الجماعات المتطرفة

 

13 ديسمبر, 2017

العائدون من داعش وإعادة تمركزهم من جديد

     أكد الدكتور "صواش ييلمز" أستاذ التاريخ في جامعة أتاتورك أن الآلاف من المقاتلين الغربيين الذين كانوا ضمن تنظيم "داعش" الإرهابي الذي سرعان ما بدأ في الذوبان والانهيار في الأسابيع الأخيرة، بدؤوا يعودون إلى أوطانهم في أوروبا، وسيعود جزء منهم - حتى وإن كان ضئيلًا - إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وأشار ييلمز إلى أنه وفقًا للإحصائات والمعلومات التي نشرتها بعض مؤسسات المجتمع المدني وبعض المؤسسات الدولية، فإن أكثر من ألفي شخص من الأوربيين المنتمين إلى تنظيم داعش قد عادوا إلى أوطانهم في العديد من الدول، وعلى رأسها فرنسا وإنجلترا وألمانيا، ودخل إلى جانب هؤلاء على الأقل (10) من المنتمين لداعش إلى الولايات المتحدة، وهو الرقم الذي صرحت به واشنطن، وربما تكون الأعداد أكثر من ذلك بكثير.

ومع فقدان داعش لسلطتها وسطوتها في كل من العراق وسوريا، فإن هؤلاء المقاتلين متعجلون في العودة إلى أوطانهم؛ لذا فإن أكثر ما يفكر فيه المسئولون في هذه الدول الآن هو كيفية التحكم والسيطرة على هؤلاء الإرهابيين العائدين من داعش؛ خوفًا من أن يقوموا بأعمال إرهابية جديدة في هذه البلاد، وخاصة أنهم لم يعودوا في حاجة إلى القنابل والأسلحة، بل في إمكانهم القيام بعمليات إرهابية بواسطة استخدام السيارات والشاحنات، والأسلحة البيضاء ينتج عنها الكثير من القتلى والجرحى، وهو الأمر الذي سيوقع الكثير من القتلى والجرحى وسيزلزل أركان الحياة الاجتماعية من جذورها.

وثمة نقطة أخرى تتمثل في خطورة مقلقة بشأن العائدين من "داعش"، وهي أن العائلات العائدة مع هؤلاء الإرهابين؛ أي زوجاتهم وأولادهم قد تأثروا بالتأكيد بأيديولوجية "داعش"، حتى وإن كانوا لم يرتكبوا أعمالًا إرهابية، إلا أنهم عاشوا داخل هذه الجماعات وتأثروا بها، وبدل من أن يطمح هؤلاء الأطفال العائدون في أن يصبحوا أطباء ومهندسين وأعضاء نافعين وصالحين في مجتمعهم، قد يحلمون بأن يكونوا محاربين داخل عالم "داعش" الذي يبدأ فيه الأطفال بتلقي تعاليم هذا التنظيم في الخامسة من عمرهم، ثم التدرب على السمع والطاعة والولاء، ثم حمل السلاح مع بلوغ سن التاسعة، وحينها يدركون أن الهدف الأسمى لهم في هذه الحياة إما الموت من أجل دعوتهم أو من أجل قائدهم.

لذا فإن إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال والنساء ستكون عملية صعبة للغاية، ولو أن تلك الدول فكرت في استبعاد هؤلاء العائدين ونبذهم بعيدًا خارج المجتمع، فستكون بذلك قد أعدت أعضاء جددًا مرشحين لأن يكونوا إرهابيي المستقبل.([1])

وفي تصريح للباحث الإيطالي "لورينزو فيدينو"، المتخصص في الحركات الإسلامية إلى وكالة أنباء "بي بي سي" التركية قال: "من المحتمل أن عدد المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلي تنظيم داعش في السنوات الماضية قد وصل إلى ثلاثين ألف مقاتل، ومن المقلق أن الأشخاص الذين اضطروا إلى الانسحاب من سوريا والعراق الآن يمكن أن يقوموا بهجمات ثأرية في الدول التي سيذهبون إليها، ومن الممكن أن جزءً من العائدين لن يشارك في عمليات مسلحة بعد ذلك، ومن المحتمل أيضًا أن جزءً آخر سيقوم بتكوين شبكات سرية تستهدف ضرب الاستقرار السياسي للبلاد وفقًا للظروف الداخلية لكل دولة وإمكانية تنفيذ هجمات جديدة". ([2])

 وعلى الرغم من عودة بعض القادمين من داعش إلى أوطانهم الأصلية، إلا أن البقية المتبقية من التنظيم لم تـفُـته القيام بإجراءات استباقية تحسبًا لدحره ومداهمة معاقله في كلٍّ من العراق وسوريا، فجعل يصنع امتدادات ومعاقل له عبر دول العالم، حتى إنه سعى لتأسيس منظمة عابرة للقارات، ومن ثم نجح في الحصول على بيعة كثير من الجماعات الإرهابية والأصولية، فامتدت معاقله في شمال وغرب أفريقيا، ووسط آسيا، وجنوب شرق آسيا الواقع غرب المحيط الهادي؛ حيث أعلنت عدة جماعات في بعض هذه الدول بيعتها وولائها للتنظيم، وإن كانت ممارسات بعضها لا يزال ضعيفًا وغير فاعل.

