07 نوفمبر, 2019

في ذكرى مولده - صلى الله عليه وسلم - إحياءٌ لشريعته

في ذكرى مولده - صلى الله عليه وسلم - إحياءٌ لشريعته

جاءنا شهر ربيع الأول، وأطلَّت علينا بمقدمه ذكرى يسعد بها كل مسلم، إنها ذكرى مولد سيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- نبي الهدى والرحمة، ذلك المولد الذي كان إيذانا بانتهاء عهد الضلال والشرك     وابتداء عهد الهدى والتوحيد.

ولد محمد- صلى الله عليه وسلم- فولدت معه الرحمة والحق والعدل والمساواة والإنسانية ومكارم الأخلاق، ذلك الداعية العظيم، والنبي الكريم الذي جاء إلى أمة منهكة متناحرة متفرقة، فجمع شتاتها، ووحَّد كلمتها، وأخرج أهلها من ظلمات الكفر والقتل والفواحش إلى نور الإسلام والحق؛ فصارت بالإسلام خير أمة أخرجت للناس.

وينبغي أن ندرك أن احتفال المسلمين بتلك المناسبة العظيمة ليس من الاحتفال المبتدع، وإنما هو احتفال بمولد رسالة الإسلام، واحتفاء بشريعته وتعاليمه وقيمه السامية، هو احتفال بأخلاق النبي وصبره وبطولاته، احتفال بسياسة العدل والمساواة والإخاء والرحمة، وهو احتفال بمؤسس أعظم حضارة على مر السنين، وبالتالي فإن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يكون باتباع أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس بالمظاهر فقط.

فلو أردنا أن نحتفل حقا بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- فلنتناول جانبًا من أخلاقه الكريمة لنقتدي بها:

  • الرحمة: إن أعظم ما يمكننا الاقتداء به من خلق النبي -صلى الله عليه وسلم- رحمته التي شملت الصغير والكبير، والمؤمن والكافر، والطائع والعاصي، تلك الرحمة التي كانت له سجيّة، لا تنفك عنه أبدًا، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء: 107).
  • الاجتهاد في العمل وتحمل المسئولية:  

      من أراد أن يقتدي بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فليقتدي به في جده واجتهاده وإخلاصه في عمله، في الصبر والمثابرة والإقدام، رأينا كيف جاهد في الله حق جهاده، وأدى رسالته بجد دون يأس أو ملل حتى نهض بأمته وقومه وأخرجهم من الضلال المبين إلى الحق والهدى، فديننا هو دين العمل والجد والكسب  الحلال، فعلى كل منا أن يخلص في عمله، وأن يترك التكاسل والتواكل، وأن يتحمل مسئوليته حتى ننهض  ببلادنا وأمتنا، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه.

  • التسامح: إن ديننا هو دين التسامح والعفو، وقد أمر الله -تعالى- نبيه الكريم بالتسامح  والعفو والإحسان، فقال سبحانه: {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٍ} (فصِّلت 35:34).

والسيرة النبوية زاخرة بالمواقف والأحاديث الدالة على جميل عفو وتسامح النبي -صلى الله عليه وسلم-، كان متسامحا مع الجاهل والمسيء، عن أنس -رضي الله عنه- قال: (كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه (جذبه) بردائه جبذة شديدة، نظرت إلى صفحة عنق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضحك ثم أمر له بعطاء) رواه مسلم.

كان متسامحا مع الخدم والعمال، وكان متسامحا في البيع والشراء، قال صلى الله عليه وسلم (رحم الله عبدًا سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا اقتضى) رواه البخاري.

تلك أخلاق نبينا وزعيمنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فمن كان يحب رسوله ونبيه فليترجم محبته إلى عمل واقتداء واتباع لسنته قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.. [آل عمران : 31].

 بقلم / الزهراء جمال جمعه ابراهيم

واعظة شمال سيناء

عدد المشاهدة (5594)/التعليقات (0)