14 مارس, 2020

أم المؤمنين وزوجة إمام المرسلين

 

كانت الفتاة تشاهد أباها وأمها يختلفان ويختصمان مع بعضهما ليالي وأياما، وتري كلاً منهما يُلقي اللوم علي الآخر ويحمّله المسؤلية ، بل ويري كل طرف أنه هو المُضحي الذي فعل وتعب كثيرا من أجل الطرف الآخر ، وفي يوم قررت ابنتهما أن تجلس معهما وتحاول الصلح بينهما وفهم سبب اختلافهما !!

فجلست مع أبيها وأمها وذَكَّرَتْهُمَا بداية بأن لكلٍ منهما حقوقا وعليه واجبات ، ثم استمعت إليهما …

شَكَتْ الأم من عدم جلوس زوجها معها ، وتركه لها كل ليلة وخروجه مع أصدقائه ، وعندما جاء دور الأب شكي من عدم مشاركة الأم له في أماله وأحزانه ، فهو لا يجد مستمعاً له في المنزل مما يضطره للخروج .

قالت الفتاة : أظن أن كلاً منكما الآن يا أبي ويا أمي قد علم سبب خصامه مع الآخر، ولكن دعوني أخبركم بقصة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم_ مع السيدة خديجة رضي الله عنها _ وكيف كان الحب والمودة والسكينة بينهما سببا لسير سفينة الحياة رغم وجود العقبات والعراقيل والأشواك .

فلقد سطر لنا التاريخ من مواقفهم الرائعة موقفاً ظهر فيه دور المرأة الصادقة الوفية ودور الزوج المخلص الصادق ؛ حيث إنه عند عودة النبي صلى الله عليه وسلم من غار حراء خائفاً للغاية ؛ كان أول ما فعله _ صلى الله عليه وسلم_ هو جلوسه إلي جوار السيدة خديجة_ رضي الله عنها _ بل إنه اقترب منها ليسكُن فُؤاده .

وهنا تُحقق السيدة خديجة أمراً مهماً يجبُ أن يملك تفكير كل زوجة ؛

وهو أن تكون سكناً لزوجها وراحةً لقلبه وأماناً لكيانه ، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالأزمات الكبري ، وهذا ما ذكره اللهُ_عز وجل_ وخلده في كتابه  فقال: " وَمِنْ آيَاتِه أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون " ( الروم :٢١)

هذا الأمر تحقق عند الطرفين ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يُخبر زوجته بهمومه ومشكلاته كلها ولا يعزلها عن حياته ؛ بل يَحكي لها أدق التفصيلات ويأخذ رأيها في كل الأمور، ويستعين بمشورتها ويُشاركها في كل همومه وأفكاره وطموحاته وآماله ، وهنا نري أن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ لم يذهب إلى أقرب أصدقائه أبي بكر أو غيره من أصحابه في مكة وهم كثر رغم صدقهم وحبهم له مع رجاحة عقولهم وسداد رأيهم ؛ بل لم يذهب إلى عمه أبي طالب رغم قرابته وخبرته !!

وإنما ذهب إلي من تُسَكّن له خوفه وتؤمن روعه  وتذهب فزعه ألا وهي زوجه السيدة خديجة .

ثم كانت تلك المقولة الرائعة _ من الزوجة الصالحة _ التي دائماً يترددُ صداها في كل وقت " كلا والله لن يُخزيك اللهُ أبدا ؛ إنك لتحملُ الكل ، وتُكسب المعدوم ، وتُقري الضيف ، وتُعينُ على نوائب الحق".

نعم إنها جملة تُنبئ عن إيمان صادق بالله عز وجل _ وحب ودعم لزوجها في كل الظروف والأحوال بكل ما تملك من نفس وفكر ومال ؛ الأمر الذي جعل النبي الكريم _صلى الله عليه وسلم يوفها حقها ، ويبادلها حبا بحب ، بل ويحزن علي وفاتها كثيرا ، لدرجة أن سُمّيَ العام الذي توفيت فيه بعام الحزن ، وكان _ صلى الله عليه وسلم_ دائم الذكر لها ، وكان يقول " إني قد رُزقت حبّها " فهي أول من آمنت وصدقت به من النساء .

وقد ضرب النبى صلى الله عليه وسلم _ أروع الأمثلة في دور الزوج الوفي المحب لزوجته ، وضربت _ كذلك السيدة خديجة أروع الأمثلة في دور الزوجة المخلصة الصادقة المؤمنة ، وهكذا تكون المودة والمحبة والسكن بين الزوجين .

ولو قام كلٌ من الزوج والزوجة بتطبيق هذه الحقوق وتلك الواجبات لعاش كلٌ منهما في سعادة واستقرار.

والله  تعالى الموفق و المستعان .

إيمان زين العابدين أبو طه.

منطقة وعظ الغربية.