يجب على الإنسان ألا يعيش لنفسه وحسب؛ بل لابد أن يتعدى نفعه وخيره إلي الآخرين، ويكون الأمر أكثر وجوبا ، والأجر أعظم نفعا وبركة في وقت الشدائد والمحن والنكبات، كالتي تعصف ببلادنا هذه الأيام واحتكر فيها بعض التجار _ وللأسف الشديد _ كثيرا من المواد الغذائية، وارتفعت أسعار المطهرات والكمامات، وتوقفت جُلُّ الأعمال، وصودر دخلُ كثير من الأفراد والأسر خاصة دخل أصحاب الأعمال اليومية .
فلماذا تحدث هذه السلوكيات السلبية لا سيما وقد أنعم الله علينا بنعم كثيرة من واسع فضله وعظيم عطائه؟!!
يجب على كل واحدٍ من أفراد المجتمع أن يقوم بواجبه تجاه الآخرين ، ولا مانع إطلاقا من أن يتنازل عن حظوظ نفسه ومصالحه الشخصية من أجل المصلحة العامة.
وتتجلى ثمرة التكافل في تماسك بنيان المجتمع وحمايته من الضياع .
وما أحوجنا _ونحن في هذه الأحوال _إلي مضاعفة فعل الخيرات والصدقات تكافلا وتضامنا مع الفقراء والمحتاجين، وتعاونا وبرا بأهل الحاجات والضرورات، وعملا بالأخلاق والمبادئ والقيم، واستجابة لقول الله تعالى: "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [المائدة:2]
كما يستحب التجاوز عن المُعْسرين خلال مدة توقف الأعمال ، فعن أبي هُريرة رضي الله عنه _ أن رسول الله _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ رَجُلاً لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ : هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لا، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ لِي غُلامٌ، وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ : خُذْ مَا تَيَسَّرَ وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ"
أخرجه النسائي.
أما عن طمع وجشع بعض التجار فقد شهدت الأيام القليلة الماضية رفعا غير مبرر لأسعار بعض السلع والمواد الغذائية، وكذلك المطهرات والمنظفات والكمامات ومواد التعقيم ؛ نتيجة الإقبال الكبير من قبل المواطنين عليها، وهذا الطمع قد تكون له أثار سلبية على المجتمع ؛ لا يقوي علي تجاوزها وتحملها إلا أصحاب النفوس القوية والعزائم الأبية؛ لأنه لا يستقيم على الأخلاق العظيمة في مختلف الظروف وأشدها إلا العظماء، وأذكركم ونفسي بما فعله عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في عام الرمادة عندما اشتد بالمسلمين الفقر والجوع حيث جاءته تجارة من الشام بها ألف بعير محملة بالتمر والزيت والزبيب؛ فجاءه تجار المدينة وقالوا له : تبيعنا ونزيدك الدرهم درهمين؟ فقال عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لهم : لقد بعتها بأكثر من هذا، فقالوا : نزيدك الدرهم بخمسة؟ فقال لهم عثمان -رضي الله عنه - : لقد زادني غيركم الدرهم بعشرة، فقالوا له: فمن الذي زادك وليس في المدينة تجار غيرنا؟ !! فقال لهم عثمان -رضي الله عنه-: " لقد بعتها لله ولرسوله، فهي لفقراء المسلمين".
كانت أمام سيدنا عثمان- رضي الله عنه_ الفرصة سانحة ليربح أموالا طائلة ويستغل ظروف المجتمع الاقتصادية السيئة؛ ولكنه رفض ذلك ابتِغاء وجه الله .
فاتقوا الله عباد الله، وسيروا علي النهج، وتراحموا فيما بينكم، وادعوا الله جميعا أن يدفع عنا الوباء ويرفع البلاء.
بقلــم الواعظ / صفوت عمارة