الجماعات المتطرفة

 

13 نوفمبر, 2017

التركمان والدواعش

     بعد أن سيطر تنظيم "داعش" الإرهابي، على مدينة "تلعفر" العراقية عام 2014، هرب بعض "التركمان" من المدينة وظل البعض فيها، ثم بدأ جزء من هؤلاء الفارّين، يعيشون في المعسكرات الموجودة في مناطق مختلفة بالعراق، من بينها معسكر "يحياوه" شرق "كركوك"، الذي أنشأته "إدارة الكوارث والطوارئ التركية"، و"رئاسة الوكالة التركية للتعاون والتنسيق" و"الهلال الأحمر التركي"، بالتعاون مع تركمان العراق، والتركمان الذين أتوا إلى هذا المعسكر في أوقات مختلفة، هم "التركمان" السُّنّة، وَفْقًا لما ذكرته الـ (BBC)  التركية، التي أجرت حوارًا مع بعض سكان هذا المعسكر، ونشرته بتاريخ 23 أكتوبر.
وتُعَدّ عائلة "رافي قصب أوغلو"،  من أولى العائلات التي تركت "تلعفر" عندما دخلها "داعش"، تحديدًا بعد خمسةَ عشرَ يومًا من دخول التنظيم هناك، و كانت الأسرة تسكن في منطقة "عياضية"، التي يسكنها التركمان، و قررت الأسرة الهروب من المدينة، عندما أيقنت أن التنظيم سيتعرض للشعب بالإيذاء.      
   يقول رب الأسرة: "لقد خِفتُ من أن يصيبني أو أحدًا من أسرتي مكروه، وخفت من أن يقبضوا علينا ويذبحونا، فلقد كانوا يقبضون على الرجال ويذبحونهم؛ لذلك ظللت خمسةَ عشرَ يومًا لا أخرج من المنزل، ولقد كانوا يذبحون العائلات التي يوجد بين أفرادها تابعون للجيش، ونحن يوجد في عائلتنا من ينتسبون إلى الجيش، فهم يقتلون أي شخص له عَلاقة بالجيش، حتى وإن كان مجرد اتصال تليفوني".  
أما زوجته "نهلة قصب أوغلو"، فتحدثت عن هروبهم من "داعش"، وقالت: إنهم حاولوا الخروج نهارًا ولم يستطيعوا؛ لذلك هربوا ليلًا بمساعدة أحد أقاربهم.
 وأضاف الزوجان: أن عددًا كبيرًا من الناس كانوا يتعرضون للظلم في "تلعفر"، لكن معظمهم لم يكن لديهم نقود، وبعضهم كان مريضًا؛ لذلك لم يستطيعوا الهرب، وظلوا يعانون ظلم هذا التنظيم الإرهابي.
أما عائلة "رايكان قصب أوغلو"، فهي واحدة من العائلات التركمانية في "تلعفر"، التي أرادت الهروب ولم تستطع؛ لذلك فهي تُعتبر شاهدًا على حكم داعش للمدينة، الذي استمر فترة ليست بالقصيرة.  
                    يقول "رايكان": "كنا نعيش في قرية "أفجني" التابعة لـ "عياضية"، وعندما دخل "داعش" المنطقة هرب الجميع، وبقي الدواعش فقط، وهم من جميع الأعراق؛ عرب وتركمان وأجانب، وفي اليوم الذي فُرّغت فيه "أفجني" من سكانها، خرجنا إلى "تلعفر"، وبعد أن مكثنا ليلة  بها خرجنا إلى الموصل، ومكثنا بها أربعة أيام.
ولم يكن تنظيم "داعش" يتعامل بإنسانية في أي مكان، فهم يؤذون الجميع، لكن لأننا من "عياضية" لم يعرفنا أحد في الموصل، كنا دائمًا في المنزل، لم نخرج قَطُّ، ولم يكن لدينا أي عمل هناك، وعندما لم نستطع أن ندفع إيجار المنزل الذي كنا نقيم فيه، عدنا مرة أخرى إلى "تلعفر"، وكان لي فيها ابنة خالة، وأقمنا عندها".
