من المعلوم بالضرورة أن الفكر المتطرف لا يتماشى مع التعليم والتنوير؛ إذ تعمل الجماعات المتطرفة على محاربة التعليم، وتسعى جاهدة لإغراق العالم في ظلمات الجهل وضلالة الأفكار الشاذة، وحرمان الأجيال القادمة حقَّهم في الحصول على قسط من التعليم، يعينهم على خوض الحياة وتحقيق الهدف الأسمى الذي خلق الله الناس من أجله وهو إعمار الأرض، بما يساعدهم على المضي قُدُمًا نحو مستقبل نافع لحياتهم، ويجعل منهم عناصر فاعلة في مجتمعاتهم باعتبارهم اللبنة الأولى في بناء المجتمع.
وقد حازت قضية الحرب على التعليم من قبل جماعات العنف والتطرف، اهتمام مرصد الأزهر لمكافحة التطرف منذ إنشائه قبل عامين ونصف العام، لا سيما ما تقوم به جماعة "بوكو حرام" التي اتخذت من الحرب على التعليم ركيزةً أساسية في عقيدتها الفاسدة، وركنًا ركينًا لتصرفاتها غير المسئولة، بداية من تسميتها التي تعني "التعليم الغربي حرام"، مرورًا بجرائم كثيرة في تاريخها الأسود، استهدفت من خلالها ضرب العملية التعليمية في مقتل، ولعل الحدث الأبرز في التاريخ الدموي لهذه الجماعة - جريمةُ اختطاف قرابة الثلاثمائة فتاة من إحدى المدارس بمدينة تشيبوك، وقع في محراب العلم بزعم تحريم التعليم على الفتيات حتى اتضح الغرض الخبيث بعد ذلك من استغلال أولئك الفتيات جنسيًّا، وحتى في ميدان تنفيذ العمليات الانتحارية، وفي إطار سعيها لهدم كل ما من شأنه بناء المجتمعات في مناطق انتشارها بغرب إفريقيا، عاودت جماعة بوكو حرام عملياتها الإجرامية التي تستهدف من ورائها ضرب مستقبل الأمم، وإطفاء شعاع الأمل المتمثل في جيل يحمل راية العلم مدافعًا عن الإنسانية ساعيًا لغدٍ أفضل، قامت بوكو حرام من خلال بعض عناصر الجماعة بارتكاب جريمة جديدة بقتل مدير إحدى المدارس بالنيجر ذبحًا، في مشهد وحشي، مما يظهر الوجه الخبيث لتلك الجماعة التي لا تسعى لبناء ولا تَقَدُّم وإنما رجعية وتخلف وتَرَدٍّ.
وقد وقف مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على تطورات هذا الحادث من خلال متابعة ما أعلنته وزارة التعليم في النيجر، بشأن مقتل مدير مدرسة ابتدائية يدعى "بلال مامادو" على أيدي عناصر من جماعة بوكو حرام الإرهابية؛ حيث أفادت الأنباء أن عملية القتل وقعت في قرية جاسكيرو التي تقع في منطقة ديفا جنوب شرق النيجر بالقرب من الحدود مع نيجيريا.
من جانبه أدان وزير التعليم في النيجر "داودا مامادو مارث" على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك - هذه الجريمة واصفًا إياها بـالجريمة غير الآدمية.
جدير بالذكر أن هذه الجريمة ليست الأولى من نوعها التي نفذتها بوكو حرام في هذه المنطقة.
هذا ويرى مرصد الأزهر أن هذه الجريمة تتعدى كونها مجرد عملية قتل وحشية بحق أحد الأبرياء الذين طالتهم أيدي بوكو حرام الغادرة، وإنما للحادث دلالات خطيرة؛ منها أن الهدف قد لا يكون قتل شخص فحسب، وإنّما توجيه تهديد مباشر لكل من يعمل في حقل التعليم أنه معرض للمصير ذاته؛ القتل أو الاختطاف أو التهديد على أقل تقدير، كما يشير الحادث إلى تطوّر خطير في أسلوب بوكو حرام، وذلك على مستويين؛ الأول: التنويع في أسلوب تنفيذ الهجمات بين الذبح والهجمات، من خلال انتحاريات أو سيارات مفخّخة، الثاني: اتساع نطاق إرهاب بوكو حرام وخروجه عن الحدود النيجيرية، بالأمس القريب كان الهجوم على مناطق بشمال شرق نيجيريا، أعقبته مجزرة وحشية بالكاميرون، ثم هجوم على أحد مساجد شمال نيجيريا، ثم تأتي هذه العملية بالنيجر في تعبير عن مدى خطورة الموقف، والسعي الحثيث من قِبَل بوكو حرام لتوسيع نطاق عملياتها، مما يعمل على تشتيت جهود المكافحة، ويتطلب مضاعفة لها وإحكام السيطرة الأمنية خاصة على المناطق الحدودية، الأمر الذي أكد عليه المرصد في سبيل الحدِّ من أنشطة الجماعات المتطرفة التي لا تربطها حدود ولا تحكمها إستراتيجية محددة، وإنما حدودها الخراب والدمار وإستراتيجيتها العنف والقتل والإجرام.
كما يجدد المرصد تأكيده على أن الإسلام الذي يدعي هؤلاء انتسابهم إليه وعملهم تحت رايته - لهو على النقيض مما يقومون به من ممارسات، فكيف لدين استفتح دعوته بالحثِّ على القراءة والتدبر في أول آيات كتابه الحكيم - أن يحرم التعليم أو يجرم التنوير؟!
وحدة رصد اللغات الإفريقية