الجماعات المتطرفة

 

01 يناير, 2016

داعش وارتكاب الفواحش

أ.د أسامه نبيل

تحت ستار الدين وتطبيق الشريعة يرتكب تنظيم داعش أبشع الجرائم فيستبيح الفواحش ويستحل الأعراض.

تؤكد تقارير مرصد الأزهر الشريف وقوع هذه الجرائم الداعشية في حق الإنسانية، وأن الدين الإسلامي بريء من هذه الأفعال التي تتبناها فئة ضالة تستخدم الدين لتحقيق أهداف سياسية وجغرافية ولإقامة دولتهم الإسلامية المزعومة!

وظلت المعلومات الواردة لمرصد الأزهر الشريف تثير دهشة الباحثين، وظل يدور في أذهاننا جميعا سؤال واحد: " كيف أدعي الإيمان والتقرب إلى الله بذبح وحرق وقتل واغتصاب الآخرين؟!" 

ظل هذا السؤال يتردد في الأذهان حتى استقبل الأزهر الشريف ومرصده الفتاة العراقية، الإيزيدية المعتقد البالغة من العمر 21 عاما والتي روت لنا مأساتها مع داعش واغتصابها من قبل مسلحيها بطريقة فردية وأحيانا جماعيا، بعد أن قام أعضاء التنظيم بقتل أمها وأخواتها الستة وسبي نساء وفتيات القرية التي تعيش فيها على جبل سنجار.

في الحقيقة فإن القضية، أعني هنا الاغتصاب لا يجب اختصارها وقصرها على الفتاة العراقية" نادية مراد" ولا يجب أن ينظر لها بشكل فردي بل لابد من تحليل ومعالجة أعمق للموضوع بحيث تكون نتائجه شمولية.

إن طرح السؤال يجب أن يكون جريئا قويا فنقول: "إذا كان الإسلام قد كرم الإنسان وساوى بين البشر على اختلاف معتقداتهم وألوانهم وأجناسهم وأعراقهم فلا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود أمام الله إلا بالتقوى وهو الذي يفصل بينهم وإذا كان الإسلام يحرم الإعتداء على الأعراض باعتبار أن الحفاظ عليها من غايات الإسلام ومقاصد شريعته وبالتالي يحرم جريمة الاغتصاب أيا كان شكلها ومبررها ووقتها فعلى أي أساس تستبيح داعش أو غيرها انتهاك الأعراض واغتصاب النساء؟ وعلى فرض أن الإيزيدين أو غيرهم من أصحاب المعتقدات لا ينتمون لأي دين سماوي فهل يحق لتنظيم داعش أن يستحل دماءهم وأعراضهم؟ وهل يجد الدواعش في الإسلام مستندا لفعلهم هذا؟ اللهم إلا ليهم لأعناق النصوص وإخراجها من سياقاتها.

الحقيقة أن أصحاب تلكم التنظيمات على اختلاف أسمائها ينتهجون فكرا واحدا تجمع الأمة الإسلامية على فساده ووحشيته وانقطاع صلته بصحيح الدين وسماحة الإسلام، ولسنا نرى مبررا لهؤلاء ودافعا لما يفعلونه وينسبونه للإسلام سوى أنهم يريدون محو سماحة الإسلام وإعطاء الذريعة للمتربصين به ليتهموه زورا وظلما وبهتانا بكل نقيصة هو منها براء ومن ثم يظهرونه بوجه دموي منفر مما يؤدي إلى تغذية كراهية الإسلام والمسلمين وإشعال فتيل الفتنة والحروب بين العالم.

إن الإسلام دين رحمة جاء نبيه برسالة إلهية تقول (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) أمن الرحمة أن يُقتل المخالف وتستباح أمواله وأعراضه؟ إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما قتل الآمنين المسالمين الموادعين قط وإنما قاتل والفرق بين القتل والقتال دفاعا عن وطن وعرض ومال ومعاملة بالمثل هو ما كان بين طرفين وهو ما يقبله العقل السليم والمنطق القويم وهذا هو الفرق بين ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين ما تفعله داعش الإرهابية الآن. 

