يُلقي "مرصد الأزهر" الضوء على كتابٍ جديد صدر نهاية عام 2017، وموضوعه "داعش في تركيا"، وعدد صفحاته 264 صفحة، لمؤلفه الكاتب التركي "إسماعيل سايماز"، يتناول فيه بدِقّةٍ وبشكلٍ مُفَصَّلٍ جميع الملفات الخاصة بتنظيم داعش الإرهابي في تركيا.
يُحلِّل الكاتب في هذا الكتاب العملياتِ الإرهابيةَ الدموية التي قام التنظيم بها في أماكنَ مختلفةٍ في أنحاء البلاد، بدأها في العشرين من يوليو 2015، بهجومٍ انتحاريٍّ في مدينة "سوروج" التابعة لولاية "شانلي أورفا"، راح ضحيّته 32 قتيلًا وأكثر من مائة جريح، وختَمها بعملية "الملهى الليلي" في منطقة "رينا" في مدينة استانبول، وراح ضحيّته 39 قتيلًا و69 جريحًا، وكانت ليلة رأس سنة 2017.
ويوضّح "سايماز" في كتابه؛ أن تنظيم داعش بدأ يستهدف تركيا علانية منذ مايو 2015، وأنه أطلق اسم "قسطنطينية" على مجلته الصادرة باللغة التركية، كما أطلق اسم "قسطنطين" على المعسكر الذي أنشأه في سوريا؛ من أجل تدريب أفرادٍ أتراك وأكراد قادمين إلى التنظيم من مدينة "غازي عنتاب" التركية، ولقد أَسّس هذا المعسكرَ "يونس دورما"، زعيمُ التنظيم في تركيا حتى 19 مايو 2016، والذي كان قد انتهج أسلوب تنظيم القاعدة بدايةً من عام 2006، وذهب إلى إيران وباكستان وأفغانستان من أجل تَلَقّي تدريباتٍ هناك، ثم عاد إلى تركيا عام 2009، وهو مَن قام بهجوم محطة قطارات أنقره، في العاشر من أكتوبر 2015، ولقد استطاع استقطابَ جميعِ المحيطين به بدايةً من عائلته، وبعد وفاته يُعتقد أن "محمد قادر جبال" أصبح هو المسئول عن العمليات في تركيا حتى أكتوبر 2016.
ويؤكّد "سايماز" في كتابه؛ أن الحرب التي بدأها التنظيم ضد بلاده مرّتْ بمرحلتين؛ الأولى: استهدف فيها العلويين وأصحاب الفكر اليساري والمنتسبين إلى حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، والمرحلة الثانية: استهدف فيها التنظيم الدولة التركية، وذلك بعد انضمام تركيا إلى دول التحالف الدولي ضد داعش.
ويذكر "سايمز" أيضًا؛ أن عقيدة التنظيم تَعتبر الديمقراطيةَ تُشارِك اللهَ في حكمه؛ ولذلك يعتبرونها شِرْكًا وكفرًا، وبسببها يرفضون الانتخاباتِ ويلعنونها، وقد بدءوا هجماتِهم في تركيا بعد مايو 2015، وقبل الانتخابات، وقد زرعوا القنابل في مباني حزب "حركة الشعوب الديمقراطية" الكردي، ووضعوا قنبلة في مؤتمرٍ للحزب في مدينة "ديار بكر"، وفجروا قنبلة في "سوروج"، وشنّوا هجومًا على محطة قطارات أنقره، ولعبوا على إثارة الفتنة بين العلويين والسنة، والترك والكرد، والعَلمانية والمناهضين لها؛ مستهدِفين من وراء ذلك كسْبَ مزيدٍ من التعاطف.
كما أكّد "سايماز"؛ أن التنظيم لا يكتسب ميليشيات من جماعاتٍ دينية أو عِرْقية أو اجتماعية بعَينها، وإنما الأساسُ الذي يعتمدون عليه هو الجماعات الدينية القديمة وتنظيم القاعدة، ولديهم حاضنةٌ تنظيمية تَسَعُ العديدَ من الاتجاهات؛ فمثلًا: "أورخان جوندر"، الذي وضَع القنبلة في "ديار بكر"، ينتمي إلى أسرةٍ علوية يسارية، والأخوان "محمود غازي" و "عمر غازي" اللذان تبحث عنهما تركيا والإنتربول، هم من أبناء أسرةٍ كردية في مدينة "أديامان"، وهؤلاء الأشخاص عندما انضمّوا إلى داعش بحثت عائلاتهم كثيرًا عنهم، وطرقتْ جميع الأبواب، ولم يجدوا المساعدة من أحد.
