14 مارس, 2020

تَأمُّلٌ وتَفَكُّرٌ إسلاميٌّ في الأحوالِ الجوية

 

في ظل الأوضاع الجوية التي تمر بها مصرنا الحبيبة وددت أن أكتب مقالتي هذه ؛ والتي أتمنى أن تكون نافعة لكل من يقرؤها .
فالأمطار والرياح ماهي إلا جند من جنود الله لا تأتي إلا بأمر الله وقَدَرِه؛ وقد تأتي مُحَمَّلَةً بالخير والرحمة،وفي ذلك يقول تعالى :- (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِمَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) سورة الشورى الآية 28
وقد تأتي محملة بغضب وعذاب من الله ، وفي ذلك يقول تعالى :- (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ ۚ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا ۚ بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا ) سورة الفرقان الآية40
فعندما نرى أن الأمطار والرياح قد تسببت في تعطيل الطرق وإتلاف بعض المواشي وبعض الدواجن وسقوط بعض المباني ؛ فلنعلم أن هذه رسالة من الله تعالى ؛ قال سبحانه :- ( وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) سورة الإسراء الآية  59 
فلنتضرع إلى الله تعالى بأن يرفع مقته وغضبه عنا. 
ولنعلم أن الغيث من الله يرسله لمن يشاء ، ويمنعه عمن يشاء ؛ فالأمطار تعلمنا أن الله قادر؛ وكما أن الله بقدرته أنزل الأمطار في أوقات الحر ؛ فهو تعالى قادر _ أيضا_علي أن يفرج همومنا مهما بلغت . فاللهم فرج عن المسلمين همومهم وحقق آمالهم .
وكما أن للأمطار فوائد من سقيا الأرض والدواب وغيرها ؛ فكذلك للرياح فوائد منها: القضاء على الميكروبات والجراثيم، لهذا كان يطلب الرسول_ صلى الله عليه وسلم_ من الله خيرها ويستعيذ به من شرها.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا خيرها ، وأن تكون سببا في القضاء على وباء الكورونا وجميع الفيروسات ، وأن يمتعنا جميعا بالصحة والعافية –اللهم آمين- .
وأود أن أَذْكُرَ في عجالة سريعة الأدعيةَ التي تُقالُ في مثل هذه النوازل، من باب: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
دعاء الرعد :- 
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما "أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي {يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد: 13] ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَوَعِيدٌ شَدِيدٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ". (الأدب المفرد:723)
وعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ_ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ، قَالَ:" اللَّهُمَّ لاَ تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ". الترمذي 3450
دعاء الريــح :-
عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِي _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ، قَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ» (صحيح مسلم:899).

دعاء المطر:-  
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى المَطَرَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا». البخاري:1032
وعَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ_ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَطَرِ:  «اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ وَلَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ، اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا» السنن الكبرى: 7209.
الدعاء عند شدة المطر :- 
«اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالجِبَالِ وَالآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ». متفق عليه
الدعاء بعد نزول المطر :-  
"مطرنا بفضل الله ورحمته". متفق عليه
ومن سنن المطر أن تحرص علي أن يصيبك شئ من المطر ، وأن ترفع شيئا من ملابسك ليصيب المطر شيئا من جسدك رجاء البركة. لحديث أنس_ رضي الله عنه_حيث قال:
 " أَصَابَنَا وَنَحْنُ مع رَسولِ اللهِ_ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مَطَرٌ، قالَ: فَحَسَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ_ ثَوْبَهُ – أي كشفه - ، حتَّى أَصَابَهُ مِنَ المَطَرِ، فَقُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، لِمَ صَنَعْتَ هذا؟ قال: لأنَّهُ حَديثُ عَهْدٍ برَبِّهِ تَعَالَى- يقصد أنه يلتمس منه البركة والخير والرحمة- .رواه مسلم 898
ومن سننه أيضاً أن تدعو الله وتسأله من خيري الدنيا والآخرة؛ فإن ذلك موضع إجابة، لأنه يوافق نزول رحمة من رحمات الله.
 ففي الحديث:- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ، أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا». أبوداود: 2540
ومن الجدير بالذكر_ أيضاً_أن نذكر بعض الأحكام الفقهية الخاصة بالمطركما يلي :-
1-    يجوز التخلف عن صلاة الجماعة في الليلة شديدة البرد والمطر، حيث ورد عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ نَادَى بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ وَمَطَرٍ، فَقَالَ فِي آخِرِ نِدَائِهِ : أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ_ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ فِي السَّفَرِ أَنْ يَقُولَ : «أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ». متفق عليه.
2-    يجوز الجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين وذلك بشرطين :-
_ شدة المطر والرياح والظلام الحالك بسببهما ، وكثرة الطين والوحل الذي تحصل معه المشقة .
_ أن يكون ذلك في جماعة في المسجد ، وبإذن الإمام الراتب ، وقد صح فعل ذلك عن مالك عن نافع عن ابن عمر ، وعن أبان  بن عثمان.
أما جمع الظهر والعصر فمنعه الجمهور ( أبو حنيفة ومالك وأحمد وقول للشافعي) انظر المغني لابن قدامة (33/3)
3-    الطين الذي في الشوارع بعد نزول المطر طاهر ، بخلاف مياه المجاري والصرف الصحي فإنها نجسه .
4-    يجوز التطهر بماء المطر . قال تعالى :- ( وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ) سورة الفرقان الآية 48
5-    يجوز المسح على الخفين لمن أدخل قدميه طاهرتين يوما وليلة للمقيم ، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر ، وهذا الحكم لا يختص بالأمطار بل هو عام في جميع أيام السنة .
وختاما :
ينبغي علينا في هذه الأوقات أن نتضرع إلى الله بالدعاء والصلاة وقراءة القرآن، كما ينبغي أن نكثر من الاستغفار والتوبة، وأن نتذكر قدرة الله علينا ونطلب منه العفو والعافية في الدنيا والآخرة، وأن نتبع تعليمات السلامة والأمان التي ينبه عليها المسئولون في الدولة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بقلم الواعظة : الشيماء حمدان يوسف محمود
منطقة وعظ شمال سيناء