ولئن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كرم النساء ورفض أن تهان المرأة أو تذل بل كانت آخر وصية له قبل رحيله هي قوله صلى الله عليه وآله وسلم(استوصوا بالنساء خيرا) أيرضى رسول الله أن تنتهك حرمات النساء المسالمات بدعوى أنهن على غير دين الإسلام؟ كيف يزعم أحد أن يقبل رسول الله مثل هذه الأفعال وهو الذي مر على امرأة مقتولة في الحرب بين المسلمين وغيرهم فاستنكر على صحابته قتل هذه المرأة مبينا أن القتل لمن قاتل وأن من لم يحمل السلاح علينا ولم ينتهك حرمتنا فحرام علينا قتله؛ فقد روى أبو داود في سننه عن رِياحِ بن ربيعٍ، قال: "كُنا مع رسولِ الله -صلَّى الله عليه وسلم- في غزوةٍ، فرأى الناسَ مجتمعين على شيءٍ، فبعثَ رجلاً، فقال: "انظُر عَلامَ اجتمعَ هؤلاء" فجاءَ، فقال: على امرأةٍ قَتيلٍ. فقال: "ما كانتْ هذهِ لتقاتلَ"، قال: وعلى المُقدِّمة خالدُ بن الوليدِ، فبعث رجلاً، فقال: "قُل لخالد: لا يقتُلَنَّ امرأةً ولا عَسِيفاً" والعسيف من لا يستطيع حمل السلاح.

هذا هو وجه الإسلام الحقيقي لا ما تصدره داعش للعالم على أنه الإسلام وليس منه في شيء، وإننا في هذا المقام نؤكد أن ما حوته كتب التاريخ والتراث الإسلامي من حوادث القتل والسبي وغيرها إنما كانت في حقبة تاريخية لها ظروفها وملابساتها التي تستلزم أن يتعامل فقهاء الإسلام معها بمنطق الواقعية والمعاملة بالمثل وإلا استبيحت حرمات المسلمين، ولنا أن نتصور العالم كله يتعامل وينطلق من مبدأ الحرب بينما يقف المسلمون في عجز تام أيكون هذا من العقل والمنطق أو من الحكمة في شيء؟!

إن تراث المسلمين يمثل تاريخهم وتحولاتهم الفكرية واستجابتهم لمتغيرات العصر التي استدعت في مرحلة ما أن يقابل المسلمون أعداءهم بنفس منطقهم الحربي، أما اليوم وقد استقر العالم على تجريم الحروب واستنكارها وأصبح المبدأ الذي ينطلق منه العالم اليوم هو السلم فكيف يزعم الدواعش أنهم يقيمون شريعة الإسلام ويفهمون حقيقته أكثر من غيرهم في حين أنهم لا يفهمون تناسب الشريعة مع روح العصر ؟

إن تراث العالم كله مليء بصفحات من الدماء ولا يليق منطقيا أنه إذا ما قام صاحب دعوة وديانة وانطلق من صفحات في تراثه ربما يفهم منها أنها تبيح العنف لظروف معينة في وقت معين فلن نجد اليوم سلما ولا سلاما ولا أمنا ولا إيمانا، بل لن تسيل على الأرض أنهار الماء وإنما دماء البشرية المسفوكة جهلا وظلما وعدوانا.

إن الدواعش ومن على شاكلتهم حفنة من المرتزقة مأججي نيران الحروب ومشعلي حروب الطائفية يعملون لصالح الفساد أيا كان ثوبه وينفذون أجندات لا تبغي إلا إعادة رسم خريطة الدول العربية والإسلامية ولا يرقبون ذمة ولا عهدا ولا يراعون دينا ولا إنسانية!

إن نادية مراد ليست الحالة الوحيدة وليست الأبشع بين جرائم داعش وليس حديثنا عنها بالخصوص تمييزا وإنما تفاعلا مع صدى صرخاتها التي أسمعت صم هذا العالم الراقدين على الحرير الآمرين بالقتل والاغتصاب مرة تحت اسم الإسلام ومرات تحت اسم غيره.

أيها المشاهدون في تلذذ لكوارث داعش التي صنعتها أيديكم ومثيلاتها في كل مكان!

إن هذه الفئة الضالة ومن على شاكلتها لن تستطيع بجرائمها أن تمسح وجه الدين السمح ولن تستطيع أن تلحق بالإسلام قبحها وعارها، والحمد لله الذي جعل اجتماع هذه الأمة على أمر دليلا على صحته فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي - أَوْ قَالَ: أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ضَلَالَةٍ)) وقد اجتمعت الأمة على نبذ الدواعش ورفض فكرهم فمن أصر على ربط الإسلام بهم فهو جاهل بحقائق الأمور أو حاقد له حاجة في نفسه من تشويه صورة هذا الدين الحنيف وكلاهما لن ينال من هذا الدين ولن يجني سوى ثمار مرة في الدنيا والآخرة. 


كلمات دالة: مرصد الأزهر