17 مايو, 2020

مع الله

مع الله

ودخلت العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، وهذه العشر عشر العتق، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشرُ شدَّ مئزرَه، وأحيَا ليله، وأيقظَ أهلَه» وفي رواية لمسلم عنها، قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهدُ في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ ما لا يجتهدُ في غيرِه» .
ولهذه العشر من الوظائف ما اختصت به كالتهجد والاعتكاف، ولكن لتحقيق الوصول إلى الغاية منها لا بد من مفتاح للدخول، ولو تأملنا وظيفة الاعتكاف- الذي حرمنا منه هذه السنة في المساجد- لرأينا أنه لا يمنع أن نهيئ لأنفسنا مكانا في بيوتنا نحوله إلى خلوة مع الله، ونحقق المعاني التي لأجلها شرعت هذه الوظائف.
وأبدأ بالاعتكاف الذي نريد فيه معنى تنبغي الإشارة إليه، وهو أن  غاية الاعتكاف هي حبس النفس وذم الجوارح ومراعات الوقت، والمراد بحبس النفس هنا حبسها عن شهواتها وميولاتها، بتصفيتها من الأغيار وتعلقها بالواحد القهار، وأما ذم الجوارح فهو عدم الالتفات إلى متطلباتها؛ فاليد تريد البطش، واللسان يريد الثرثرة، ولكن إذا حبست النفس عرفت الجوارح مكانتها؛ لأن أنوار القلب تذمها وتهذبها، وأما مراعاة الوقت فهو باب عظيم لمن فقهه، وفي الحكمة: الوقت كالسيف إذا لم تقطعه قطعك، ومن صفى قلبه علم أن الصحبة مع الأنفاس، وقد ذكر الشيخ الأكبر رضي الله عنه أن حقيقة الاعتكاف هي: الإقامة مع الله على ما ينبغي لله، وهو يشير إليك بأنك كالمسافر من مكان إلى آخر، ولكن اجعل مكان انتقالك مكان إقامة في هذه الفترة حتى لا تشعر بالوحشة، ولتعلم أن مكان إقامتك الحقيقي هو أن تكون في معية الله تعالى، وأن كل ما سوى ذلك هو سراب لا قيمة له، فالإقامة مع الله على الدوام هو طريق أهل الله، فإذا دخلت إلى خلوتك فوض أمرك إليه يوفقك إلى العبادات وينزل عليك أنوار التجليات، أما إذا دخلت بحظٍ من نفسك خرجت أسوأ مما دخلت به، وتأمل قول ابن عطاء الله: كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته؟ .
ثم بعد ذلك ابدأ بجمع الهمة وادخل من باب الاضطرار، وتذكر قوله سبحانه: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه... " وأيقظ أهلك، وشاركهم معك في الخيرات؛ فقد كان سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُوقظُ أهله للصلاة في ليالي العشر، وأخرج الإمام مالك في الموطأ أن عمر -رضي الله عنه- كان يصلي من الليل ما شاء الله، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاةَ الصلاةَ، ويتلو هذه الآية "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا..." الآية.
وأكْثِرْ من الذكر، وأفضلُ الذكر بعد القرآن لا إله إلا الله، فصاحبها معك دائما، واعلم أن كل شيء خلا الله باطل، فإذا تحققت بهذا نلت العتق.

الواعظ / عبدالعزيز معروف

عدد المشاهدة (17766)/التعليقات (0)

كلمات دالة: اخبار1441