أخر الأخبار


13 مارس, 2025

توظيف التنظيمات المتطرفة للفنون ... داعش أنموذجًا

     كانت الآلة الإعلامية والدعاية المرئية هي أحد أهم الأسباب الرئيسة التي اختصت بها جماعة إرهابية عن أخرى في استقطاب الشباب وإقناعهم بفكرهم المتطرف، وقد فطنت الجماعات الإرهابية والمتطرفة وخاصة تنظيم داعش الإرهابي إلى أهمية الفن ودوره، وخصوصًا الفنون المرئية، فقام ببث عدد من المقاطع المصورة "فيديوهات" تأخذ في أغلبها شكل أفلام تسجيلية مصحوبة بأنشودات غنائية وصور مؤثرة، مستخدمًا في ذلك أعلى التقنيات والتكنولوجيا الحديثة والإخراج عالي المستوى. وقد نشرت صحيفة التايمز أن تنظيم داعش الإرهابي استخدم في فيديوهاته المؤثرات نفسها التي تستخدم في هوليود[1].

ومن ضمن التقنيات العالمية التي استخدمها داعش تقنية «5D»، و«سلو موشن»، و«فاينال كت»، وهي تقنيات لا يستخدمها إلا محترفون على دراية تامة بصناعة الدعاية والتصوير[2].

والباحث في شؤون التنظيمات الإرهابية يرى بوضوح مركزية دور الدعاية والبروباجندا في إستراتيجية التنظيم الذي يحول كل نشاط يقوم به إلى مخرجات إعلامية. هذا ولا يخفى علينا أن تنظيم داعش الإرهابي كان وما زال يستخدم خطابًا إعلاميًّا خبيثًا يدغدغ المشاعر، وينشر فيديوهات وأنشودات تحرض على القتال وتحث الشباب على الانضمام إليه.

وفى إطار جهود مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، والدور الذي يقوم به من أجل تفنيد الأفكار المتطرفة التى يريد التنظيم الإرهابي ترسخيها فى أذهان الشباب بأكثر من لغة، فقد رصدت وحدة الرصد باللغة الإسبانية أنشودة غنائية تحريضية لتنظيم داعش الإرهابي يدعو التنظيم من خلالها اتباعه والمتعاطفين معه إلى شن هجمات ضد المدنيين. وتضمنت هذه الأنشودة عبارات مثل: "هم يريدون أن يُقتلوا، هم يريدون أن يُبادوا." و "الخلافة ستتقدم ولن تتوقف أبدًا"، "تأهبوا للقتال"[3].  

وهذا ليس بالجديد على التنظيم فيجدر الإشارة إلى أن التنظيم قد نشر أكثر من أنشودة بلغات مختلفة، على سبيل المثال أنشودة نشرها التنظيم فى إحدى أبواقه الناطقة باللغة التركية تحمل عنوان: "يا إستانبول"، أراد التنظيم من خلالها إرسال رسالة تعبر عن أيديولوجية التنظيم مفادها أن مدينة إستانبول لم تُفتح بعد، وأنها لم تعد تأوي الموحدين وأن شوارعها قد امتلأت بالكفر والحرام، وأنها بذلك استسلمت للكفار والطغاة، وينبغي عليها أن تخرج من صمتها، صارخة  برفضها عن هذا الوضع، وأنها سوف تنال الحرية عما قريب كما وُعدت بذلك[4]. تقول الأنشودة: "يا إستانبول! ستُفتحين بلا شك، وستنحني رأسك أمام التكبيرات، وستنالين الحرية بالتأكيد، حتى وإن ظللت قرنًا كاملًا". فهنا دغدغة للمشاعر واستغلال مكانة مدينة إستانبول وتاريخها عند الشعب التركي، وهو ما يؤكد أن التنظيم يعرف كيف يخاطب جمهوره المستهدف والطريقة التي يستطيع بها خداعه.

 كما لم تخلُ الأنشودة من خطاب تحريضي، إذ تقول: "يا إستانبول! ازئري، اصرخي، انهضي الآن، يكفي هذا الصمت، لا تأوي الظالمين فيك، دع هذه الخيانة تنتهي". وهذا الأسلوب يسمى "خطاب الدمج" فالمخاطب هنا هم أهل إستانبول وليست المدينة ذاتها، وهو أسلوب يعتمد على تحريض المتلقي وتحويله من رافض لوضع ما إلى متمردٍ عليه.

ومع التطور التكنولوجي في عصرنا، وانتشار الذكاء الاصطناعي قام التنظيم باستغلال تطبيقاته، ليفرض وجوده على الساحة، حتى لو كان ذلك وجودًا افتراضيًّا في الفضاء الإلكتروني.

فإذا كانت هذه التنظيمات تستطيع أن تستغل الفن هذا الاستغلال وهي على الباطل، واستطاعت أن تؤثر في عدد كبير من الشباب للانضمام إليها، فيمكن للفن أن يلعب دورًا فعالًا  في الرواية المضادة من خلال توعية المجتمعات ومحاربة الفكر المتطرف، خصوصًا في عصرنا الحالي الذي قلّت فيه القراءة، وكثرت فيه مشاهدة الشاشات، فكما أن الخبر المرئي أكثر تأثيرًا من الخبر المكتوب ويستهدفُ قاعدة أكبر، فإن العمل الفني المرئي أكثر تأثيرًا من المقال أو الخطاب أو حتى الكتاب، ويستطيع الوصول إلى عدد كبير من الناس لا يستطيع الكتاب الوصول إليهم. لذلك ينبغي أن يؤدي الفنانون دورًا أكبر في محاربة التطرف، وخصوصًا في الأعمال الدرامية التي تدخل البيوت وتشاهدها العائلات على غرار مسلسل "الاختيار" الذي كان له دور مهم في إبراز فساد فكر تنظيمات التطرف والإرهاب. فالدراما تستطيع أن تلعب دورًا توعويًّا كبيرًا في قضايا التطرف والإرهاب إذا تم استغلالها الاستغلال الأمثل عن طريق كتابة نصوص درامية تسمو بالإنسان، وتهذب الوجدان، وتوعي الشباب، وتغرس الوطنية والانتماء في قلوبهم، وتعمق ثقافة السلام والحوار وتقبّل التعددية والاختلاف في إطارٍ من التسامح، وتكبح جماح العنفِ والإرهاب والتوحش، وتحارب الفكر المتطرف.

   وحدة رصد اللغة التركية