تشير الهجمات الإرهابية التي حدثت في السنوات الأخيرة إلى أن مقاتلي داعش ينحدرون من الجمهوريات السوفيتية السابقة. ومن المعلوم أن الاتحاد السوفيتي يضم 15 جمهورية منها الآسيوية وهي: أذربيجان - أوزبكستان - طاجيكستان - تركمانستان - كازاخستان - قيرغيزستان - جورجيا - أرمينيا - والست الأولى ذات أغلبية مسلمة، والأخيرتان كانتا تابعتين لحكم إسلامي خلال فترات مختلفة. ومنها الأوروبية وهي: داغستان - الشيشان - قبردينو - بلقاريا - القرم - ماري وأودمورتيا - تشوفاشيا - تتارية - أورنبرج- بشكيريا - واستينا الشمالية.
يقول مدير معهد الدراسات السياسية الدولي ISPبإيطاليا باولو ماجري Paolo Magri: "القول بأن روسيا تشكل المهد الذي ينحدر منه مقاتلو داعش ليس بالأمر الجديد. حيث تخبرنا المصادر الموثوقة أن كثيرًا من مقاتلي داعش قد خرجوا من المناطق التي يغلب عليها الطابع الإسلامي في الاتحاد السوفيتي السابق. وهم بهذا يضعون روسيا في الترتيب الثالث للدول المصدرة لمقاتلي داعش بعد كل من تونس والمملكة العربية السعودية؛ حيث يقدر عدد المقاتلين الأجانب foreign fighters أكثر من 500 مقاتل ينحدرون من أوزبكستان وقيرغيزستان، وهو رقم كبير مقارنةً مع عدد المقاتلين الذين خرجوا من إيطاليا وهم 87. ومن الجدير بالذكر أن التزام بوتين العسكري في المنطقة، بالإضافة إلى منطق القوة الذي تعتمد عليه موسكو، يدلان على وجود رغبة روسية لمواجهة هذه الظاهرة."
أحدث النماذج على ذلك هو الأوزبكي سايفولو سايوف Sayfullo Saipov ذو التسعة والعشرين عامًا، والذي هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 2010. وقد قرر أن يكون تابعًا لداعش من خلال متابعته للفيديوهات الخاصة بالدولة الإسلامية وكل تعليماتها لضرب الغرب، وهو المسؤل عن مجزرة مانهاتن الأخيرة في نيويورك. تفيد مصادر محلية أمريكية أن حوالي 20 ألف مهاجر أوزبكي قد وصلوا نيويورك في الأعوام العشر الأخيرة، وما زالو موجودين وسوف يستمرون في وجودهم بها حيث إنهم قد حصلوا على إقامة مفتوحة، كما كان الحال مع مرتكب مجزرة مانهاتن.
أوزبكي آخر وهو عبد القادر ماشاريبوف Abdulkadir Masharipov متهم بقتل 39 شخصًا في الهجوم على ملهى ليلي في مدينة إسطنبول التركية ليلة رأس السنة.
لذلك تعتبر أوزبكستان هي الداعم الأول لداعش. حيث إن الجماعة الإرهابية الرئيسة التي تعمل على تجميع مقاتلي داعش هي حركة أوزبكستان الإسلامية Imu والتي تم تأسيسها أواخر التسعينات. وقد أدت هذه الحركة الإرهابية يمين الولاء للخليفة البغدادي في عام 2015، حسب ما تقول الأمم المتحدة، وقد شارك قادتها أيضًا بأدوار بارزة داخل تنظيم القاعدة. إضافة إلى إعلان الحركة مشاركتها في الهجوم على مطار كاراتشي الدولي في باكستان يونيو 2014، والذي راح ضحيته 37 قتيلًا. كما أنه تم اتهامها في مجموعة من العمليات الإرهابية التي تم تنفيذها في العاصمة الأوزبكية طشقند 1999 و 2004. ومع ذلك لم تستطع هذه الحركة حتى الآن تكوين مركز ثابت لها وسط آسيا؛ ولذلك السبب انتقل الكثير من أعضاءها إلى أفغانستان.
يبلغ الآن عدد المتطوعين للجهاد الذين سافروا بالفعل إلى العراق وسوريا والذين ينتمون إلى الجمهوريات السوفيتية حوالي 7 آلاف مقاتل، العدد الأكبر منهم من المسلمين الأزبك المتطرفين، في حين ينتمي بقيَّتُهم إلى قازخستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، وقيرغيزستان.