    ثم تطرّق "رايكان" إلى حكاية شقيقته الكبرى، التي قتلها إرهابيو التنظيم، وعندما بدأ يحكي عنها لم يستطع والداه أن يتماسكا وانهمرت دموعهما، يقول "رايكان": "لقد اتُّهمنا بأن لدينا هاتفًا محمولًا، نتجسس به لصالح الحكومة، فأتت مجموعة من الدواعش المُلَثَّمين إلينا، وسألوني أولًا عن اسمي، فأجبتُ: "رايكان"، ثم جمعوا منَّا هُوِيَّاتنا، ثم بعد ذلك أعادوا إلينا الهُوِيّات، وسألونا: هل لديكم هواتف محمولة؟ فقلنا: لا، بعد ذلك فتشونا ووجدوا عندنا أربعة هواتف.
ثم وضعوا على رأسي كيسًا أسودَ، وغَطَّوْا وجه شقيقتي أيضًا، وأخذوا كلَّ واحدٍ منَّا في سيارة مختلفة، وعذبوني كثيرًا في المكان الذي أخذوني إليه ثم تركوني، وبعد أربعةَ عشرَ يومًا، أرسلوا إلينا قائلين: "تعالَوْا خذوا جثتكم"، فذهبتُ ووجدتُ شقيقتي مقتولة برصاصتين في رأسها، وعلى جسدها آثار تعذيب،  لم أنقل جثتها إلى البيت؛ لأن والدتي لن تستطيع رؤيتها في هذه الحالة، ولو رأتها فستفقد عقلها؛ لذلك أخذت جثة شقيقتي ودفنتُها، وأنا أعرف من نَمَّوْا علينا ووَشَوْا بنا، وأعرف من أعدموا أختي ومَن عذبوني، أعرفهم جميعًا؛ إنهم إرهابيون دواعش من "تلعفر"، ومن "عياضية"، ومن قرية "أفجني"، فالذين وَشَوْا بنا من "أفجني"، والذين قتلوا شقيقتي وعذبوني أعرفهم؛ فهم من تلعفر".
أمّا "شكيب قصب أوغلو"، وهو أيضًا من التركمان سكان معسكر "يحياوه"، فيقول: إن الدواعش الذين كانوا في الموصل وتلعفر أَتَوْا من بلاد مختلفة؛ فمنهم من العراق نفسِها، ومنهم من أمريكا، وتركيا، والسعودية، وأذربيجان، وغيرها من البلدان، وأضاف: أنهم كانوا يُعمِلون القتلَ في السكان بشتّى وسائله؛ فكانوا يطعنون ويَرجُمون، وكانوا يَدْعون الناس لمشاهدتهم وهم يرتكبون أعمال القتل، وكانوا يُحَرِّضون الأطفال على الانضمام إليهم.
فهذه شهاداتٌ حيّة للتركمان، الذين رأَوْا بأعينهم ظلم هذا التنظيم الإرهابي، وارتكابه أعمالًا إجرامية لا يقبلها عُرْف ولا يُقِرّها دين؛ أعمالًا تَنُمّ عن فهمٍ خاطئ لصحيح الدين، ولرحمة الإسلام الذي كَتَب الإحسان على كل شيء؛ فأيّ آيةٍ قرآنية أو أيّ حديثٍ نبوي يأمر شخصًا بتعذيب شخصٍ آخَرَ؟ وأيّ آيةٍ  قرآنية أو حديثٍ نبوي يأمر بخطف الأبناء من آبائهم وأمهاتهم، ثم تعذيبهم حتى الموت؟ تعالى الإسلام عن ذلك عُلوًّا كبيرًا.
ولقد قمنا قبل ذلك في "مرصد الأزهر"، برصد أحداثٍ مشابهة لما يحكيه التركمان الآنَ، خاصّةً عمليّةَ استقطاب الأطفال عن طريق الترغيب والترهيب، حيث حذّر "المرصد" كثيرًا من مثل هذه الدعاية الكاذبة والمُضلِّلة لهذا التنظيم الإرهابي، التي تستهدف في المَقام الأول الشبابَ المسلم؛ لأنهم يعرفون أن الشباب هم عماد هذه الأُمّة، وسبب قوتها.
 حَفِظَ اللهُ شبابَ الأُمّة من كلِّ سوء.

  وحدة رصد اللغة التركية