الجماعات المتطرفة

 

11 أبريل, 2018

"تَطَرُّفُ الافْتِداءِ" إستراتيجيةٌ لـــ"داعش" .. تؤتي ثِمارَها في الغَرْبِ

وحدة الرصد باللغة الفرنسية

"إذا كنت تشعر بالذنب، وتلومك نفسك، جاهد بين صفوفنا لتصبح مسلمًا، وتفوز بالجنة، فــهذا هو "تَطَرُّفُ الافْتِداءِ"...
 

Image

لا يخفى على أحدٍ أنَّ النفسَ البشريةَ أمّارَةٌ بالسّوء إلا ما رَحِمَ رَبي، ترتكبُ المعصيةَ ثُمَّ يتملكها الشعور بالذنب، فتهرول سعيًا إلى مغفرة الله بُغيةَ الوصولِ إلى الجنة، وتسلك طريق النجاة طامحة إلى رِضوانِ اللهِ وفرارًا من نيرانِ الآخرة وفوزًا بجنانِها، فالله سبحانه وتعالي يقول: "فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ " {آل عمران:185}.
وأغلب الذين يقترفون المعصية تدفعهم أنفسٌهٌم إلى الندم على ما قدَّمَت أيديهِم، واضعينَ نظرة المجتمع لهم أمام أعينِهِم، الأمر الذي يفقدهم الشعور بالحرية والإرادة، ويشعرهم دائمًا بعدم الرضا عن النفس والسخط على المجتمع، لذا فإن الشعور بالذنب مرتبط دائمًا بما تقوم به النفس البشرية من أعمال منافية للأسوياء. ومن هنا تنشط الجماعاتُ المتطرفة وعلى رأسها تنظيم "داعش" باللعب على وتَرِ الشعور بالذنب وتأنيب الضمير وتستغله في تجنيد مواليين لها، لاسيما في السجون التي تُعَدُّ حاضنةً للتطرف، وبين الأشخاص الذين لهم سجلات إجرامية. ومن هنا يرفع تنظيم "داعش" شعارَهُ : "إذا كنت تشعر بالذنب، وتلومك نفسك، جاهد بين صفوفِنا لتصبح مسلمًا، وتفوز بالجنة، هذا هو "تَطَرُّفُ الافْتِداءِ".
وتشيرُ الأحداث الإرهابية الأخيرة إلى أنَّ تنظيم "داعش" ما زال يحاولُ، عبثًا، ترويعَ الآمنين، مُسْتَغِلًا في ذلك آليتَهُ الدعائية لإقناع بعض الأشخاص بأنَّ ما يزعمون أنه "جهاد" هو كافٍ للتكفير عن ماضيهم الإجرامي. فالسجون على سبيل المثال توفر مخزونًا من الأشخاص الغاضبين المستعدين للتحول إلى الفعل المتطرف. وفي هذا الصدد يشير "بيتر نومان" مدير المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، إلى أنَّ "السجن بتهمة ارتكاب جرائم عنف، يُسَهِّل على السجين التحول إلى التطرف". ويؤكِّدُ على أنَّ "تنظيم داعش يمثل لهؤلاء الأشخاص الوحشية والقوة والسلطة التي ينشُدونها، فهم في غالب الأحيان كانوا في السابق أفراد عصابات". ويخاطب التنظيم هؤلاء الأشخاص قائلًا: "يمكنكم الاستمرار في القيام بالأعمال الإجرامية التي قمتم بها من قبل، إلا أنكم هذه المرة ستدخلون الجنة".


    شَبَحُ الإرْهابِ ما زالَ يُخَيّمُ عَلى فَرَنْسا:

