22 يونيو, 2020

توبة كتوبة الصحابة

توبة كتوبة الصحابة

 

جلس الأب مع أبنائه، وبعد أن قص عليهم قصة الرجل الذي أذنب وفعل كثيراً من الذنوب والمعاصي كيف تاب إلى الله تعالى وتاب الله تعالى عليه ، وبعد أن انتهي من حديثه سأله أحد أبنائه كيف يقع الإنسان في الذنب، وكيف يتوب منه، وكيف يعلم أن الله تقبل توبته؟ ابتسم الأب وفرح بسؤال ابنه وأجابه:- بأن أعداءَ الإنسانِ ثلاثةُ: الشيطانُ، والنفسُ الأمارةُ بالسوءِ، ورفقاءُ السوءِ، لذا حذرنا الله ورسوله منهم، أما عن التوبة فلابد أولاً أن يُقلع الإنسان عن الذنب أو المعصية ويندم عليها ويعزم علي عدم العودة إليها، وهذا إن كانت متعلقة بحقوق الله سبحانه، وإن كانت متعلقة بحقوق العباد فلابد مع هؤلاء أن يرد الإنسان الحقوق إلي أصحابها، فسأله ابنه ثانيةً : لكن يا أبي هل كل الناس تُخطئ، فأنا أعلم أن خير الناس الصحابة الذين كانو في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فهل كانو يُخطئون مثلنا ؟

أجاب الأب:- نعم بالطبع فهم بشر، ومن خصائص البشر أنهم يخطئون ولا يوجد إنسان لا يخطئ أبدا، عن أبي هريرة أن رسول الله-صلي الله عليه وسلم- قال " والذي نفسي بيده لو لم تُذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يُذنبون ويستغفرون الله فيغفر لهم " رواه مسلم.

ولكن هذه ليست دعوة للذنوب وإنما دعوة للتوبة، وتقريب للواقع الذي خلقه الله عز وجل بأن الإنسان يخطئ والكمال لله سبحانه وحده، فليس العيب أن نخطئ وإنما العيب كل العيب أن نُصّر علي الخطأ، وتوبة الصحابة تتميز بصفات رائعة، لو تتبعناهم وحذونا حذوهم تقبل الله منا التوبة ،

وأول هذه الصفات: التوبة من قريب :- فهذه سمة واضحة جداً في حياة الصحابة، فالصحابي قد يخطئ وقد يكون خطأه كبيراً، لكنه لا يؤجل التوبة كما يفعل بعضنا ويقول غداً أصلي، في العام المُقبل أصوم، وإنما كان يسارع بالتوبة تطبيقاً لقول الله تعالى" إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوٓءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً " (النساء:١٧).

فالصحابي الجليل كعب بن مالك الأشجعي كان من الذين خُلِّفوا عن غزوة تبوك وتاب الله عليه بصدقه، وقوله الحق لرسول الله ، خلافًا للرجال الذين لم يشهدوا غزوة تبوك، وتعذروا بأعذار كاذبة؛ فقد أصر كعب على أن يقول الحق لرسول الله مهما كانت النتائج؛ لأنه قد قعد عن الجهاد بغير عذر، وكان رسول الله نهى الصحابة عن محادثة هؤلاء الثلاثة (والآخران هما: مرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي رضي الله عنهما)، وتحمَّل كعب ذلك بكل صبرٍ وثبات، وظل كعب وصاحباه رضي الله عنهم على هذه الحال من الضيق والغم طوال خمسين ليلة، حتى ظنوا أن الأرض قد ضاقت عليهم، ولكن الله العليم الرحيم أنزل على نبيه أنه قد تاب عليهم (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

(التوبة: ١١٨) وهكذا فقد كانت شجاعة كعب في قوله الحق وصدقه عاملاً أساسيًّا في قبول توبته، فقد  أصرَّ على أن يقول للرسول الحق، ولم يحاول أن يختلق أعذارًا كغيره من المتخلفين، ودائماً تذكر يا بني أنه لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار، وفي المرة القادمة نتعلم السمة الثانية من سمات التوبة عند الصحابة الكرام.

بقلم الواعظة / إيمان محمد زين العابدين أبوطه.

منطقة وعظ الغربية.

عدد المشاهدة (7222)/التعليقات (0)