ضوابط إرشادية - الإعجاز العلمي ومنهجبة تدبر الآيات القرآنية

أ.د / كريم حسنين

  • | الأربعاء, 27 يوليه, 2016
ضوابط إرشادية - الإعجاز العلمي ومنهجبة تدبر الآيات القرآنية

إعداد: أ.د. كريم حسنين إسماعيل عبد المعبود
أستاذ التوليد وأمراض النساء بكلية الطب – جامعة عين شمس
وعضو بلجنة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة – مجمع البحوث الإسلامية – الأزهر الشريف

 
إن تدبر الآيات القرآنية فريضة على كل من أوتي علماً، قال تعالى "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ" ص (29)، مع استنكار تقاعس المتقاعسين، قال تعالى "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا" النساء (82)، و"أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" محمد (24). من الآيات الواجب تدبرها في القرآن الكريم (قول الله تعالى أو الكتاب المسطور) ما هو يتعلق بالقوانين الكونية، أي الحقائق الكونية اليقينية (فعل الله تعالي أو الكتاب المنظور)، والتي تتكشف يوماً بعد يوم، وهو ما اصطلح على تسميته بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وذلك لبيان التطابق بين القول والفعل مصداقاً لقوله تعالى "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ" فصلت (53)، و"وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" النمل (93).
(أولاً) القواعد العامة لتدبر الآيات القرآنية:
1)    يجب دائماً وضع مصدرية القول عين الإعتبار، فالقرآن صادر عن الله سبحانه وهو مطلق العلم، فلا يجوز تقييد تدبر أو محاولة فهم قوله جل وعلا في نطاق متخصص ومحدود للباحث، والواجب هو الإيمان المطلق بأن إعجاز القرآن يشمل جميع الأوجه -اللغوي والكوني والبياني واللفظي والبلاغي والتشريعي-  وبالتالي تسخير هذه المعارف الإنسانية جميعها في خدمة تدبر الآيات الكريمة.
2)    تدبر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر، حيث قال تعالى "كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" فصلت (3)،  وهو الأمر الأولى لأنه تعالى قد تعهد بحفظه في قوله "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" الحجر(9)، فإن لم نجد فمن السنة الصحيحة، وهي صادرة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- المعصوم، مع مراعاة استبعاد الضعيف والموضوع، فإذا لم نجد رجع إلى أقوال الصحابة ثم إلى أقوال التابعين، أما ما لم يرد فيه نقل فاللغة العربية طريق أساسي للتوصل إلى فهمه، قال تعالى "وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ" الشعراء(192-195)، قال تعالى "كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" فصلت (3)، وقال تعالى "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" يوسف (2).
3)    الإيمان المطلق بالإعجاز اللفظي والحرفي للقرآن الكريم، فهو لم يخرج عن المألوف من حروف وألفاظ وقواعد لغة العرب، وهو المرجع الرئيسي للغة العربية، بينما معاجم اللغة هي نتاج جهد بشري قد يشوبها خطأ في فهم الدلالة الأصلية للفظ عند العرب إبان نزول القرآن، وعند إعادة التدبر يجب مراعة أن توجيه كتاب الله إلى الأفصح من الكلام أولى ما استطاع المرء إلى ذلك سبيلاً.
4)    إن الله تعالى وصف القرآن بأبلغ ما يوصف به الكلام، وهو البيان، وعليه بنبغي مراعاة السياق كما قال الإمام أبو حامد الغزالي: (أعلم أن كل من طلب المعاني من الألفاظ ضاع وهلك وكان كمن استدبر المغرب وهو يطلبه ومن قرر المعاني أولا في عقله ثم أتبع المعاني الألفاظ فقد اهتدى)، فإعادة التدبر ينبغي أن تحل بعض المشكلات السابقة في شرح الآيات، ومنها:
    التأويل بالخروج عن ظاهر النص سواء بالقول بالمجاز أو بوجود حذف أو تقديم وتأخير في الآية.
    القول بتساوي دلالة لفظتين (أي الترادف)، وعدم وضوح حكمة إيراد لفظة بعينها في سياق معين.
    الاضطراب في بيان دلالة اللفظة أو الحرف وذلك بالقول بتباين هذه الدلالة في الآيات المختلفة.
    عدم بيان حكمة التكرار في الآيات، ويشمل هذا عدم إحلال اللفظة بالضمير.
    القول بورود لفظة في صورة محددة لتوافق نهايات الآيات (أي السجع).
    تقييد دلالة اللفظة بغير دليل.
    ترك الأعرف إلى الأنكر (أي المستعمل إلى المهمل)، مثال القول بأن اللفظة أتت على لغة قلة محددة من العرب.
    عدم بيان حكمة تعريف وتنكير اللفظة أو الإتيان بها في صورة المفرد أو الجمع في الآيات المختلفة.
