, وتناسى هؤلاء تماما ذلك التكريم والتفضيل الذي منحه الشرع الحنيف للمرأة حتي وصلت من خلاله إلي مكانة لم تصل إليها من قبل.  
علما بأن التمسك بمثل هذه الأفكار والأعراف السلبية قد يكون سببه الجهل أو الكبر أو محاولة إحداث الفتن والاضطرابات في المجتمعات الآمنة.  
•    وقد قلدت بعض المجتمعات المسلمة بشكل غريب ومريب مجتمعات ما قبل الإسلاممن خلال تمسكها بالعادات والتقاليد التي تتعارض بشكل صريح مع تعاليم الإسلام وقيمه؛ وذلك عن طريق التقليد الأعمى لعادات ليس لها أي أساس من ديننا الحنيف؛ بل إنها تتعارض بشكل واضح وجلي معه.
•    ولننظر إلى حالنا في هذه الأيام, لنرى عادات وتقاليد مستحدثة لا نعلم لها مصدرا ولا أساسا !! وأصبح شغلنا الشاغل هو كلام الناس وردود أفعالهم, واتباع تقاليدهم التي لا تمت لديننا بصلة !! فتقاليد الزواج التي كان مبدأها التيسير أصبحت الآن - بحكم العادات والتقاليد غير القويمة - عبئا على كاهل الشاب والفتاة بسبب كثرة المصروفات التي تقع في غير محلها ، وكل ذلك سببه  الاتباع الأعمى للعادات والتقاليد السلبية, فأين نحن من قول - الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المقام - : "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"؟!!
•    ومن جانب آخر هناك ظاهرة الحداثة بمفهومها الخاطئ الذي يجعل الشباب يتمردون على أسلوب حياتهم ويتركون  العادات والتقاليد الأصيلة بحجة مواكبة العصر بتقليد أعمى لثقافة الغرب وأسلوب حياتهم بشكل عام دون تجرد أو نظر أو اختيار.
 ولنتأمل حال الشباب هذه الأيام الذي سيورثونه لأولادهم مستقبلا علي ما فيه من أفكار خاطئة وسلوكيات ما أنزل الله بها من سلطان مثل : فكرة الانتحار  وعدم الاهتمام بالتعليم مع التركيز فقط على الماديات  والاهتمام بالسوشيال ميديا ونشر الحياة الخاصة على الملأ وغيرها من السلبيات التي لا يتسع المجال لذكرها.
    •    والواجب علينا أن نعلم كيف نزن الأمور بميزان الشرع, وأن تكون لنا الحرية في قبول ما هو جديد أو رفضه تبعا للشرع، والنظر في مدى توافق ذلك مع مقاصد الشريعة من عدمه.
فالإسلام يدعونا إلى الوسطية والاعتدال, لا إلى الإفراط أو التفريط, وينهانا كذلك عن الغلو والجفاء, "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا" {البقرة/143}.
ولا أريد بهذا المنطق أن يبقى الفرد سجين عاداته وتقاليده؛ بل لابد له من اتباع الحسن منها, بحيث لا يكون إمعه, بل يكون له فكره الذي يواكب العصر ويعمل على سد الفجوة بين الأجيال, وحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله تبارك وتعالى.

حسين محمد حسين 
واعظ باللغة الانجليزية 
بمجمع البحوث الإسلامية

عدد المشاهدة (22338)/التعليقات (0)

كلمات دالة: