تابعنا جميعًا ببالغ الحزن والأسى الحادث الأليم الذي استهدف مسجدين بمدينة (كرايست شيرش) بنيوزيلاندا؛ مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات.
وكالعادة كان الدافع خلف هذا العمل الإرهابي الغاشم هو الكره البغيض للمهاجرين عمومًا، وللمسلمين وللدِّين الإسلاميِّ خصوصًا، إلا أن الجديد في الأمر أن الحادث قد وقع بدولة بعيدة عن بؤرة الأحداث وأماكن توقع حدوثها، فدولة نيوزيلاندا عبارة عن دولة جزرية تقع في جنوب غرب المحيط الهادئ جنوب شرق أستراليا وليس لها حدود برية مشتركة مع أي دولة، كما أن أغلب سكانها من المهاجرين الأوروبيين.
ولم تشهد نيوزيلاندا أحداثًا إرهابية في الفترة الأخيرة استهدفت كنائس أو مصالح حكومية أو مواطنين كما هو الحال في بعض البلدان الأوروبية، كما لم تطلها يد تنظيم داعش الإرهابي نظرًا لبعدها، فضلًا عن أنها لم تستقبل عددًا كبيرًا من المهاجرين الشرق أوسطيين بعد الاضطرابات الأخيرة ببعض البلدان؛ وذلك يعود أيضًا لبُعدها وعدم تيسر الوصول إليها.
فما الدافع خلف القيام بهذا العمل الوحشي بتلك الدولة النائية الهادئة؟ وما الذي يجب فعله لمنع تكراره؟
أظهرت النتئاج الأوليَّة للتحقيقات أن منفذ الاعتداء الإرهابيِّ، ويدعى "برينتون تارانت" يحمل الجنسية الأستراليَّة، وهو من أصول أوروبية، ويبلغ من العمر 28 عامًا، يحمل أفكارًا يمينيَّة متطرفة ويدعم سياسة معاداة المهاجرين.
ووفقًا لبيان نشره منفذ الاعتداء فقد أرجع القاتل أسباب ارتكابه للمذبحة، إلى "التزايد الكبير لعدد المهاجرين" معتبرًا إياهم "محتلين وغزاة".
أما فيما يخصُّ سبب اختياره لدولة نيوزيلاندا مكانًا لتنفيذ جريمته فقد ذكر أنه أراد بذلك توجيه رسالة للغزاة بأنهم "ليسوا بمأمن حتى في أبعد بقاع الأرض"، وأنه اختار هذا المسجد لكثرة مرتاديه.
مما سبق يتضح أن منفِّذ الاعتداء قد تأثَّر بعدة أشياء دفعته لتنفيذ هذا الجرم: أولها تأثره بالأفكار اليمينية المتشددة والمناوئة للإسلام والمسلمين المنتشرة بأغلب الدول الأوروبيَّة، والذي يعتبر أن استضافة بعض الدول للاجئين، اضطرتهم ظروف الحرب ببلدانهم لتركها خوفًا على أنفسهم وأطفالهم وبحثًا عن الأمن، هو نوع من أنواع الغزو، وثانيها أنه قد يكون مقدمة لتغيير البنية السكانية، كما هو الحال في بعض الدول الأوربية، حيث يدّعي اليمين المتطرف أن أوروبا تتأسلم.
وأخيرًا وليس آخرًا الصورة، التي أصبحت شبه نمطية، والتي يصورها الإعلام الغربي عن الإسلام والمسلمين، والتي كثيرًا ما تربط الإسلام بالعنف، وتصور ما تقوم به جماعات إرهابية مثل داعش بأنه تطبيق لتعاليم الإسلام.
عناصر التأثير المذكورة أعلاه قد تتسبب في أحداث مماثلة خاصة أن مجال تأثيرها غير مرتبط ببلدٍ معين، فمن يتابع وسائل الإعلام تلك، أيًّا كان موقعه قد يتخذ ما فعله "برينتون تارانت"، منفذ هجوم نيوزيلاندا، مسلكًا له.
وهو ما حدث بالفعل في لندن، حيث قام شخصان بمهاجمة شخص مسلم أمام أحد المساجد عقب هجوم نيوزيلاندا.
الوضع الراهن يتطلب من الجميع سواء كانوا سياسيين مؤثرين أو وسائل إعلام أو أحزابا سياسية أو رجال دين، أن يتحلوا بالمسئولية والموضوعية في تناولهم للأمور التي تتعلق بالآخر، والتي قد تترك تأثيرًا سلبيًا في النفوس.
فلا يحقُّ لحزب أو لسياسي أن يصف المهاجرين بالغزاة، خاصة وأن كثيرًا من بلدان الغرب بُنيت وتكونت من قبل المهاجرين، كما لا يحقُّ لرجل دين أن يصف أتباع الأديان الأخرى بالكفار، أمَّا وسائل الإعلام فواجبها أهمُّ ويتمثل في عدم شيطنة الآخر، وتناول الموضوعات بصورة حيادية، والفصل بين الجرم الشخصي وتعاليم الدين التابع له مُنفذ هذا الجرم.
مقال وحدة رصد اللغة الألمانية