منذ ظهور تنظيم القاعدة على ساحة الجماعات المتطرّفة في العالم اتخذ هذا التنظيم من منطقة القرن الأفريقي وخاصة الصّومال قاعدة محوريّة له ينطلق منها لتنفيذ عملياته في مناطق متفرّقة بشرق ووسط القارة الإفريقية، وما إن خَفَت نجم القاعدة وتشرذمت وانكسرت شوكتها بعض الشيء - حتى اتخذ فصيل منها الصّومال قاعدة له ساعيًا لتعويض ما لم يتمكن من تحقيقه تحت راية القاعدة مطلِقًا على نفسه المحاكم الشرعية، فراح يقتّل ويفجّر ويكفّر باسم الشريعة، وأشعل حربًا ضروسًا سالت على إثرها دماء آلاف الأبرياء في الصّومال وكينيا وغيرهما، وتهدّمت مساكن كانت عامرة بأهلها وتحوّلت أطلالًا.
وظلّت الصّومال تعاني اضطراب الأحوال الأمنية بفعل ما تقوم به هذه الجماعة، ثم طرأت بعض التغييرات على الجماعة فأطلقت على نفسها "حركة الشباب المجاهدين الصّومالية"، وأعلنت أنها تدين بالولاء للتنظيم الأم؛ القاعدة، وما إن تمكنت هذه الحركة من السيطرة على مناطق بالصّومال حتى صارت الخطر الأكبر الذي يهدّد أمن الصّومال، فجعلت تقتّل وتشرّد وتخرّب باسم الشريعة، ساعيةً لعرقلة مسيرة الصّومال حتى أصبحت حجر عثرة في طريق تقدّمها وعقبة كبرى في طريق تنميته.
ومع ظهور تنظيم داعش الإرهابي انطلقت دعوات التنظيم لعناصر "الشباب" بالبيعة والانضمام لصفوفه، دعوات تنمّ عن مدى قناعة داعش بقدرة "الشباب" على تنفيذ مخططاته الإجرامية في مناطق لا يصل إليها مقاتلوه، وبمرور الوقت لاقت تلك الدعوات المتكررة صدى في نفوس بعض عناصر "الشباب" فانسلخ فريق من الحركة وبادر إلى مبايعة داعش، الأمر الذي وضع الصّومال بين شقّي الرّحا "داعش" و"الشّباب" فتضاعفت معاناتها وتعمّقت جراحها، لا سيّما في الآونة الأخيرة التي شهدت موجةً من العنف لم تشهد الصّومال لها من قبل مثيلًا، مما دفع الحكومة الصّومالية والرئيس محمد عبد الله فارماجو لإعلان حالة من الاستنفار والتحرّكات المكثّفة لملاحقة عناصر الشباب، وقد أثمرت هذه التحرّكات عن توجيه عدة ضربات لمعاقل الحركة بدعم من قوات الاتحاد الإفريقي، وتحت غطاء من الطائرات الأمريكية التي عاودت غاراتها على مواقع للحركة.
وفي إطار متابعته لآخر المستجدات على الأراضي الصّومالية، يتابع مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف التحركات الرّامية للحدّ من نشاط حركة الشباب وتنفيذ هجمات مضادة تستهدف معاقلها، ووَفقًا لما تناقلته وكالات الأنباء من قيام القوات الأمريكية المشاركة بقوة "أفريكوم" بتوجيه عدة ضربات جوية لمعاقل حركة الشباب، الأمر الذي أكّده رئيس حكومة ولاية بونتلاند الإقليمية في الصومال عبد الولي غاس، مشيرًا إلى نجاة زعيم فرع تنظيم داعش في الصومال عبد القادر مؤمن خلال الغارات. في السياق ذاته أعلنت القيادة الأمريكية في أفريقيا مقتل عناصر من تنظيم داعش جراء ضربتين جويتين نفذتهما القوات الأمريكية في محافظة بِري بولاية بونتلاند بشمال شرق الصومال.
ويرى المرصد أهمية تنسيق الجهود لمواجهة التحرّكات الإرهابية لعناصر حركة الشّباب، واستئصال هذا الوباء الخبيث الذي سامَ الصّومال والصّوماليين سوء العذاب، كما يؤكّد المرصد على أهمية التوعية بمخاطر الفكر المتطرّف ومساوئ الأفكار المسمومة التي تروّج لها الجماعات المتطرّفة تحت دعاوى زائفة وشعارات خدّاعة.