مصائب قوم عند قوم فوائد،،، كلمات تنمُّ عن موجة الانشقاقات التي تضرب صفوف حركة الشباب الصومالية، وتُشكِّل نذير شؤم لكيانها، وتعطي ضوءًا أخضر لمزيد من الانشقاقات في صفوفها ما قد يهدد كيانها التنظيمي، الأمر الذي يعد مكسبًا أمنيًا للحكومة الصومالية التي تسعى جاهدة وبدعم من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي "الأميصوم" لدحر مقاتلي "الشباب".
الأمر الذي يصفه مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بمنعطف في مسيرة الحركة قد يكون بادرة ضعف وتراجع لنشاطها ونفوذها؛ ويمكن إرجاع ذلك لسببين رئيسيين؛ أولهما: الحملة العسكرية الشرسة والموسَّعة التي تشنها قوات الاتحاد الإفريقي "الأميصوم" بالتعاون مع القوات الأمريكية في الصومال من أجل تعقب خلايا الحركة وتقويض نشاطها، ثانيًا: الانشقاقات المتتالية التي تصيب الحركة، كان أبرزها انشقاق عبدالقادر مؤمن أحد أبرز قادة الحركة، في أكتوبر عام 2015 ومعه ما يقرب من 200 مقاتل، معلنين بيعتهم لتنظيم داعش، الأمر الذي أدى إلى نشوب الحرب بين كلا الطرفين، يضاف إلى ذلك انشقاقات أخرى لعدد من القيادات البارزة في الحركة مثل إسماعيل حرسي والذي كان مسئولاً عن المخابرات والأمن، ومحمد سعيد والذي يعد ضمن القيادات البارزة للحركة في شرق الصومال وحسن طاهر أويس زعيم الحزب الإسلامي سابقاً، هذا فضلاً عن المئات الذين تركوا الحركة متخلين عن تلك الأفكار المتطرفة والهدَّامة التي لا تمت إلى الإسلام ولا إلى الإنسانية بصلة، وذلك بعد أن أعملوا عقولهم واكتشفوا زيف ادعاءات الحركة وضلال فكرها وابتعادها عن صميم الدين وصحيح العقيدة. وهذه رواية أحد المنشقين عن الحركة، قال فيها: "في الآونة الأخيرة بدأت الناس تكتشف أن قادة الحركة لا يهمهم إلا مصالحهم الخاصة وأنهم يقتلون الأبرياء بدون ذنب؛ والدافع وراء انشقاقي عن الحركة هو أنني لا أريد أن أساعد أو أموت من أجل حركة أو قادة لهم أطماع شخصية وأنهم يحاربون من أجل بناء امبراطورية لهم وليس من أجل الدين".
وردًا على ذلك اتبعت الحكومة الصومالية استراتيجية جديدة في مواجهة عناصر الحركة، تهدف إلى تقويض أنشطتها الإجرامية وإضعافها، من خلال الدعوات المتكررة التي يطلقها الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو لعناصر الحركة بضرورة إلقاء السلاح والتخلي عن تلك الأفكار المتطرفة والانخراط مرة أخرى ليعودوا عناصر بناء لمجتمعهم وأفراد صالحين تعتمد عليهم بلادهم في المضي قدمًا نحو التنمية وتعويض ما تكبدته من خسائر جراء إجرام هذه الحركة وإرهابها. ولقد آتت هذه الدعوات ثمارها، فقد استجاب إليها عددٌ كبيرٌ من عناصر الحركة من بينهم قادة بارزون، مثل القيادي البارز مختار روبو والمكنى بأبي منصور ومعه مجموعة من مقاتليه. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل حشد أبو منصور رجاله الذين انشقوا معه وكوَّنوا مجموعة قتالية تقاتل بجانب القوات الحكومية من أجل مواجهة الحركة، كما كشفت مصادر أمنية صومالية أن اجتماعًا سريًا حضره أبو منصور وضباط أمريكان في مطلع هذا العام وتم الاتفاق على تشكيل مليشيا محلية تتألف من 3000 عنصر تقاتل مع القوات الصومالية والأمريكية جنباً إلى جنب في وجه عناصر الحركة. كما قدّم بعض المنشقين للحكومة الصومالية معلومات وأسرار عن الحركة مثل الكيفية التي تفخخ بها الحركة العربات والمدرعات وبعض المعلومات اللوجيستية عن الحركة وقادتها.
الشباب وصراع من أجل البقاء
من ناحيتها تأبى حركة الشباب أن تستسلم وترضخ لما يحدث، فقد ألفت أبصارهم مناظر الدماء وصور الأشلاء التي تخلفها جرائمهم اللاإنسانية، وأصبحت لا تفرق بين مدني وعسكري أو صغير وكبير أو رجل وامرأة. فأول ما فعلت الحركة بثت سمومها وأطلقت سهامها على كل المنشقين عنها، فجعلت تكفرهم تارةً وتقاتلهم وتهدر دماءهم تارةً أخرى، فشرب المنشقون من نفس الكأس الذي شرب منه كل من لم ينهج النهج الدموي الذي دأبت هذه الحركة على اتباعه. وهو أمر يرى مرصد الأزهر أنه مجرد محاولة من الحركة للدفاع عن هيبتها أمام مقاتليها، وإثبات أنها على الحق، وأن من ينشق عنها خائن يستحق العقاب؛ مما يجعل فكرة الانشقاق عن الحركة غير واردة في أذهان المقاتلين خوفًا من العقاب الذي تتوعّد به الحركة المنشقين عنها.
