"وصلتُ لمرحلةٍ يا صديقي يستوي عندي فيها الموت والحياة؛ بل أُفَضِّلُ الموت وأكره الحياة": هذا جزءٌ من رسالة على لسان أحد المنضمين لتنظيم داعش، أوردها تقرير يضم معلومات وبيانات عن المعتقَلين في إسبانيا، في الفترة من يونيو 2013 إلى مايو 2016.
إن ضَعْف النفس وانعدام الإرادة عن مواجهة أحداث الحياة ومصاعبها قد يُهلِك الإنسان ويَحمله على الانتقام ممن حوله، ومن تصل به الأمور إلى درجة فقدان الأمل، يترك نفسه ليتحكم بها اليأس ويحركها الإحباط ويسيطران على عقله وروحه فلن يرى للحياة أدنى قيمة، ومن الشباب من لا يجد لنفسه ملجأ إلا إنهاء حياته، فيظن أن هذا هو الحل الأمثل أمامه بعد أن انقطعت به السُّبُل بعد أن استحال عليه تحقيق حلمه، أو تَعَرّض للعديد من الضغوط سواء كان بسبب مصاعب الحياة عامة أم تسبب فيه ظلمٌ من الآخرين المحيطين به.
وبعض الشباب حين يشعر بفجوةٍ بين عالمهِ الخاصّ والبيئة مِن حوله يتولّد لديه شعور باليأس قد يؤدّي به إلى إهدار حياته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ فيلجأ إلى تجربةٍ يظُنّ أنها الرابحة طالما لم يستطع أن يحقق أي مطمح في حياته، فالشعور بالضياع والخوف ورؤية الطريق مسدودًا يدفع بعض الشباب إلى القيام بعمليات انتحارية، خاصة بعد امتلاء رءوسهم بأفكار تجعلهم يَرَوْنَ الموت خلاصًا ونجاة، وأن الحياة لم يَعُدْ لها قيمة.
وليس هذا بمنهج الإسلام، فقد حذّر القرآن الكريم - في أكثرَ من موضع - من اليأس وترك الأسباب والكفر بالحياة، (ولا تيأسوا من رَوْح الله)، ونبّه الإنسانَ إلى أن الحياة مليئة بالهموم والأثقال وهي ليست دارَ مَقَرّ، (لقد خلقنا الإنسان في كَبَد)، وحرّم قتل النفس بل وإيذاءها (ولا تقتلوا أنفسكم)، وتحريم الإسلام لقتل النفس هو أمر معلوم لعموم المسلمين سواء مَن يعرفون دينهم جيدًا أو من كانت معرفتهم بالدين معرفة سطحية.
لهذا عندما يفكر مسلم في الانتحار يعيد التفكير مرارًا؛ وكثيرًا ما يَعْدِل عنه، إلا أن بعض من وهنت إرادته عن تحمُّل مصاعب الحياة يبحث عن طريقٍ آخَرَ يُلقي بنفسه من خلاله إلى التهلكة ويتوهم في نفس الوقت أنه لا يُغضِب الله، فيُلقي بنفسه بين أيدي الجماعات المتطرفة التي لا تعرف للحياة معنى ولا للإنسان قيمة؛ فهو يلجأ إليها ليتخلص من حياته؛ يرى نفسه مُعَذَّبًا في الدنيا ولا يريد أن يُعَذَّب في الآخرة، فيبحث عن طريقةٍ يُنهي بها حياته غير الانتحار الذي يورده النار.
فليس انضمام هؤلاء للجماعات الإرهابية إلا نوعًا من الانتحار غير المباشر مثله مثل المخدرات، إلا أنه بهذه الطريقة المنحرفة لا يقضي على حياة الشخص وحده بل يقضي على حياة العديد من الأبرياء ناشرًا العنف والإرهاب، بل ربما كان في ذلك أيضًا تحقيق نوع من الانتقام من المجتمع، كل ذلك فقط ليتجنب الانتحار المباشر.
وعلى الرغم من رفض الإسلام لليأس وتجريم الانتحار وقتل النفس، إلا أننا نجد مَن يربط الإسلام بالإرهاب؛ مستشهدًا بهؤلاء الذين يتخذون الإسلام وسيلة لتبرير أعمالهم الإرهابية، وما بعضُهم في الحقيقة إلا كارهين لحياتهم وللمجتمع وللحياة بشكل عامّ، ضعفت نفوسهم عن مواجهة التحديات وأوصلهم اليأس إلى الاستهانة بقيمة الحياة، وما هذا من الإسلام في شيء.
فالإسلام يدعو الناس إلى العمل لتحسين حياتهم ما استطاعوا، ومَن واجهته الصِّعاب أو حُرِم طيبَ العيش فليتذكر ما مرّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وكذلك الأنبياء جميعًا وهم صفوة الخلق؛ ليعلمَ أن الدين والفطرة الإنسانية يؤكّدان قيمة الحياة والتمسك بها ومواصلة العمل والبحث المستمر عن أبوابٍ أخرى، وأنه لا يوجد أيّ مبرر ليفقد الإنسان نعمة الحياة بيديه.
وربما ينضم بعض الشباب إلى الجماعات المتطرفة طامعين في المال أو حالمين بالبطولة، ولكن البعض ينضم إلى هذه الجماعات دون أيّ مصلحة أو مكسب يريد تحقيقه سوى التخلص من حياته، ثم يبحث لنفسه عن غطاء ديني يُجَمِّل به قتله لنفسه فيتخذ من الشعارات الدينية ما يوحي بأن الدين أمرَه بذلك، ثم يُتهم الإسلام بالإرهاب! وهذا المقال المقتضب يُسلط الضوء على مَن يُسيطر عليه اليأس ويتخبّط في ظلمات الإحباط وفقْد الأمل، ويجرّه يأسه للتخلص من الحياة فيتخذ من العنف والإرهاب طريقًا، ويُلصِق ذلك بالإسلام وهو منه بَراء.
ربما تكون بداية المعالجة في نشر الوعي بين الشباب خاصة، ومكافحة المجتمع للأسباب التي تصل بأفراده إلى اليأس والقنوط وكراهية الحياة من ناحية؛ وعلى رأسها: الشعور بالضياع والانهزام وعدم القدرة على التأثير؛ ومن ناحيةٍ أخرى: في العمل الجادّ على عدّة جوانب ليُنتج المجتمعُ أشخاصًا أسوياء يربّيهم على الإيمان والثقة بالله وتَفَهُّم طبيعة الحياة وتَحَمُّل المصاعب، فيجدون مجتمعًا يحترم قدراتهم ويشاركهم تحديات الحياة ويحترم حقوقهم، فلا يجدون حينها ما يدفعهم إلى البحث عن مجتمعٍ آخَرَ يتخلصون فيه من مشكلاتهم ومن حياتهم ويستهينون بحياة غيرهم، ويُسيئون لدينهم وإنسانيتهم فيُقتلون ويَقتلون باسم الدين وينشرون في الأرض الفساد، إن المسئولية بالطبع هي مسئوليةٌ مشترَكة بين الفرد والمجتمع، وإذا قام كل طرف بما يتعين عليه القيام به، سنَسُدّ بابًا يَلِجُ من خلاله بعض الشباب إلى الانجراف وراء أيّ فكر متطرف.
وحدة الرصد باللغة الإسبانية