لا يخفى على أحد أن التنظيمات الإرهابية التي تسعى في الأرض فسادًا تعتمد على مصادر دخل قوية تساعدها على القيام بعملياتها الإجرامية، سواء في مناطق النزاع في سوريا والعراق وأفغانستان وغيرها من الدول التي تسيطر التنظيمات الإرهابية على جزء منها.
ومما لا شك فيه أن هذه التنظيمات تستخدم هذا الدخل أيضًا لإغراء واستمالة أعضاء جُدد لاستقطابهم إلى التنظيم سواء من الشرق الأوسط أو من البلدان الغربية.
هناك من يُجزم بوجود قوى عظمى تعمل على تمويل تلك الجماعات الإرهابية التي تنفذ أجنداتها في مناطق النزاع، إلا أن مثل هذه التكهنات لا تستند على دليل يبرهن على صحتها. في حين أن هناك حقائق أخرى حول مصادر الدخل بالنسبة للتنظيمات الإرهابية، والتي سوف نحاول سردها في السطور التالية خاصة في أمريكا الجنوبية، والتي تكمن في العصابات الإجرامية ومافيا المخدرات والتهريب وغسيل الأموال التي توفر أموالاً طائلة للتنظيمات الإرهابية التي تعمل فيها بشكلٍ مباشرٍ من خلال الاتجار أو توفير الحماية اللازمة لعبور المواد المخدرة والبضائع المهربة عبر الأماكن التي يسيطرون عليها.
ومن هنا يحاول مرصد الأزهر فتح ملف الجماعات الإرهابية وعلاقتها الوطيدة بعصابات المخدرات والمافيا في أمريكا اللاتينية.
بشكل عام، حذّرت الأمم المتحدة من قيام الجماعات الإرهابية باللجوء إلى الاتجار بالمخدرات لتمويل أنشطتها الإجرامية، مثل تنظيم داعش الإرهابي، وطالبان في أفغانستان، وبوكو حرام في نيجيريا، أو من خلال تسهيل عبور تجارة المخدرات عبر الأماكن التي يسيطرون عليها.
ويذكر التقرير العالمي حول المخدرات الذي نشرته الأمم المتحدة عن أن تنظيم طالبان يحصل على مبالغ مالية كبيرة تتراوح ما بين 150 و200 مليون دولار بفضل الإتاوات التي تفرضها على زراعة وتجارة الأفيون في أفغانستان، بما يشكل على الأقل نصف دخل هذه الجماعات الإرهابية. كما يُقدر معدل دخل تنظيم داعش السنوي بما يقارب 400 مليون دولار، ويمثل 50% من هذا الرقم هو حصيلة الاتجار بالمخدرات.
الجدير بالذكر أن جماعة بوكو حرام تساعد على تهريب المخدرات من الهيروين والكوكايين عبر إفريقيا الغربية مقابل فرض إتاوات. كما أن هناك مؤشرات تشير إلى ضلوع القاعدة في بلاد المغرب العربي في الاتجار بالمخدرات أو تسهيلها لهذه التجارة من خلال تقديم الحماية اللازمة لتلك التجارة عبر الأماكن التي يسيطرون عليها أو تلك التي يقطنون فيها.
وفي هذا السياق، أشارت تقارير عديدة إلى وجود صلة وثيقة بين الجماعات الإرهابية المتطرفة مع تجار السلاح والإتجار بالمخدرات في العديد من دول أمريكا اللاتينية، حيث تبين أن كليهما يشكل وجهين لعملة واحدة.
وقد أكد أحد الخبراء الأمنيين في أمريكا اللاتينية على أن العلاقة الوطيدة بين الجماعات الإرهابية وعصابات المخدرات تكمن في أنهم يستخدمون نفس الوسائل للحصول على السلاح مثل غسيل الأموال وتهريب منتجات غير شرعية بين الحدود من خلال شبكات إرهابية إجرامية شديدة الخطورة.