    الاضطراب في شرح بعض التعبيرات القرآنية (المكونة من لفظتين) في الآيات المختلفة.
    الاضطراب في مرجع الضمير برده على المذكور الأبعد دون دليل، وكذلك مخالفته لمردوده تذكيراً وتأنيثاً.
(ثانيا) القرآن الكريم كتاب دين وهداية: قال تعالى "الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ" البقرة(1، 2)، فهو دين للهداية لمن آمن وليس كتاب في علوم الكون.
(ثالثاً) علاقة الآية الكونية بالهدايات القرآنية: الكتاب وحدة واحدة، ولابد من الجمع بين الآيات، وملاحظة الفروق الدقيقة بينها، ودلالة الكلمات، والنظر في السياق القرآني مع محاولة تلمس تلك العلاقة، فالسؤال الذي يجب أن يطرح نفسه دائماً هو: ما حكمة الإتيان بتلك الآية الكونية، دون غيرها، في ذلك السياق من الهدي القرآني؟
(رابعاً) تجنب الإفراط: القرآن يتصف بالكمال والشمولية، قال تعالى "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ" الأنعام (38)، و"وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" النساء (82)، ففي حالة وجود تعارض أو اضطراب ينبغي إعادة تدبر الآيات القرآنية في ضوء المحاذير السابقة، وكذلك النظر في الآيات الكونية مع اعتماد القوانين الثابتة فقط (وهي من فعل الله تعالى، أي يقينية الثبوت)، وليست النظريات العلمية (مع تعسف الآيات وتحميلها ما لا تطيق)، وذلك لأن القرآن يقيني الثبوت، وبعض آياته ظنية الدلالة -نتيجة لكون علم البشر نسبياً وتراكمياً- في فهم الحقائق الكونية اليقينية، ومع تكشف حقائق كونية جديدة نتبين مدى التطابق، وبالرغم من أن فهم وإدراك حقائق الكون مرتبط بمعطيات العصر، إلا الحقيقة الكونية ثابتة لا تتغير، ولكن فهمها قد يزداد عمقاً مع إضفاء أبعاد جديدة لها. يضاف إلى ذلك حتمية عدم تناول الأمور بصورة عكسية خلال إخضاع الآية للمفاهيم والتعاريف التي وصل إليها العلم، والواجب علينا أن نضع عين الاعتبار دائماً مصدرية القول مع محاولة فهم مراد الآيات من هذا المنطلق، وذلك بإخضاع المعرفة الإنسانية وتحليلها وتسخيرها في سبيل ذلك.
(خامساً) تجنب التفريط في حق الآية أو حصر دلالتها على الحقيقة الواحدة: إن الأسلوب القرآني في الآيات مرن يقبل وجوهاً في التأويل، ولا بأس من ترجيح دلالة  الآية والتي أيدتها الحقيقة العلمية على أن لا نحكم بالبطلان والفساد على الدلالات الأخرى للكلمة من جهة، وأن لا نحصر معنى الآية على هذه الدلالة فقط، والترجيح لابد له من أدلة موضوعية بينة ومقرة من قبل السلف، وهو ليس من قبيل الاستئناس بمعنى توارثته الأجيال وتنقضه الأدلة، وفي محاولة البعض التقريب بين مذهبين، (أولهما) قديم وتنقصه الأدلة، و(ثانيهما) حديث وتقره الأدلة، وذلك بالقول بأن كل من المذهبين صحيح وجائز تفريط في حق الآية يطمس الدلالات الإعجازية، وذلك بإضفاء العصمة على ما استنبطوه، ولكن العصمة للقرآن، مع مراعاة مبادئ وقواعد التفسير المتفق عليها والمقرة من قبل السلف، فالتمسك بالنتيجة السابقة دون الحالية أو وضعهما على قدم المساواة يتعارض مع القواعد المقرة، ويفتح باب التأويل في آيات أخري جلية المعنى، فالعلم هو إما نقل مصدق أو استدلال محقق كما قال ابن تيمية، من ناحية أخرى ينبغي الإبتعاد عن تسفيه آراء السلف أو رميهم بالجهل لأن القرآن الكريم والسنة خطاب للبشرية في كل عصر، والكل يفهم منه بقدر ما يفتح الله عليه، وبحسب ما هو متوفر لديه من وسائل ومعارف. والخلاصة أن الأهم والأولى هو المنهجية، قال الجرجاني: (إن نظم الكلمات والجمل أو ترتيبها في إطار النص البنيوي الظاهر لا يؤدى بالضرورة إلى المعاني الكلية، كون المعاني شبكة معقدة من التفسيرات تخضع لثقافة الناس ومعطيات عصرهم، وما يدركه الناس من أي نص يعكس قدرتهم على بث الحيوية في النص بوسائلهم المحدودة ولا يعكس استنفاذ الوسائل لاستنطاق النص بصورة كلية، وإذا نظرنا إلى تفاسير القرآن الكريم المختلفة أدركنا أن السر وراءها يكمن في ما يزدخر به القرآن من معاني تتجلى لكل ذي بصيرة ولا يزعم زاعم أنه استنفذ كل ما في القرآن من دلالات لأنه لو زعم ذلك لكأنه قال أنه وصل إلى مصدرية المعنى القرآني الشامل الذي هو قدرة الله تعالى).
(سادساً) التقييد بالمنهج العلمي: في التوثيق والإقتباس والإحالات، مع تجنب الخوض بدون علم، أي بدون إتباع المنهجية المقرة، حيث ورد في الحديث الشريف قوله- صلى الله عليه وسلم-: "من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار".

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
1.0