الجماعات المتطرفة

 

30 أبريل, 2018

لماذا تختلف الموجة الحاليّة من العائدين من "داعش" عن سابقاتها؟

     في العقود الأخيرة، شهدت مناطق الصراع في العالم ما لا يقل عن أربع موجات منفصلة من المقاتلين الأجانب الذين جرى استقطابهم للانضمام إلى الجماعات المتطرفة للقتال خارج ديارهم، ثم عودة الكثيرين منهم إلى أوطانهم في أعقاب انتهاء الصراع أو القضاء على التنظيمات التي قاتلوا في صفوفها.
وكانت البلدان التي شهدت هذه التدفقات العالمية من المتطرفين هي: أفغانستان، والشيشان، والبوسنة، والعراق، على الترتيب، ثم سوريا والعراق مؤخرًا؛ إلا أن الموجة الحاليّة من العائدين من "داعش" تختلف عن سابقاتها؛ نظرًا لكونها أكثر تنوُّعًا واختلافًا على المستوى الديموغرافي، من حيثُ الفئاتُ العمرية ونوع الجنس لهؤلاء العائدين من مناطق النزاع في سوريا والعراق، فموجة العائدين هذه المرة تضم النساء والأطفال، فضلًا عن الرجال البالغين، علمًا بأن الموجاتِ السابقةَ من المتطرفين كانت الأغلبيةُ العظمى من أعضائها من الرجال الذين تجاوزوا سِنّ التجنيد.
تضم المجموعة الحاليّة من العائدين من "داعش" عددًا كبيرًا من الشباب والأطفال، والذين يُحتمل بدرجةٍ كبيرة أنه قد جرى تدريبهم على القتال بعد تَشَبُّعهم بعقيدة تنظيم الدولة المتطرفة، ولا ننسى هنا مقاطع الفيديو والصور التي نشرها "داعش"، وأظهرت هؤلاء الأطفال أثناء تلقّيهم التدريباتِ وارتكابهم جرائمَ قتل.
 وقد سبق وأن سلطت العديد من التقارير الإخبارية الضوء على استغلال تنظيم داعش للأطفال، ومنها التقارير التي أفادت بأن 89 صبيًّا تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عامًا لقُوا حتفهم في معارك التنظيم، خلال الفترة حتى أغسطس 2016.
 وتَمَثّلت الأسباب التي  دفعت قيادات تنظيم الدولة إلى استغلال الأطفال في محاولة ربط الجيل الحاليّ من المقاتلين بأجيالٍ ناشئة، خاصة وأن صِغَر سنهم يجعل من السهل نسبيًّا غرس أفكار التطرف في أذهانهم ثم تدريبهم على القتال؛ ليصبحوا مقاتلين من طرازٍ رفيع يستفيد منهم التنظيم في المستقبل، وتَمَثَّلَ السببُ الثاني في استغلال التنظيم للأطفال في سَدّ النقص في أعداد المقاتلين البالغين الذين لقُوا حتفهم في المعارك.
ضمّ تنظيم "داعش" أيضًا عددًا كبيرًا من النساء المقاتلات في صفوفه، حيث سبق وأفادت تقاريرُ بأن النساء يُشَكِّلْنَ ثُلُثَ أعضاء التنظيم، وأن بضعة آلاف من الأوروبيات سافرن إلى العراق وسوريا للانضمام إلى صفوف التنظيم، وذكرت دراسةٌ  صدرت في  يونيو 2016 أن ما لا يقل عن 35 ألف امرأة أنجبن أطفالًا في أراضي "داعش".
 وتنوّعت أسباب تجنيد "داعش" للنساء في صفوفه؛ بين الرغبة في استغلالهن جنسيًّا، وسدّ النقص في صفوفه والإنجاب منهن لتنشئة "أشبال الخلافة"، واستخدامهن كوسيلة لنشر الفكر المتطرف بين مزيدٍ من النساء، ثم استقطابهن.
 وتكمن خطورة العائدات من "داعش" في عدم اتخاذ الحرص اللازم في التعامل معهن؛ نظرًا لأنهن يَحظَيْنَ في الكثير من الأحيان بتعاطف المجتمع، بسبب الصورة الذهنية المرتبطة بالمرأة، التي تُرى فيها كائنًا رقيقًا لا تستقيم طبيعته والعنفَ والإرهاب؛ ولكن معظم هؤلاء النساء العائدات هنّ في واقع الأمر قنابلُ موقوتةٌ في مجتمعاتهن، بالنظر إلى أن العديد من التقارير تحدثت عن تورط العديد منهن في جرائمَ أثناء وجودهن ضمن صفوف تنظيم "داعش".
هذا التنوع في تركيبة العائدين من "تنظيم الدولة" يفرض على الدول المعنية اتخاذ إجراءات غير تقليدية تتفاعل مع هذا النوع من الاختلاف والتعددية؛ لأن الأساليب التقليدية في التعامل مع العائدين من الأطفال والنساء لن تُحَقِّقَ الأهدافَ المرجوّة، والمُمثّلة في تجريدهم من الأفكار المتطرفة ثم إعادة إدماجهم في مجتمعاتهم، وقد تؤدّي إلى حدوثِ نتائجَ عكسيّةٍ، لأن موجة العائدين هذه المرة تختلف عن سابقاتها؛ من حيثُ تنوُّعُها الديمولوجي والسيكولوجي والجغرافي.

وحدة الرصد باللغة الإنجليزية