أفادت بيانات جديدة وحصرية صادرة عن مركز التطرف التابع "لرابطة مكافحة التشهير"([1]) بانخفاض عدد القتلى الذين سقطوا في حوادث ارتكبها المتطرفون في الولايات المتحدة الأمريكية للسنة الثالثة على التوالي، فيما تجاوز عدد القتلى الذي سقطوا حتى الآن هذا العام، عدد الذين قُتلوا في 2024م بالكامل، ومن المرجح أن يرتفع بشكل أكبر، وقد اختص مركز التطرف التابع للرابطة بهذه البيانات صحيفة "USA TODAY" اليومية الأمريكية.
وقد استخلص مركز التطرف التابع للرابطة بياناته تلك من أنشطة الرصد التي يقوم بها الباحثون لضحايا حوادث العنف الذي يمارسه المتطرفون، وكان مما كشفت عنه تلك البيانات أن السنوات الثلاثة الأخيرة على الرغم من أنها شهدت انخفاضًا كبيرًا في أعداد القتلى الذين سقطوا على يد المتطرفين –ففي 2022م قتل المتطرفون 28 شخصًا في الولايات المتحدة، فيما انخفض عدد القتلى في 2023م إلى 20، وانخفض مرة أخرى في 2024م ليصل إلى 13؛ إلا أن عدد القتلى في 2025 تجاوز العدد الذي سجله الباحثون العام الماضي 2024م، حيث رصد الباحثون 15 حالة وفاة على يد المتطرفين في الأسابيع الستة الأولى من 2025م، منها 14 حادثة صُنفت على أنها حوادث فردية.
يُذكر أن رابطة مكافحة التشهير، ومنذ أن بدأت في تتبع حوادث القتل على يد المتطرفين في 2008م، وجدت أن غالبية الحوادث التي تم رصدها وسقط فيها قتلى نفذها متطرفون ينتمون إلى اليمين المتطرف، بما في ذلك العنصريون البيض الذين يرفعون شعار: تفوق البيض، والنازيون الجدد.
وفيما يرى الباحثون الراصدون لحوادث التنظيمات المتطرفة أنه من المبكر جدًّا معرفة ما إذا كان عام 2025م سيشهد انبعاث التنظيمات اليمينية المتطرفة –التي يخرج من عباءتها عادة المتطرفون المتسمون بالعنف– إلا أن الرابطة تحذر من أن الطفرة الأخيرة في العنف الجهادي (على حد تعبير الصحيفة)، والتي يكمن وراءها بشكل أساسي الحرب الجارية في غزة والتطورات الجديدة في الشرق الأوسط، قد تضع هذه السنة في المقدمة وتجعلها السنة الأكثر دموية بشكل خاص.
من جانبه، قال "جوناثان غرينبلات"، الرئيس التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير: "إن كل حادثة قتل تمثل مأساة، وإن كل انخفاض في عدد حالات القتل المرتبطة بالمتطرفين يكون محل ترحيب؛ ولكن للأسف نحن نعلم أن هذه الحالة من الترحيب لن تدوم في 2025م، فنحن قلقون بشكل متزايد من خطر الإرهاب الإسلامي (على حد تعبير الصحيفة) الذي يبدو أنه قفز في العام الماضي".
وفيما يتعلق بنتائج التقرير، توصل الباحثون إلى أن كل حالات القتل المرتبطة بالتطرف، والتي وقعت العام الماضي، ارتكبها متطرفون من اليمين المتطرف، وذلك للسنة الثالثة على التوالي. وقد تضمنت حوادث القتل في 2024م 8 حالات ارتكبها عنصريون بيض من تيار: "تفوق العنصر الأبيض"، بينما قُتل 5 على يد متطرفين يمينيين مناهضين للحكومة؛ و2 على الأقل من مجموع ما سبق، قُتلا العام الماضي على يد أعضاء في حركة تسمى: "المواطن ذو السيادة"، وهي عبارة عن تجمُّع يضم الآلاف، إن لم يكن عشرات الآلاف، من المتطرفين المناهضين للحكومة ممن يعتقدون عدم خضوعهم لأية سلطة أو قوانين محلية أو قومية.
ونحن في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، إذ نعتبر مشكلة التطرف واحدةً من أكبر المشكلات التي تواجهها المجتمعات في عصرنا الحالي، نرى أن التطرف لا يقتصر على مجتمع أو دين أو طائفة بعينها، بل هو مشكلة تعاني منها شتى المجتمعات والاتجاهات، وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن تطرف بعض الأشخاص ممن ينتسبون زورًا إلى الدين الإسلامي في المجتمعات العربية، ويتهم الدِّين بسببهم والدِّين منهم براء، فإننا نجد في الغرب صورًا أخرى من التطرف أبرزها التطرف اليميني واليساري بشتى أطيافهما.
وكما رأينا في البيانات المفصح عنها أعلاه، تتحمل حركات اليمين المتطرف، والحركات العنصرية، وحركات تفوق العرق الأبيض، مسؤولية الغالبية العظمى من القتلى في الهجمات العنيفة لتلك التيارات، ورغم ذلك فلا تزال الجهات الحكومية الغربية تركز على محاربة التنظيمات المتطرفة الأخرى، والتي في أغلب الأحيان موجودة خارج بلدانها! ولذلك فإن المرصد يوصي دائمًا بضرورة مواجهة الحكومات الغربية للتطرف بشتى ألوانه وبأطيافه كافة، وذلك بسنِّ التشريعات، والقوانين التي تحد من انتشاره، مع ضرورة التوعية، والتثقيف بخطورته، وتأثيره السلبي على المجتمعات.
لقد حان الوقت لكي تعيد المنصات الإعلامية المختلفة النظر في طريقة تعاملها مع جرائم التطرف، لتشمل كل الجماعات والتوجهات المتطرفة، وألا تهتم بجرائم بعضها دون بعض، فالكل خطر، وفي بعض الأحيان تكون جرائم اليمين المتطرف لا تقل خطورة عن جرائم هذه الجماعات، بل تفوقها في كثير من الأحيان، مثلما حدث في الهجوم على المسجدين في "كرايست تشيرش" في نيوزيلندا.
وحدة الرصد باللغة الإنجليزية
([1]) هي منظمة يهودية غير حكومية تعنى بالدفاع عن الحقوق المدنية، وتتخذ من الولايات المتحدة مقرًّا لها، تدعم المنظمة إسرائيل، وتؤيد حل الدولتين الذي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني. تعمل المنظمة على مكافحة معاداة السامية، أو ما يعرف بالعداء لليهود في أنحاء العالم كافة.