وفي الوقت ذاته تشير التقارير إلى أنه على الرغم من وجود علاقات وطيدة بين الجماعات الإرهابية وعصابات الاتجار بالمخدرات في المكسيك وكولومبيا وفنزويلا، إلا أن المثلث الحدودي بين باراجواي والبرازيل والأرجنتين يعتبر هو مركز الدعم للجماعات الإرهابية المتطرفة.
وبالفعل فإن هذه المنطقة تُعد أرضا خصبة لأنشطة الخلايا النائمة، كما أنه يمكن الإشارة إلى أن ضَعف القوانين التي تسنها الحكومات في تلك المناطق تساعد على تهريب ونقل المخدرات والبضائع المزورة الأمر الذي يُعد بمثابة أرض خصبة لجذب المنظمات الإجرامية.
هذا وقد أصبح الاتجار بالمخدرات هو المصدر الرئيس لتمويل الجماعات الإرهابية، وبذلك فإن هذا الخليط من الجماعات الإرهابية والتنظيمات الإجرامية يُشكل خطرًا كبيرًا على الأمن العام لبلدان أمريكا اللاتينية التي تعاني ويلات تلك التنظيمات حتى يومنا هذا.
وفي المكسيك، تبين وجود توأمة بين التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية الخطيرة، كما أن هذه العلاقات في تزايد مستمر يومًا بعد يوم. وفي كولومبيا تشير الإحصائيات إلى أن هناك تعاونا مشتركا بين إحدى الجماعات المتطرفة وحركة فارك ظل لفترة طويلة في مجال بيع وشراء الأسلحة والاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال وغيرها من الأنشطة الغير شرعية، مع العلم بأن دخل الحركة من تجارة الكوكايين وصل إلى ما يقرب من مليار دولار سنويًا، وذلك وفقًا لأحد التقارير التي أصدرتها صحيفة "إلميديو" الإلكترونية.
كما أشار مسؤل أمريكي رفيع المستوى إلى وجود صلات قوية بين عصابات الاتجار والجماعات الإرهابية. وقد أشار الأمين العام للولايات المتحدة إلى أن هناك صلات قوية بين عصابات مكسيكية مع المنظمات الإرهابية في دول أخرى بما فيها تنظيم داعش الإرهابي.
وفي ترينداد وتوباجو، تُشير التقارير إلى أن هناك جماعات متطرفة موجودة داخل هذه الدولة منذ فترة ليست بالقصيرة. وقد ظهرت مؤخرًا جماعة أكثر شراسة وعنفًا من غيرها وتُسمى "ثُوّار داعش" أعلنت ولاءها لهذا التنظيم الإرهابي مؤخرًا، فضلاً عن وجود أكثر من مائة شخص ممن تم تجنيدهم من هذه الدولة وتم نقلهم إلى مناطق النزاع في سوريا والعراق للانضمام إلى صفوف داعش، وهو الأمر الذي أثار قلق السلطات في هذه الدولة الصغيرة.
وفي هذا السياق أشار وزير الخارجية هناك إلى أن هذه الجماعة استطاعت أن تستقطب العديد من الشباب في الفترة الأخيرة، فضلاً عن عمليات الهجرة القادمة من دول شمال إفريقيا والدول العربية بشكل عام، والتي ساعدت على تنامي أعداد المتطرفين.
لكن تجدر الإشارة إلى أنه في الوقت ذاته، أكد وزير الخارجية على أن الجالية المسلمة في الأصل هي مجموعة مسالمة تُشكلها مجموعة أشخاص قد قدموا من آسيا ويعيشون في سلام وانسجام مع باقي أفراد المجتمع في ترينداد وتوباجو.
يُمكن القول بأن العلاقة الموجودة بين الإرهاب ومافيا المخدرات وعصابات الجريمة المنظمة ليست جديدة، بل هي قديمة لها جذورها نظرًا لوجود قاسم مشترك يجمع بينهما، والذي يكمن في البحث عن المال والحصول عليه بأسرع الطرق الممكنة من أجل تنفيذ هجماتهم الإجرامية.
وحدة رصد اللغة الإسبانية