لقد أصبحت منطقة وسط آسيا منذ أعوام محط اهتمام قوى المنطقة الكبرى: الصين وإيران وروسيا، نظرًا لما فيها من آبار بترول، ولوجود أهم طرق تجارة المخدرات على المستوي العالمي، وهي نفس الأسباب التي جذبت داعش إلى هذه المنطقة. فالحرب في هذه المنطقة ليست حربًا دينية فقط، ولكنها بالأحرى حرب مصالح اقتصادية.
ولكننا لا يجب أن نغض الطرف عن قيام داعش بتجنيد خلايا جديدة في سوريا والعراق إلى جانب مجابهتها روسيا وإيران على أرض المعركة. هذه المنطقة التي ينمو فيها التطرف الإسلامي ويكوِّن خلايا جديدة من الروس، الذين ينتمي معظمهم لبلاد القوقاز الشمالية المسلمة، والتي تمثل أكبر قوة عسكرية من مقاتلي داعش.
لقد خلفت الحروب الشيشانية في التسعينيات -على سبيل المثال - الكثيرين من هؤلاء المقاتلين، بسبب استخدام الروس تكتيكات حربية وحشية ضدهم.
في حين ينتمي الكثير من المجاهدين، الذين يطلق عليهم إمارة القوقاز، إلي طاجيكستان، وهم من قاموا بالعديد من العمليات الإرهابية باسم الدين عام 2000 ، كما ينتمي الكثيرون ممن فجَّروا أنفسهم فى موسكو عام 2011 إلى هذا التنظيم. ويقدر عدد المقاتلين الطاجيك الموجودين في سوريا بـ 650 مقاتل، من بينهم من يصطحب معه نساء وأطفالًا.
ويؤكد الكثير من المحللين للشأن الإسلامي أن أسباب انضمام هؤلاء إلى داعش هي: ارتفاع نسبة البطالة، وقلة الخدمات العامة، وطريقة التعامل الوحشية للبوليس الروسي تجاههم، مما دفعهم لحالة من الثورة والغضب. كما أن الحروب وعمليات الابادة العرقية وسياسة القتل والتهجير التى قامت بها الشيوعية ضد المسلمين في هذه الدول قد لعبت دورًا بارزًا في تأجيج روح العداء والانتقام.
واليوم لا يقتصر داعش على دعم الميليشيات المسلحة في بلدانهم الأم، بل يقوم بتجنيدهم من خلال نوع من الدعاية باللغة الروسية. في واقع الأمر، نشرت المنظمة الإرهابية في العام الماضي مجلة باللغة الروسية تسمى "إستوك Istok"، كما أطلقت قناة إعلامية تسمى "الفرات Furat"، وهي قناة اجتماعية أعلنت من خلالها المنظمة عزمها على الاستقرار في منطقة شمال القوقاز.
ووفقًا لما يقوله الخبراء، فإن أفضل إستراتيجية لمواجهة التهديد الذي يشكله آلاف المقاتلين القادمين من روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، هي أن تُقدم حكومات البلدان المعنية أسماء هؤلاء المسلحين الذين لعبوا دورًا رئيسيًّا في القتال -إلى الإنتربول. وفي الوقت الراهن، لا يوجد لدى الإنتربول سوى أسماء حوالي 5000 من أفراد الميليشيات الذين تلقوا تدريبًا في سوريا، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بعدد 30000 مقاتل أجانبي، الذين وصلوا إلى هناك.
ويبدو أن قائمة الأسماء تشتمل على بعض الشخصيات ممن ذاعت شهرتها في هذه المنطقة الإرهابية، مثل عمر الشيشاني Omar Shishani، وهو شيشاني من جورجيا، يعد عنصرًا مؤثرًا جدًّا لدرجة أنه قد أطلق عليه "وزير دفاع داعش". ومثل أحمد Akhmed، وهو رجل شيشاني عمره 36 عامًا، ويعد أكثر القادة الأكفاء من بين الكتائب الروسية المنتمية للمنظمة الإرهابية.
وعليه، فإن الدولة الإسلامية، كي لا تفقد قوتها، وكي تسيطر على بقية العالم، تحتاج إلى تجنيد مقاتلين أجانب foreign fighters، خاصة وأن موقفها الآن في الشرق الأوسط لم يعد مستقرًّا كما كان من قبل.
ومما سبق يلاحظ مرصد الأزهر أن الحروب والقتل والعنصرية، والإبادة العرقية والظلم، وانتشار البطالة والفقر والتهميش هي عوامل تؤدي إلى العنف وتبني الأفكار الأصولية المتطرفة التي تعادي الإنسانية والتعايش بين بني البشر.
وحدة الرصد باللغة الإيطالية