الجماعات المتطرفة

 

25 فبراير, 2018

انهيار المنظومة الإعلامية لداعش

     بعد الهزائم المتلاحقة التي تعرّض لها داعش في سوريا والعراق، ها هو الآنَ يخسر أقوى أسلحته! ألَا وهي الدعاية التي اعتمد عليها التنظيمُ في ممارساته الإجرامية، ولبَثّ وترويج أفكاره المنحرفة والشاذة، فقد اعتاد التنظيم الإرهابي على نشر مقاطع فيديو صادمة بل ومرعبة على منصاته الإعلامية لا سيّما الإلكترونية منها، إلّا أنه لوحظ مؤخّرًا انخفاض عدد هذه المقاطع على المنصات الإلكترونية المختلفة.
ففي عام 2015، كان الذراع الإعلامي لداعش ينتج محتوى ترويجيًّا ضخمًا من 38 مكتبًا إعلاميًّا مختلفًا من غرب أفريقيا وحتى شرق أفغانستان، وكان تركيزهم ينصبّ على إبراز الأماكن التي تقع تحت سيطرة التنظيم  في صورة "اليوتوبيا" أي "المدينة الفاضلة" والأرض التي  تتحقّق عليها أحلام وطموحات كلّ مَن يَفِد إليها، فأكثر من نصف مخرجاتها الإعلامية كانت موجّهةً نحو رسْم صورةٍ عن الحياة المدنية المثالية في أرض الخلافة؛ من ناحية التعليم والزراعة والرعاية الاجتماعية والصحية، فأرض الخلافة هي مكانٌ للعَيْش ولقضاء حياةٍ كريمة، وليست مجرّدَ مكانٍ للحرب ونَيْل الشهادة، وإنما دولة قوية ومتماسكة بل ومزدهرة.
ولكن بدأت الإستراتيجية الإعلامية لتنظيم داعش في تغيير مسارها، فبعد ما كانت تقوم به خلال عام 2014 و 2015م من محاولة استقطاب المجاهدين والمجنّدين الجُدُد إلى أرض الخلافة، أصبحت في عام 2016 تُرَكِّز فقط على البقاء على قَيْد الحياة. وتؤكّد البيانات أن التنظيم كان نَشِطًا للغاية على "تويتر"، وكان حريصًا على نشر وترويج  نحو 200 من  "إيفنت" (الفاعليات) في أسبوعٍ واحد، هذا بالإضافة إلى الصور والتقارير والفيديوهات والأفلام الوثائقية والنشرات والأغاني.
ولكن بحلول ديسمبر 2017 كانت أذرعها الإعلامية تُناضِل لإنتاج 25 مُنْتَجًا فقط في الأسبوع، وافتقرتْ معظم المواد  للبريق المعتاد الذي تَعَوّد أن يظهر به التنظيم.
لم يكن الانخفاض والتدهور من حيثُ الكمُّ، بل كان في جميع المجالات، فانهارت قدرات التحرير وتراجعت جهود الترجمة وإعداد التقارير، ويظهر هذا واضحًا في النشرات الإذاعية اليومية التي كانت تُذاع  باللغات العربية والفرنسية والتركية والكردية والإنجليزية والروسية والأويغورية، فأصبحت الآنَ قليلةً ومتباعدة، ويُرجِع محلّلون أسبابَ ذلك إلى ما يلي:
قتل بعض كبار الشخصيات الإعلامية؛ والافتقار العامّ إلى الموارد الماليّة؛ ممّا أثّر في الموارد المخصّصة لوسائل الإعلام؛ وفقدانٍ لبعض الأراضي والمراكز الإعلامية، وخاصّةً بعد سقوط الرَّقَّة والموصل، حيث تقع المراكز الرئيسة الإعلامية هناك، بالإضافة إلى ذلك، حتّى في ذروة نشاطها، اضْطُرّ تنظيم داعش للتعامل مع النشاط المُكَثَّف الذي قامت به إدارات "تويتر" و"فيسبوك" و"يوتيوب"، وعمليات القرصنة التي أطاحت بالعديد من المواقع الخاصّة بها، والمنصّة الإعلامية الأبرز في الوقت الحاليّ  هي تلك التي توجد في أفغانستان.

Image

لم تكن وسائل الاتّصال والتواصل بالنسبة لتنظيم داعش مجرّدَ أداةٍ بل وسيلة للحكم والتخطيط العسكري، ففي السنوات الأخيرة تَمَكّنَ التنظيم من شَنّ حربٍ نفسيّة على الأعداء، وتعزيز قاعدة مَن يدعمونه؛ من خلال ترويج صورةٍ مغلوطة عن العديد من المفاهيم الدينية، وعن حجمهم ونفوذهم الحقيقي، والذي مَثّل ما كان سببًا في استقطاب الشباب في بادئ الأمر، أصبح سببًا في انهياره، خاصّةً بعد أن أزيح الستار عن أكاذيبهم وزيف معتقداتهم، وهذا بالتالي أدّى إلى ضعف وسقوط هذه الأسطورة.

Image


الحقيقة أن تنظيم داعش اليوم ليس مثل تنظيم داعش منذ عامين ونصف، ويظهر هذا من خلال نشاطه على الشبكة العنكبوتية، فالتركيز الأكبر الآنَ على  التجنيد والتعليم والتحريض على العنف العشوائي: )اصنعْ الإرهابَ، ونَفِّذْهُ أينما كنتَ، وفي أيِّ مكانٍ، وفي أيِّ وقت) وهذه الأيديولوجية الجديدة تنشط وتنتشر بين مؤيّدي التنظيم.

وعليه، يؤكّد مرصد الأزهر الشريف لمكافحة التطرف؛ أن الإعلام يلعب الدور الأكبر في المعركة مع الإرهابيين؛ من ناحية التأثير في الجمهور وإقناعه، ومن هنا نجد أن عليه مسئوليةً كبرى في كيفية التعاطي مع ظاهرة التطرف والإرهاب، من ناحية التغطية الإعلامية للأحداث الإرهابية، فعلى الإعلام أن ينتبه ألّا يصيرَ ناقلًا لرسالة التنظيم الإرهابي من خلال بَثّ مقاطع الرعب التي تحاول بها التنظيماتُ المتطرفة جذْبَ الأتباع.
كما يرى مرصد الأزهر الشريف لمكافحة التطرف؛ أهمية وضْع إستراتيجيةٍ إعلاميةٍ واضحةِ الملامح وهادفة لمكافحة التطرف والإرهاب، من خلال تدريب العاملين بوسائل الإعلام، خاصّةً مُقَدِّمي البرامج التلفزيونية على آليّات التعامل مع القضايا المتعلقة بالإرهاب والأمن القومي بطريقةٍ مهنية، بعيدة عن الانفعالية والمبالغة والانسياق وراء الأيديولوجيا، وكذلك يؤكّد "مرصد الأزهر" أهمية الرجوع إلى مصادرَ موثوقٍ بها، قبل نشْرِ أيِّ أخبارٍ تتعلّق بالإرهاب.

وحدة الرصد باللغة الأردية