كما يتطرّق الكتاب أيضًا إلى التهديدات التي تُمثِّلها الكتلة البشرية التي استقطبها التنظيم، ودرّبها على القتال، وأثّر فيها بفكره المتطرف على الأمن والسلم المجتمعيين، وكيف استطاع التنظيم القيام بهذه العمليات الدموية رُغم التضييق على الميليشيات وتَتَبُّع خطواتهم والتنصُّت على هواتفهم؟ وكيف اجتاز الإرهابيون الحدود التركية السورية؟ وكيف جنّدوا ميليشيات؟ كما تطرّق الكتاب أيضًا إلى كيفية انتشار السلفيين في تركيا.
والكاتب "إسماعيل سايماز" من الكُتّاب المشهورين في تركيا، وله العديد من المؤلفات، وحصل على كثيرٍ من الجوائز، وهو من مواليد مدينة "ريزة" التركية عام 1980، وتَخَرّج في كلية الاتصالات، جامعة مرمرة، وعمل صحفيًّا في صحفٍ محلية في مدن: "ريزه، وقونيه، واستانبول"، وفي عام 2016 بدأ العمل في جريدة "حريت" إحدى أشهر الصحف في تركيا، واهتم في منشوراته الصحفية بموضوعاتٍ مثل: حرية التعبير وانتهاكات حقوق الإنسان، وفي عام 2014 دخل قائمة "مائة بطل إعلامي" التي وضعتها منظمة "مراسلون بلا حدود"، والتي تنتقي فيها المنظمةُ الصحفيين بناءً على شجاعتهم المثالية وعملهم الجريء ونضالهم المستمر والمساهمة في تعزيز الحرية وترسيخ أسسها، طِبْقًا لمقتضيات المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تكفل حرية "استقاء الأنباء والأفكار وتلقّيها وإذاعتها بأيّة وسيلةٍ كانت، دون تَقَيُّدٍ بالحدود الجغرافية"، كما يُكَرِّس هؤلاء "الأبطال المائة" كل طاقاتهم وجهودهم "خدمةً للصالح العامّ"؛ ممّا يجعلهم قدوةً يُحتذى بها في هذا الصدد.
ويرى "مرصد الأزهر"؛ أن هذا الكتاب مهمٌّ للغاية، إذ يتعرّض للإجابة على العديد من الأسئلة التي اختلف فيها المتخصّصون الأتراك في مجال مكافحة التطرف مثل: مَن هو زعيم "داعش" في تركيا؟ إذ يرى البعض أنه لا قيادةَ للتنظيم في تركيا، وأن الدواعش فيها تابعون للسلطة المركزية التي كانت موجودةً في مدينة "الرَّقَّة" السورية قبل تحريرها من التنظيم، ويُرجِعون السببَ في ذلك إلى أنه لا توجد ولايةٌ للتنظيم في البلاد مثل: "ولاية خراسان" في أفغانستان وباكستان، أو ولاية "الرَّقَّة" في سوريا، أو ولاية "الموصل" في العراق، وغيرها من الولايات المزعومة للتنظيم.
كما يجيب الكتاب أيضًا على سؤال كيف ينظر التنظيم إلى تركيا وحكومتها؟ ويؤكّد أن التنظيم ينظر إلى تركيا باعتبارها دارَ كُفْرٍ، وأن حكومتها مجموعة من الطواغيت الذين لا يطبّقون شرْعَ الله.
ويرى "المرصد" أيضًا؛ أن الكتاب يعتمد في تناوُله للتنظيم وشرْح إستراتيجياته على مجلّات التنظيم، الصادرة باللغة التركية.
والكتاب في مجمله يختلف اختلافًا كبيرًا عن كتاب "حرب تركيا مع داعش"، الذي أصدرته وزارة الداخلية التركية العامَ الماضيَ؛ إذ كان يركّز على الإجراءات التي اتخذتها تركيا في حربها مع التنظيم، ويتعرّض للعمليات الإرهابية التي ارتكبتها عناصرُ التنظيم، سواء في تركيا أو في غيرها من البلاد، فقد كان يركّز على الجانب العسكري والتكتيكي للتنظيم أكثرَ من الجانب الفكري والأيدولوجي، بعكس كتاب "داعش في تركيا"، الذي يركّز على الجانب الفكري للتنظيم، أكثرَ من الجانب العسكري والتكتيكي.
وحدة الرصد باللغة التركية