كان الجميعُ في انتظارِ توقُّفِ الأنشطة الإجرامية لتنظيم "داعش" منذ فقدان الأراضي التي كان يسيطر عليها. ولكن الهجوم الأخير على الأراضي الفرنسية يؤكِّدُ حقيقةً يرفضها كثيرون وهي أن الفِكْرَ الداعشي لا يزال يجول في بعض العقول. كما أنَّ الحَدَّ الفاصل بين "داعش" و"الجماعات الإرهابية الأخرى"، هو أنَّ تنظيم "داعش" تميز بنشاط دعائي، على الرُّغْمِ من انحصار فاعليته مقارنة بالعام الماضي أو العامين الماضين، إلا أن آليته الدعائية سلطت الضوء في خطابها على "خسارة الأرض التي كان يسيطر عليها التنظيم"، وباتت تعمل على تصوير فكرة خسارة الأراضي على أنها اختبارٌ من الله وإرادة إلهية محضة، حتي تُشَيْطِنَ مسببي هذه الخسارة، وهم الغرب وبلاد فارس .. إلخ. وهذه الأيديولوجية تتوافق مع ما دعا إليه أبو محمد العدناني في عام 2014 م، أنصار التنظيم، ليصبحوا "جنودًا لله" باستخدام أي سلاح لقتل معارضيهِم في الدين.
وفيما يتعلق بالهجمات الإرهابية التي وقعت في بلدة "أود" الفرنسية، والتي قام بها "راضوان لاكديم"، يرى الخبير الشرطي، "جورج برينيه"، في لقاء له على شبكة "TF1"، أن هذه الهجمات تشير إلى واقعٍ مرعب، وهو أنَّ الهزيمة التي مُنيَ بها تنظيم "داعش" لا تعني نهاية التهديد الإرهابي؛ بل تُعَزِّز على العكس من خطر شَنِّ التنظيم هجمات إرهابية في الغرب، لاسيما في فرنسا.
بينما تقول "ميريام بنراد"، الكاتبة السياسية والمتخصصة في شؤون الجماعات المتطرفة، أنه وبعد الهزائم العسكرية التي تكبَّدَها التنظيمُ يمكننا أن نلحظَ تَوَجُّهَيْن: "الإحباط وخيبة الأمل من جهة، خاصةً لدى العائدين، أولئك الذين لم يقبلوا بضياع حلم فردوسهم المفقود الذي لطالما آمنوا به، ومن ثَمَّ تَمَّ اكتشافُ أنه مَحْضُ وعدٍ مكذوب، وخاصةً أنهم كانوا شهود عيانٍ على أعمالٍ وحشيةٍ قامت بها مجموعاتٍ تتسم بالإجرام المفرط، وهناك توجه آخر يتمثل في الحالة الانتقامية التي عادةً ما تنتشر بين القائمين بيننا من المتطرفين".
وهذا ما يؤكِّدُ أنَّ "رضوان لاكديم"، البالغ من العمر 25 عامًا، قد اعتنق "تَطَرُّفَ  الافْتِداءِ"، قبل أن ترديه قوات الأمن قتيلًا إثْرَ هجومِهِ على أحد الأسواق بمنطقة "تريبيس" التي احتجز بها المجرم الإرهابي عددًا من الرهائن. وقد أعلن تنظيمُ "داعش" مسئوليتَهُ عن الهجمات التي وقعت بـ "كاركاسون وتريبيس" وأسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاصٍ وإصابة آخرين.
وبمراجعةِ السِّجِلِّ الإجرامي لـ"رضوان لاكديم"، نجد أنه كان محلَّ متابعةٍ من قِبَلِ أجهزة الأمن والمعلومات منذ عام 2013 م، وكان قد سبق الحكم عليه مرتين، كانت أولاهما لمدة شهر مع إيقاف التنفيذ، في التاسع والعشرين من مايو لعام 2011 م، بتهمة حمل سلاح ممنوع. أما الثانية فكانت بتاريخ السادس من مارس لعام 2015 م، بتهمة تعاطي المخدرات ومقاومة السلطات، وعلى إثْرِ ذلك حُكِمَ عليه بالحبس لمدة شهر، في شهر أغسطس من عام 2016م، بمنطقة سجون "كاركاسون".
ووفقًا لدراسة أجريت على 137 إرهابيًّا أقدموا على القيام بعمليات اعتدائية في فرنسا، نجد من بين الصفات المشتركة بين هؤلاء الإرهابيين أنَّ 40 % منهم تَمَّ الحكمُ عليهم قضائيًّا، و12 % منهم تَمَّ الإبلاغُ عنهم، أما الباقي 48 % فصحيفتهم الجنائية نظيفة. كما أنَّ 74 % منهم ولدوا مسلمين، و 26% منهم "حديثو عهد بالإسلام". والأغلب الأعم من هؤلاء الإرهابيين يفتقدون إلى المعرفة الدينية بشكلٍ عام.
ويؤكد المرصد أنَّ الفَهْمَ المتعمق للدين وتعاليمه السمحة، لا يمكن بحال من الأحوال أن يُحَوِّلَ الإثْمَ أو الشعورَ بالذنبِ إلى كابوسٍ يطاردُ مَن يقترفه أو ذريعةٍ لإزهاق أرواح بريئة أو إسالة دماء معصومة أو قربان لتوبة، أو صك لمغفرة، أو قربى لإله، أو اتباع لرسول، فما بالنا بالله رب العالمين وهو مَن وصف نفسه بأنه أرحم الراحمين وهو مَن قال في قرآنه: "قلْ يَا عِبَادِيَ الذِينَ أسْرَفوا عَلى أنْفسِهِمْ لا تقنَطوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْغَفورُ الرَّحِيمُ" (الزمر : 53).  
فالدينُ الإسلامي يوجه الدعوة دومًا إلى الحفاظ على الأنفس والأعراض ويعتبر ذلك من مقومات تشريعاته وأحكامه التي تهدي أتباعه في الدنيا وتبين لهم سُبُلَ الفوزِ في الآخرة، وإذا كان البعضُ قد شذّوا عن الرَّكب فعاثوا باسْمِهِ في الأرض الفساد وهو منهم بَراء، فأقل ما يُوصفون به هو الاستغلال الدنيء والرخيص لأصحاب الأهواء وموتوري النفوس الذين يجب أن نسد على فسادهم وإفسادهم كلَّ باب.

وحدة الرصد باللغة الفرنسية