دائمًا ما يَتطلّب مبدأ هزيمة الفكرة مستوياتٍ من العمل ربما تكون أكثرَ تعقيدًا من العمل العسكري، وتَبَنّي منظور مجابهة الفكر بفكرٍ مثلِه، فبالرغم من دحر "داعش" في سوريا والعراق عسكريًّا، وتقليص نفوذه على الأرض ليصلَ إلى ما يقارب اثنين بالمائة فقط من مجموع ما كانت قد سيطرت عليه عام 2014، فإن فكره المتطرف الذي لا يُمَثِّل الإسلامَ في شيءٍ، ما زال يتربّص بشريحةٍ كبيرة من الشباب، ويبحث عن سُبُل إعادة الكَرَّة .
ويتبيّن ذلك من كَمّ الأخبار والتقاريرِ التي تَتناقلها وسائل الإعلام المختلفة في أيامنا هذه، على مُختلِف قنَواتها وانتماءاتها؛ لتورِدَ أنباءً بين ساعةٍ وأخرى عن مَصادِر تمويل التنظيم التي جَنى منها الملياراتِ على مدار الأعوام السابقة؛ من نهْب البترول، والذي يستطيع التنظيمُ الاستفادةَ منه متى شاءَ، وعن عمليّاتٍ انتحارية، ومنشوراتٍ عدوانية، تَتَوَعّدُ الغربَ بالقتل والانتقام المُتَوَحِّش، ومحاولات انضمام الخلايا النائمة لقُوى تعمل بالفعل في الواقع؛ من خلال ابتزاز الشركات المدنية كشركات إعادة الإعمار في سوريا والعراق، من أجل جَنْي مزيدٍ من المال لصالح التنظيم، أو محاولة بَثّ رُوح "الكراهية" في نفوس الناس، على نَحوِ ما نراه في بعض الدول مثل: بريطانيا.
وعلى هذا، يمكن القول: إن من أهداف التنظيم الرئيسة تَصديرُ صورةٍ بَشِعَةٍ عن الإسلام؛ فالمُدَقِّق فيما خلفته الحرب في سوريا والعراق يُدرِك بسهولةٍ منهجَ الحرب النفسية، الذي يَتعاطاه التنظيم مع المدنيين، فهو يَتعامَل معهم بوَحشيّةٍ غَيرِ طبيعية، كما أنّ الناظر في منشوراته الأخيرة يُدرِك أيضًا اتّباعَه النَّهجَ نفسَه؛ من محاولته بَثّ الرعب في قلب رجل الشارع الغربيّ، وبالطبع: ليس دافِعُه في ذلك نُصرَة قضيةٍ أو استرداد حَقٍّ مُغتَصَب.
ومن تلك الأهداف الرئيسة أيضًا: محاولةُ التنظيمِ البقاءَ في الأذهان عن طريق الإعلام المَرئيّ والمَقروء، من خلال الشبكة العنكبوتية، والتي يحاول التنظيم من خلالها رسمَ صورةٍ غَيرِ واقعيّة عن تنظيمٍ قادرٍ على شَنّ الهجمات واغتيال الأحلام، لكن في حقيقة الأمر: لم تَعُدْ تلك الصورة تَمُتّ للواقع بصِلَةٍ، بعد اجْتِثاث معظم خلاياه على أرض الواقع، بَيْدَ أن تلك الأفكارَ والسُّمومَ قد تكون مُلهِمَةً لأشخاصٍ حاصَرَهم الوهم واستعبدهم الاكتئابُ لسببٍ ما، فيُقبِلون على الانتحار، لكن بطريق البطولة، التي يوهِمُهم بها ذلك التنظيمُ المُتَوَحِّش.
ومن آخِر تلك المنشورات الدعائية الداعشية؛ ما نقله موقع Fox News الأمريكي، عن آخِر منشورات "داعش"، على شبكة المعلومات الدولية، عن نيّته استهدافَ المَعْلَمِ الفرنسي البارز، "برج إيفل"، بطائرةٍ بدون طَيّار، كما يظهر في المنشور المُعَنْوَنِ بـ: "انتظروا مفاجآتِنا المُفزِعة"، حيث تَحمل الطائرةُ مُتفجّراتٍ؛ استعدادًا لتدمير البُرج، وذلك بحسَب زَعْم التنظيم، وقام بالنشْر: جماعة "محرّر الأنصار"، المُنتسِبة للتنظيم، والتي تتّخذ من اللغة الإنجليزية وسيلةً للنشر.