وفي هذا الإطار نشرت "وكالة أنباء الأناضول" تقريرًا مفصلًا حول أوضاع داعش المستقبلية عقب عملية الموصل؛ حيث ركز التقرير على وضع داعش فى كل من سوريا والعراق، وعبر العالم، وجاء على النحو التالى:

العراق: اتجهت الأنظار عقب إعلان تطهير الموصل من داعش في العاشر من يوليو نحو المعاقل الأخرى للتنظيم بالعراق، فكان كل من قضاء (الحويجة) بكركوك، وقضاء (القائم) التابع لمحافظة الأنبار والمحاذي للحدود السورية-العراقية، وقضاء (الشرقاط) التابع لمحافظة صلاح الدين، في انتظار دورهم لتخليصهم من أيادى داعش.

وعلى الجانب الآخر استغل التنظيم الفراغ الأمني في المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق والأراضي الصحراوية الممتدة بالمنطقة في التحرك بسهولة، وتشكيل ما يضمن استمرار كيانه.

أما في سوريا: فقد أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن قوات سوريا الديمقراطية تمكنت من طرد تنظيم داعش و تطهير مدينة الرقة بالكامل منه، وأورد موقع رويترز أن عناصر "داعش" الأجانب في الرقة استسلموا إلى التحالف الدولي، فيما أكد الناطق الرسمي باسم قوات سوريا الديموقراطية، طلال سلو، لفرانس برس عبر الهاتف، أنه "تم الانتهاء من العمليات العسكرية في الرقة، وسيطرت قواتنا بالكامل على المدينة، وتقوم القوات منذ شهر أكتوبر الماضي بعمليات تمشيط واسعة؛ للقضاء على الخلايا النائمة إن وجدت وتطهير المدينة من الألغام، والسؤال هنا: إلى متى سيستمر وجود تنظيم داعش داخل سوريا، وخاصة في المناطق الواقعة شمال جبال قلمون على الحدود اللبنانية، و"جبال البلس"، وحي الحجر الأسود جنوب العاصمة السورية (دمشق)؟

وبعيدًا عن تنظيم داعش في سوريا والعراق، تذكر وكالة "أنباء الأناضول" البلاد التي بايعت فيها جماعات إرهابية تنظيم داعش، وجاءت على النحو الآتي:

الفلبين: جزيرة "مينداناو"؛ وفقًا للتقارير الرسمية توجد أربع أذرع لتنظيم داعش بالفلبين:

جماعة أبو سياف: تأسست عام 1991 م، وأعلنت ولائها وبيعتها لداعش عام 2014 م، وينتمى لها ما يقرب من أربعمائة شخص وفقًا للخبر الذي أعدته أسوشيدت برس عام  2015 م.

  • حركة الاستقلال الإسلامي: وتسمى (بنج سامار)، وتأسست عام 2008 م، وصرحت عام 2014 م بأنها تابعة لداعش وأنها قدمت له البيعة. وبينما بلغ أعضاء الحركة عام 2015 م (500) شخص، فقد تناقص عددهم  إلى (140) شخصًا عام 2016 م.
  • أنصار الخلافة: تأسست عام 2104 م كجماعة تابعة لداعش، ووصل عدد أعضائها نهاية عام 2016 م إلى أقل من خمسين شخصًا.
  • جبهة تحرير مورو الإسلامية: تأسست عام 2013 م متأثرة بالفكر الداعشي؛ حيث استولت على بعض الأحياء الموجودة في مدينة (مراوي) شمال جزيرة مينداناو، وفي شهر مايو رفعت علم داعش على بعض الأبنية بالمدينة. وقد أشار مسئولون بالحكومة إلى أن عدد المقاتلين المسلحين التابعين للجبهة في حدود المائة.

مصر: شبه جزيرة سيناء، حيث أعلنت ثلث الجماعات الموجود بها مبيعتها وولائها لداعش، ولا سيما الموجودة في شمال سيناء، ومن أشهرها جماعة "أنصار بيت المقدس" التي ظهرت عام 2011 م، وبايعت داعش نوفمبر 2014 م؛ حيث غيرت اسم شبة جزيرة سيناء إلى (ولاية سيناء). ووفقا لتقرير BBC تتفاوت أعداد المقاتلين المسلحين اعتبار من عام 2016 م ما بين 1000-1500.

