تسعى جماعات العنف والتطرّف للمراوغة والتغيير المستمر في إستراتيجياتها الهجومية بين حين وآخر، الأمر الذي يعدّ سمة مشتركة بين هذه الجماعات على اختلاف مسميّاتها وتنوّع شعاراتها، ولعلّ الهدف الرئيس من هذا التغيير هو تشتيت جهود المكافحة والعمل على البقاء لأطول مدة ممكنة؛ لتثبت هذه الجماعات لأنصارها أنّ جعبتها ما زالت تحوي الكثير من الحيل والإستراتيجيات الخبيثة الرامية لفرض سيطرتها ونفوذها على أكبر مساحة من الأرض.
وخلال عملها الحثيث على متابعة أنشطة الجماعات المتطرّفة وجهود مكافحتها، تابعت وحدة رصد اللغات الإفريقية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرّف - تحرّكات جماعات العنف والإرهاب في إفريقيا، وعلى رأسها جماعة بوكو حرام التي تنشط في غرب القارة الإفريقية، وحركة الشّباب الصّومالية التي تمارس أعمالها الإجرامية في شرقها؛ حيث تسعى هذه الجماعات للتغيير المستمر من إستراتيجياتها الهجومية، لا سيّما خلال الآونة الأخيرة مع تشديد الجهود الرامية؛ لاستئصال جذور التطرّف والقضاء على فلول الإرهاب.
وفي هذا الصّدد ومن خلال العمل الدؤوب لمرصد الأزهر لمكافحة التطرّف بهدف الوقوف أولًا بأول على مستجدّات الأحداث - راقب المرصد العمليات الإرهابية التي نفّذتها هاتان الجماعتان خلال الثلاثة الأشهر الأخيرة، سواء التي قام بها عناصر بوكو حرام في نيجيريا والكاميرون، أو تلك التي أقدمت عليها حركة الشّباب الصّومالية في الصّومال وكينيا، ومن خلال تلك المتابعة تبيّن الآتي:
بوكو حرام بين العودة للهجمات الانتحارية واستهداف المساجد
تنوّعت هجمات بوكو حرام خلال الآونة الأخيرة بين عمليات انتحارية وعمليات الاقتحام وإطلاق النار، وكذا تصفية المختطفين وقتلهم بدم بارد، وخلال متابعتها لأنشطة جماعة بوكو حرام توصّلت وحدة رصد اللغات الإفريقية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرّف إلى عدد من النتائج أبرزها ما يلي:
- اتبعت جماعة بوكو حرام أسلوب الهجمات الانتحارية عن طريق الفتيات المفخخات "عرائس الجهاد"، باعتبارهنّ السّلاح الأكثر تأثيرًا والأقلّ من حيث الخسائر بالنسبة للجماعة.
انتحاريات بوكو حرام .. سلاحٌ خطير
- تنوّعت أهداف هجمات بوكو حرام خلال الآونة الأخيرة بين استهداف المدنيين كعادتها سواء في الأسواق أو الأماكن المزدحمة، أو السكّان المحليين في عدد من القرى التي تسعى الجماعة لفرض سيطرتها عليها.
جماعة بوكو حرام ذراع داعش في إفريقيا
- ارتكبت الجماعة عدة جرائم تضاف إلى سجلّ جرائمها الدّموي منها استهداف مسجد أسفر عن مقتل نحو خمسين مصليًا أواخر الشهر الماضي، وكذا اقتحام عدد من المنازل وفتح النّار عشوائيًّا على السكّان في مشهد وحشيٍّ مروّع.
- أقدمت بوكو حرام على ارتكاب مجزرة وحشية من خلال هجوم مزدوج نفّذه ثلاثة انتحاريين؛ رجل وامرأتان في وقت متزامن بإحدى المدن بشمال نيجيريا.
- شنّت بوكو حرام عدة عمليات إرهابية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة لم يستهدف أحدٌ منها موقعًا عسكريًّا أو مركزًا للشرطة، مما يعكس أمرين غاية في الأهمية، أولهما: أنّ الجهود التي يبذلها الجيش النيجيري وتحالف غرب إفريقيا آتت ثمارها جزئيًّا، إلا أنّها تحتاج تكثيفًا على صعيد الحد من أنشطة الجماعة، والحيلولة دون وقوع مزيد من الهجمات لاسيّما في المناطق الحدودية.
- لا تزال بوكو حرام تحتفظ بحظوظها في تشكيل مصدر للخطورة في نيجيريا والكاميرون على حد سواء، اعتمادًا على سلاح الفتيات المفخّخات وكذا العناصر المسلّحة.
السيّارات المفخخة والهجمات المسلّحة أبرز أسلحة "الشّباب" في فرض الإرهاب.
بالانتقال من غرب القارة إلى شرقها وتحديدًا إلى الصّومال؛ حيث تنشط حركة الشباب الصّومالية، مشكِّلة بإرهابها وإجرامها العنيف مصدر الخطورة الأول والأكبر لا على الصّومال فحسب، بل على منطقة شرق إفريقيا قاطبةً. ومن خلال المتابعة المتواصلة لتحركات عناصر حركة الشّباب الصّومالية الإجرامية، وممارساتها الرّامية لفرض سيطرة ونفوذ هذه الحركة المتطرّفة - سلّط مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف الضّوء على أهمّ ما قامت به هذه الحركة من أعمال خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة ومن خلال ذلك تبيّن الآتي:
- سعت حركة الشّباب إلى استغلال فرصة تقليص أعداد قوات الاتحاد الإفريقي المشاركة في عمليات حفظ السّلام بالصّومال "أميصوم"، من خلال محاولات متكررة لاستعادة السيطرة على عدد من المدن التي كانت خاضعة لسيطرة الحركة واستعادتها قوات الأميصوم.