ولسان حال التنظيم؛ أنه لن تنفعَكم أيّها الفرنسيون الإجراءاتُ الاحترازية التي قمتم بها مؤخّرًا بهدف حماية مُرتادي المَزار، من هجماتٍ مُحتمَلة؛ من خلال إحاطته بجدارٍ زُجاجيٍّ مُضادٍّ للرصاص، يبلغ ارتفاعه عشرة أمتار.
ومن جديدٍ، يواصل تنظيم "داعش" الإرهابيّ والجماعاتُ الإرهابية الموَالية له بَثَّ الرعب والخوف في قلوب الآمِنين، مُحاوِلًا البقاءَ في أذهان أعضائه، الذين شَتّتهم الواقعُ، وبَدّدَ آمالَهم الحقُّ، فتُصدِر إحدى الجماعات التابعة له منشورًا غريبًا آخَرَ، تُخبِر فيه بنيّتها شَنَّ هجماتٍ على الغرب الأمريكيّ، على غِرار تلك التي تَعَرّضَ لها المَلهى اللَّيليّ في ولاية "أورنالدو"، في يونيو 2016، على يَدِ الإرهابي "عمر متين"، وهو الحادث الذي أَودى بحياة 49 شخصًا، وجَرَح العشراتِ.
ويُظهِر المنشورُ إرهابيًّا مُرتَديًا زيَّه العسكريّ، ويحمل بندقيَّته والمتفجراتِ، مع عنوانٍ عريض: "قريبًا في بلادكم". جديرٌ بالذكر؛ أن الجماعاتِ الموَاليةَ للتنظيم الإرهابي لا تزال تَبُثّ سُمومَها، من خلال مَنشوراتها الدعائية بصفةٍ دَوريّة على الإنترنت، حيث تُهَدِّد فيها بشَنّ الهجمات الإرهابية على كلّ شيءٍ، بَدءًا من محلات التسوُّق، في شارع "أكسفورد"، في "لندن"، وحتى احتفالات "الهالويين"، في الولايات المتحدة.
تمّت مُشارَكةُ هذا المنشورِ، سالِفِ الذِّكر،ِ على الشبكة العنكبوتية، من قِبَل مجموعة Site Intel Group، التي تُراقِبُ الأنشطةَ الإرهابية، على الإنترنت.
من جانبه، حذّر "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف"، مِرارًا، من عدم أخذ مثل هذه التهديدات على مَحمل الجِدّيّة، مُطالِبًا الأجهزةَ الأمنيّة كافّةً، بالبقاء على أُهبَة الاستعداد؛ لمواجهة أيّ هجماتٍ مُحتمَلة من قِبَل هذا التنظيم الإرهابيّ، أو الجماعات الموَالية له، والمحافظة على أرواح الأبرياء.
وإنّ "المرصد" لَيُطالِب القوى العالمية بالضرب بيَدٍ من حديدٍ على هذه الجماعات والتنظيمات؛ حتّى يُقطعَ دابِرُها، وتذهبَ حيثُ لا عَودة.
لكنّه في الوقت ذاتِه، يؤكّد أنّ المواجهة مع هذا التنظيمِ لم تَعُدْ عسكريّةً فقط، بل هي أيضًا تشمل المواجهةَ الإعلاميّة والفكرية، والتي يَقودها "مرصدُ الأزهر"، وغَيرُه من الأصوات المُعتَدِلة، ومَراكِز مكافحة التطرف حَولَ العالَم؛ من خلال التحليل والمواجهة الفكريّة والإعلاميّة لكلّ السُّموم، التي تَبُثُّها جماعاتُ الرعب والزَّيف والضلال!
وحدة الرصد باللغة الإنجليزية