المنظومة التعليمية هي الركيزة الأساسية في عملية بناء وتطوير المجتمعات، فالتعليم هو المحرك الرئيس في التنمية وعليه تُبنى عملية بناء الوعي المجتمعي، بعبارةٍ أخرى، يُعتبر التعليم شَرْيان الحياة بالنسبة للمجتمعات وبه تحيا.
وقد فرض الإسلام على أتباعه طلب العلم وجعل الشهادة نصيبَ مَن يموت في سبيله، ورفع شأن العلماء وجعلهم ورثة الأنبياء، وحفّز رسول الله المسلمين لطلب العلم بأيّ ثمن فقال: "مَنْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سهَّل اللَّهُ لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السَّمَواتِ ومنْ فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ، وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ".
من هذا المنطلق يحرص فضيلة الإمام الأكبر باستمرار على تطوير المنظومة التعليمة الأزهرية من خلال المراجعة المستمرة والشاملة للمناهج، والإفادة من خبرات الدول الأخرى في مجال التعليم، والاهتمام بالبيئة التعليمية بما تشتمل عليه من مبانٍ ومنشآت مجهزة بأحدث الوسائل التعليمية، لكن على الجانب الآخر تسيء الجماعات والتنظيمات الإرهابية استغلال المنظومة التعليمية فيما يخدم أهدافها التخريبية.
فلم يقتصر الأمر على إغلاق المدارس الحكومية وإرهاب الطلبة والمدرسين على السواء، وإنما تخطّاه إلى إنشاء مدارسَ قائمةٍ على تدريس مناهجَ إرهابيةٍ تهدف بالأساس إلى تزييف الوعى المجتمعي وتستبدل الانتماء للجماعة بالوطن، وتخلق جيلًا من أشرسِ الإرهابيين تقتضي مهمتهم نشر الفوضى والإرهاب باسم تطهير المجتمعات.
للأسف الشديد، فقد نجحت الجماعات الإرهابية في ضوء الضعف الحكومي والفراغ الأمني من تدمير المنظومة التعليمية في دولةٍ كأفغانستان، ودشّنت لما يمكن أن نُطلِق عليه: عملية الإرهاب التعليمي، حيث يحتدم الصراع بين تنظيمي داعش وطالبان على إغلاق المدارس الحكومية مقابل إنشاء مدارسَ مواليةٍ لتلكم الجماعات.
وقد أكد مؤخرًا بعض أعضاء مجلس محافظة "بادغيس" أن حركة طالبان منعت الفتياتِ من الذهاب إلى المدرسة الثانوية في مقاطعة "قادس"، وقال رئيس المجلس "عبد العزيز بيك": طالبان تَحرِم الفتياتِ من الذهاب إلى المدارس، في حين أن قراءة القرآن الكريم في الساعات الدراسية الأولى إلزامية في جميع مدارس قادس.
بدوره، أكد عضو مجلس محافظة بادغيس "بهاء الدين قادسي"؛ أن طالبان "أصدرت أمرًا للمعلمين بإطلاق اللحية".
في السياق ذاته، أحرقت حركة طالبان الإرهابيةُ مدرسةَ "سلطان شهاب الدين" بمقاطعة "اندار"، حيث أتت النيران على جميع مستندات ومستلزمات المدرسة، وبحسب "عارف نوري" المتحدث باسم حاكم إقليم غزني: "فقد كانت مدرسة "سلطان شهاب الدين" واحدةً من مدارس غزنة الكبرى، التي يدرس فيها 3000 طالب".
من جهته، أكد "محب الرحمن أنصار" رئيس قسم التعليم في غزني: "إغلاق العديد من المدارس في منطقة "أندور"، وحظر العديد من المدارس في بعض المناطق غير الآمنة الأخرى بالمقاطعة".
في المقابل، أكدت شرطة ولاية "غور"، وسط أفغانستان؛ أن حركة "طالبان" قد أنشأت مدرسةً دينية في الولاية بهدف استخدامها لتنفيذ هجمات إرهابية ضد القوات الحكومية، وقال "إقبال نظامي"، المتحدث باسم شرطة الولاية: "إن هذه المدرسه تمّ إنشاؤها بأمر من القيادي في الحركة، المُلّا/ أحمد شاه، بمديرية شهرك"، مشيرًا إلى أنه لم يتم الانتهاء بعدُ من أعمال بنائها، وحذّر "عبد الرحمان عطشان" نائب رئيس مجلس "غور"، من تداعيات إنشاء هذه المدرسة، وقال: إنه في حالة تدمير الحكومة لهذه المدرسة، فإن العنف والتطرف سيتصاعد في الولاية.
في السياق ذاته، أُغلقت 80 مدرسة للفتيات في مدينة "جلال آباد"، مركز ولاية "ننجرهار"، وعددٍ من الولايات شرقَ أفغانستان، بعد تهديدات تنظيم داعش للأهالى باستهداف مدارس الفتيات، وحثّ المواطنين على منْع فتياتهم من الذهاب إلى المدارس، وبحسب "حسيب شينواري" عضو مديرية التربية والتعليم بولاية ننجرهار: "المدارس المغلقة تخدم 150 ألف شخص".
وقد ناشدت وزارة التربية والتعليم الأفغانية -على لسان المتحدث باسم الوزارة، "مجيب مهرداد"- تنظيمَ داعش الإرهابي الالتزامَ بقوانين الحروب في العالم، والتي تَنُصّ على صيانة المنشآت المدنية ومنها المدارس، فلا عَلاقة للتعليم في أفغانستان بالسياسة ولا بالحرب، وفيما ذكرت الوزارة أن عدد المدارس التي تمّ إغلاقها بسبب التوترات الأمنية بلغ 500 مدرسة، أكد عددٌ من النوّاب أن العدد يناهز ألف مدرسة تقريبًا؛ ما تَرَتّب عليه حرمان 7,3 مليون طفل من التعليم، بينهم 2,2 مليون فتاة.
ووصفت "آديل خضر"، مندوبة "اليونيسيف" بأفغانستان، الوضع بـ "المقلق للغاية"، ودعت الحكومة إلى العمل على رفع مستوى محو الأمية بين الفتيات في البلاد، ومن جانبه، أشار "محمـد ميرويس بلخي"، وزير التربية والتعليم الأفغاني، إلى أن حرمان الأطفال من التعليم يُشَكِّل خطرًا على مستقبل البلاد، مشدّدًا على ضرورة الوصول إلى حلٍّ لهذه المشكلة.
فيما يناشد "مرصد الأزهر" الحكومةَ الأفغانية وجميع الهيئات والمنظمات الدولية ضرورةَ الاهتمام بالأطفال وتعليمهم وتوفير البيئة المناسبة لهم، وحمايتهم وتجنيبهم مخاطرَ الحروب والنزاعات الدائرة فى أفغانستان.
وكان "مرصد الأزهر" قد أَعَدَّ في وقتٍ سابق دراسةً وافية عن مناهج داعش التعليمية، وأكد استعانة التنظيم بمجموعة كبيرة من الخبراء والمتخصصين في وضع هذه المناهج الدراسية، التي تستهدف إنشاءَ جيلٍ مقاتل؛ من خلال الاستشهاد بعددٍ من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المقطوعة من سياقاتها، وتؤسّس لمبدأ الفِرْقة الناجية بشكلٍ غير صحيح.
وحدة رصد اللغة الفارسية