ولم تكتف حركة الشباب بهذا القدر، بل أرادت أن تعوِّض الخسائر التي تلحق بها، وتثبت تواجدها على الأراضي الكينية، فاتبعت الحركة استراتيجية جديدة وهدفًا آخر في أجندتها المستقبلية ألا وهو التجنيد القسري للأطفال والشيوخ بديلاً عن الخسائر المستمرة في صفوفها. وفي إطار متابعته المتواصلة للوقوف على آخر المستجدات على صعيد أنشطة الجماعات المتطرّفة واستراتيجياتها في استقطاب الشّباب وتنفيذ مخططاتها الإجرامية، تابع مرصد الأزهر من خلال وحدة رصد اللغات الإفريقية الأنباء الواردة بشأن إجبار حركة الشباب للمدنيين على تسليم أطفالهم الصغار لتلقي التدريب على يد الحركة الإرهابية. كما قامت الحركة باختطاف عددٍ من المدنيين لإجبارهم على تسليم الأطفال من أجل تجنيدهم فكريًا وعسكريًا. كما أصدرت الحركة أوامرها للشيوخ والمدرسين في المدارس الدينية والأهلية في ثلاث مناطق في جنوب الصومال تخضع لسيطرة الحركة؛ حيث أمرتهم بتقديم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ست وثماني سنوات لتلقي التدريبات وخدمة عناصر الحركة؛ في دلالة واضحة على أن الحركة تريد توريث أفكارها الخبيثة لجيل بعد جيل، وتستغل الأطفال لخدمة أغراضها الإجرامية.
ومن أطفال أبرياء إلى شيوخ كهول، وفي خطوة غير مسبوقة تُظهر مدى الضعف والوهن الذي أصاب الحركة؛ قامت الحركة بإجبار كبار السن في الصومال على المشاركة في التدريبات العسكرية من أجل تجنيدهم في صفوف الحركة، جاء ذلك من خلال بعض الصور والأخبار التي نشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للحركة. تُظهر هذه الصور رجالاً مقنعين وبصحبتهم عدد من الشيوخ الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 60 والـ 80 عامًا وعددهم 40 رجلًا وهم يحملون بنادق؛ حيث أُعطي لكل واحد منهم ثلاث رصاصات لإصابة هدف ثابت على بعد 60 خطوة. ولم تقتصر الحركة على تدريبهم تدريبًا عسكريًا فقط، بل عمدت إلى بث سمومها في عقول هؤلاء الشيوخ؛ من خلال محاولات تزييف للفكر وتضليل للرؤى والإغرار بأن من سيواصل التدريبات بجد ونشاط ويحقق أعلى الدرجات ستكون لديه فرصة في أن يكون أحد عناصر الصفوف الأولى للحركة مما يعني منحه منزلة ومكانة أكبر ممن يقاتلون في الصفوف الخلفية، وأيضًا يكون أقرب للشهادة – حسب زعم الحركة - وأن مايفعلونه من قتال وتدريبات هو جهاد في سبيل الله - حسب تعبير الحركة - وأنهم بذلك يدافعون عن بلادهم وعن دينهم.
كما تتزامن هذه الخطوة مع المحاولات المستميتة التي تقوم بها الحركة من حين لآخر حتى تكسب تعاطف أبناء القبائل؛ حيث تمكنت الحركة من تأسيس تحالفات عديدة مع بعض القبائل، خاصة القبائل التي ينتمي إليها بعض القادة، مما ساعدها في تكثيف عمليات استقطاب عناصر جديدة للانضمام إليها لضمان البقاء، إلا أن بعض القبائل لم ترضخ لمطامع الحركة وأعلنت عصيانها، فاندلعت مواجهات عنيفة بينها وبين مقاتلي الحركة.
هذا هو دأب حركة الشباب التي جعلت من هوى النفس مبدأ تنتهجه، فمن وافق هواه هواها وجنح إلى تحقيق رغباتها وإنفاذ فكرها صار منها، ومن خالف فكره فكرها وسار عكس تيارها السابح في بحر من دماء الأبرياء كفّرته وحكمت عليه بالإعدام، وهو ما يثبت مدى فساد عقيدة تلك الجماعات وضلالها.
هذا ويرى مرصد الأزهر أنّ حركة الشباب تعمد دائمًا إلى تغيير استراتيجياتها سواء على صعيد الاستقطاب أو تنفيذ الهجمات، وهذا يعكس أمرين غاية في الأهمية، أولهما: أنّ جهود المكافحة آتت ثمارها ولو جزئيًا، وأنّ الهدف من التغيير في استراتيجيات تلك الجماعات يهدف إلى الهروب من القبضة الأمنية والإفلات من مرمى نيران قوات وتحالفات مكافحة الإرهاب، أما ثانيهما: فهو أنّ عدم ثبات هذه الجماعات على استراتيجية واحدة يتطلب تنويعًا في سبل المكافحة من أجل القضاء على وباء الإرهاب نهائيًا والقضاء على الخلايا السرطانية التي استشرت في المجتمعات بفكرها الخبيث وعقيدتها الفاسدة.
وحدة رصد اللغات الإفريقية