- كثّفت الحركة دعواتها لاستقطاب مزيد من الشّباب بدعوى الدّفاع عن الشريعة تارةً، ومقاومة ما أطلقت عليه الحركة "التدّخلات الأجنبية" من كينيا والولايات المتحدة الأمريكية تارة أخرى؛ حيث قامت مؤسسة "الكتائب" الجناح الإعلامي للحركة ببثّ إصدار مرئي بعنوان: "واغلظ عليهم" حاولت من خلاله بثّ الحماس في نفوس عناصرها، وفي الوقت ذاته استقطاب مزيد من الشّباب الذين يمكن خداعهم تحت دعاوى الدّفاع عن الدّين وإقامة الشّريعة.
- نوّعت حركة الشّباب من هجماتها بين الإعدامات الفرديّة خاصّةً في المناطق الخاضعة لسيطرتها، والهجمات الانتحارية والألغام الأرضية والهجمات المسلّحة عن طريق أكمنة لأفراد الجيش والشرطة وقوات الاتحاد الإفريقي.
- شنّت الحركة أحد أكبر وأعنف الهجمات التي تعرّضت لها الصّومال وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 512 شخصًا بحسب آخر إحصائية، وإصابة وفقد المئات في منتصف شهر أكتوبر الماضي مما دفع الحكومة الصّومالية لإجراء تعديلات على بعض المناصب القيادية بالأمن والداخلية الصّومالية، وكان هذا الهجوم قد استهدف منطقة مزدحمة بالأشغال العامة والفنادق والهيئات وسط العاصمة مقديشو.
مجموعة من عناصر حركة الشّباب الصّومالية
- شهدت العاصمة الصّومالية مقديشو أكبر عدد من الهجمات التي نفّذتها حركة الشّباب خلال الآونة الأخيرة، بخلاف الأشهر السابقة التي كانت تشهد تركيزًا من الحركة على المناطق الحدودية والنائية.
- يجب الإشارة أيضًا إلى تراجع نشاط حركة الشّباب خلال شهر نوفمبر بعض الشيء، ولعلّ السبب الرئيس في ذلك يرجع إلى تكثيف جهود المكافحة والغطاء الجويّ الذي توفّره القوّات الأمريكية المشاركة في العمليات على أرض الصّومال؛ مما أسفر عن تدمير عدد من معاقل الحركة وقتل أكثر من 150 من عناصرها.
- شهدت كينيا التي تأتي في المرتبة الثانية في مرمى نيران "الشّباب" بعد الصّومال حالةً من الهدوء الحذر، إلا أنها لم تخل من بعض المناوشات بمدينة مانديرا، فضلاً عن هجوم هو الأكبر من نوعه على الحدود الكينية – الصّومالية راح ضحيته عشرات العسكريين في استهداف لمعسكرهم.
- أثمرت الضّربات الأمريكية والعمليات العسكرية واسعة النّطاق التي قامت بها القوات الصّومالية مدعومة بقوات أميصوم - أن أُجبر عناصر حركة الشّباب على التراجع لمعاقلهم في أطراف العاصمة ومناطق نائية بعد أن كانوا قد ضربوا قلب العاصمة.
جانب من إصدار لحركة الشّباب بعنوان: "واغلظ عليهم"
ومن خلال هذه القراءة السريعة للمشهد على صعيد إستراتيجيات الجماعات المتطرّفة في إفريقيا؛ جماعة بوكو حرام وحركة الشّباب الصّومالية، يؤكّد المرصد على أنّ تلك الجماعات ومن على شاكلتها من جماعات العنف وتنظيمات التطرّف والإرهاب، لا تثبت على إستراتيجية واحدة، ولا تلتزم بأسلوب واحد سواء في استقطاب الشّباب أو في تنفيذ الهجمات، وإنّما تسعى للتغيير المستمر، مما يعطينا دلالة على أمر بالغ الأهمية، وهو أنّ هذه الجماعات ليست كما يتخيل البعض مجرّد عصابات انحرفت عن الطريق وحادت عن الصّواب، ولكنّها تعمل على المراوغة والخداع من خلال عدم الثبات على أسلوب واحد في تنفيذ الهجمات وكذا الأهداف التي تكون في مرمى نيرانها، دون أن تفرّق بين مدنيّ وعسكريّ، مسلم أو غير مسلم، مسجد أو كنيسة، كبير أو صغير، رجل أو امرأة؛ إذ لا تستهدف تلك الجماعات إلا إلى إشاعة الفوضى ونشر العنف وتشويه صورة الدّين. مما يتطلّب تشديدًا للمواجهة على الصعيدين الفكري والميداني، بغية حرمان هؤلاء من تحقيق مرادهم في تحويل العالم لساحة حرب مفتوحة والسعي في الأرض فسادًا، والوصول إلى أهداف رسمتها قوى الشرّ من تقسيم وسطو على ثروات الشّعوب ومقدّراتها، وهدم للحضارات ومحو للتاريخ وتدمير للحاضر والمستقبل.
وحدة رصد اللغات الإفريقية