14 أكتوبر, 2019

بأي ذنبٍ قُتلت؟

لقد كان للأزهر الشريف دورًا إيجابيًّا و رائدًا و سباقًا بقيادة الإمام الأكبر شيخ الأزهر في قضية الطفلة "جنة" حيث قرر فضيلته الوقوف بجانب أختها الطفلة "أماني" فتكفل بعلاجها حتى تتعافى مما لحق بها من تعذيب هي الأخرى على يد جدتها، و هذا هو المعهود من الأزهر الشريف و شيخه في التفاعل الإيجابي مع القضايا المهمة التي تهم المجتمع.

لقد وضعت قضية الطفلة جنة المجتمع أمام عدة تساؤلات:

أولها: ماذا جرى للعلاقات الأسرية بل والإنسانية حتى تلقى هذه الطفلة البريئة مثل هذه المعاملة التي أودت بحياتها، وماذا جرى لطبائع البشر وجعلها تتغير هذا التغير الحاد وتتخذ منهج العنف  في التربية ظنا منها أنها تربي وتعلم بهذه الطريقة التي أقل ما توصف به أنها وحشية، ولو تتبعنا منهج النبي - صلى الله عليه وسلم –  في التعامل مع الأطفال لعرفنا مدي خطورة الوضع الذى أصبحنا عليه، ومدى ابتعادنا عن منهجه – صلى الله عليه وسلم – في معاملة الأطفال وتربيتهم ، فقد كان - صلى الله عليه وسلم – يقبل حفيديه الحسن والحسين،  ونزل مرة من على المنبر لما رآهما يتعثران في ثوبيهما خوفًا عليهما، وكان يخفف في الصلاة لما يسمع بكاء الصغير، كان يوصي أصحابه بأن يحسنوا اختيار الاسماء لأبنائهم، وكان – صلى الله عليه وسلم – يمازح الأطفال ويلاعبهم، يقول سيدنا أنس -  رضي الله عنه - : كان النبي يخالطنا حتى  يقول لأخٍ صغير لي (يا أبا عمير ما فعل النُغَير؟) ، وعندما تناول سيدنا الحسن تمرة من تمرات الصدقة أخرجها النبي – صلى الله عليه وسلم – من فيه وقال له: (كخٍ كخٍ، ارمِ بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة).

وكان كذلك رحيما وحريصا على الأطفال حتى في الحرب، وأطفال من ؟ أطفال العدو !! حيث كان يأمر أصحابه بعدم قتل أو ترويع النساء والأطفال، ولو قارنّا تصرفه – صلى الله عليه وسلم – بما حدث مع الطفلة جنة، فمن التي كانت تعذبها؟ إنها جدتها لأمها وليست عدوتها، جدتها التي من المفترض أنها تحل محل أمها وتمنحها العطف والحنان والحب، وهذا ينقلنا للسؤال الثاني:

لماذا كانت جنة في بيت جدتها؟

لأن الأبوان منفصلان وآلت الحضانة للجدة، وهنا ندق ناقوس الخطر الثاني، وهو قضية الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء في المقام الأول فهم الضحية الأساسية للطلاق حيث يفتقدون الحنان والعطف والرحمة مما يؤدى إلى مشكلات نفسية واجتماعية للأطفال والمراهقين حيث يشعر الأبناء بحالات من القلق والاضطراب وعدم الثقة بالنفس وغير ذلك.

إن أغلب بيوت المسلمين الآن أصبحت أوهن من بيت العنكبوت، تهدم لأتفه الأسباب ؛ وذلك إما لسوء الاختيار من البداية واختلال معاييره  وغياب دور الأسرة في التربية والتوجيه ، فنجد أن الاختيار أصبح قائم على المادة أو الوظيفة  أو الجاه .... إلى غير ذلك، مع أن قضية الاختيار في الزواج ينبغي أن يُركز فيها على الجوانب المهمة التي من خلالها يتحقق السكن النفسي والمودة والرحمة ، تلك الجوانب التي أمر الدين بمراعاتها وجعل لها معايير محددة وواضحة حيث قال النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحديث: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ , فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ , وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) ، وعن أبى هريرة – رضى الله عنه – عن النبي  - صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ»، فلقد ركز النبي على الدين وأهميته ؛ لأن صاحب الدين هو الذي يحفظ الحياة الزوجية وهى قائمة وكذلك سيحفظها لو لم يكتب لها الله الاستمرار وحدث الطلاق، فلا يقوم أحدهما بإيغار صدور أبناءه وبناته تجاه الطرف الآخر وبالتالي يصبح الأبناء ضحية العناد بينهما ، قال تعالى: [لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ] ،وكذلك لا يقصر في واجباته تجاه أبنائه فيعطيهم حقوقهم التي كفلها الله لهم من الرضاعة والإنفاق والتعليم، قال تعالى: [وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ].

إن ما حدث للطفلة جنة من تعذيب جسدي وتدمير نفسي يُحتم علينا المطالبة بالنظر في قوانين الحضانة والتي من المفترض فيها أن تراعى حق الطفل في الرعاية والتربية والتعليم والحب، وأن الطرف الذي سيمنح الطفل هذه الحقوق هو من تؤول إليه الحضانة.

إذا كانت روح الطفلة جنة قد صعدت إلى بارئها فالفرصة ما زالت موجودة كي نصحح أخطاءنا إنها أماني أختها التي لا تزال على قيد الحياة .