ليبيا: أعلن تنظيم داعش قيام ثلاث ولايات في ليبيا في كل من طربلس، وبرقة، وفزان، ومن ثم جعل التنظيم من ليبيا في الفترة 2015 - 2016 قلعة له في شمال إفريقيا، واستولى على مدينة (سرت) في 2015 م، وصرح البنتاجون في 2016 م أن عدد مقاتلي تنظيم داعش بليبيا في حدود 6500 مقاتل. ونظرًا لتضافر القوى الثورية نجحت ليبيا في دحر التنظيم في العديد من مدنها، آخرها كان مدينة سرت، حيث انسحب كثيرٌ منهم إلى المنطقة الصحراوية أو أنهم انسحبوا من ليبا وفقًا لتقرير مجلة الإيكونوميست.

نيجيريا: بورنو؛ تمارس داعش نشاطها شمال غرب نيجيريا، فقد أعلنت جماعة بوكو حرام في 2015 م مبايعتها لداعش، وغيرت اسمها إلى (ولاية غرب أفريقيا)، وتتبع هذه الجماعة نفس ممارسات داعش الوحشية تجاه المدنيين، وعلى حين صرحت الولايات المتحدة الأمريكية أن هذه الجماعة التي تأسست عام 2002 م تضم من 4 إلى 6 آلاف مقاتل، فقد صرحت منظمة العفو الدولية أن هذا العدد وصل إلى خمسة عشرة ألف مقاتل؛ حيث تقوم الجماعة بالعديد من العمليات الإرهابية في مناطق نيجيريا.

وتتحين داعش الفرصة لتعزيز وجودها وقوتها في بعض المناطق والدول، ولا سيما الدول التي تعاني فراغًا أمنيًا، ومن هذه الدول:

باكستان وأفغانستان: تتخذ داعش منذ عام 2015 م وإلى الآن من الهند وصولًا ببنجلادش ساحة نفوذ ونشاط لها، ووفقا لتقديرات الجيش الأمريكي يبلغ عدد المقاتلين المنضمين لـ (ولاية خراسان) ما بين 6000-8000. وتضم باكستان جماعة (جند الله) التي تأسست عام1996م، وأعلنت مبايعة داعش عام 2014 م، وتضم ما بين 400-1000 مقاتل، حيث تسهدف الأقليات في المناطق التي يقطنها أغلبية شيعية.

وسط آسيا وروسيا: وتتبع داعش في هذه المنطقة (حركة أوزبكستان الإسلامية)، التي تأسست عام 1998 م، وبايعت تنظيم داعش عام 2105 م، حيث فقدت كثيرًا من مقاتليها عقب هذه البيعة، وقد استخدمت الجماعة في السابق كلًّا من أوزبكستان، طاجيكستان ووادي فرغانة الواقع على حدود قيرغيزستان قواعد لها، إلا أنها مشتتة الآن بين شمال أفغانستان، وغرب الصين، وشرق باكستان، وتتهم الحركة بإرسال مقاتليها إلى سوريا والعراق، وقيامها بالعديد من الأعمال الإرهابية.

وفي روسيا: بايعت (ولاية القوقاز) داعش عام 2105 م، وقد أرسلت مقاتليها إلى سوريا والعراق، متعللة بالذهاب لمؤازرة نظام الأسد.

وإلى جانب الدول السابقة يوجد تنظيم داعش بقوة في "الصومال" و"اليمن"، فضلًا عن وجود العشرات من مقاتليه في "الجزائر"، وقد انضم العديد من الشباب في "مالى" و"النيجر" و"بوركينا فاسو" إلى (تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى)، والذي تأسس عام 2015 م والمنشق عن منظمة (مرابطون).

والسؤال هنا؛ هل سيعيد تنظيم الدولة الإسلامية تنظيم صفوفه بعد دحره في الموصل؛ ليظهر مرة أخرة في بلد آخر عبر أحد هذه التظيمات التي قدمت له البيعة والولاء؟ أم أن التنظيم انتهي للأبد دون رجعة؟ وهل المقاتلون العائدون من داعش بالعراق وسوريا سيتوجهون صوب هذه الجماعات لاستئناف أنشطتهم، واستكمال مسيرتهم؟!        

ختامًا على كل من يدعم الإرهاب أن يعي جيدًا أنه ليس هناك إرهاب أو إرهابي حسن وآخر سيئ، وأن الأثر المدمر للإرهاب سيعود عاجلًا أم آجلًا على من دعموه، وسيكونون هم أول من يكتوون بنيرانه. 

وحدة الرصد باللغة التركية