في سياق متابعة مرصد الأزهر لمكافحة التطرف للإحصائيات المتعلقة بالحالة الأمنية، وخاصة في دول الساحل الإفريقي التي تعد من أكثر النقاط نشاطًا وإثارةً للجدل في ما يتعلق بالإرهاب الدولي والتنظيمات المسلحة، يقدم المرصد في هذا التقرير قراءة تحليلية لتقرير المرصد الدولي لدراسات الإرهاب([1]) عن خريطة الأنشطة الإرهابية في دول الساحل والمغرب العربي. ويشمل التقرير المذكور: المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، وموريتانيا، والسنغال، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد، ونيجيريا، والكاميرون، وساحل العاج، وغانا، وبينين، وتوجو.
وجاء أبرز ما في التقرير كما يلي:
· تزايد نشاط المتطرفين في غرب إفريقيا، خصوصًا في بوركينا فاسو والكاميرون
· اشتباك مسلح بين عناصر حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، وجماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا على الحدود مع موريتانيا في أوائل أبريل/ نيسان ٢٠٢٤م، ما أسفر عن سقوط العديد من المقاتلين من الجانبين.
· اشتباك واسع النطاق بين عناصر الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وجماعة بوكو حرام في الكاميرون، ما أدى إلى مقتل نحو ١٠٠ شخص، وإصابة العشرات من كلا الجماعتيْن.
تحليل مناطق الدراسة
في ما يلي تحليل للنشاط المسلح بمزاعم "جهادية" في كل منطقة من مناطق الدراسة في شهر أبريل ٢٠٢٤م:
الساحل الغربي
من الملاحظ زيادة مستوى العنف في منطقة الساحل الغربي مقارنةً بالتحليل السابق لشهر مارس ٢٠٢٤م؛ فقد سجل المرصد ما مجموعه ١١٠ هجمات أسفر كل منها عن مقتل شخص، أو أكثر في صفوف المدنيين، وقوات الأمن، ومليشيات الدفاع الذاتي، والتنظيمات المتطرفة.
ومرة أخرى تتصدر بوركينا فاسو نشاط الإرهاب، الذي كان في التحليلات السابقة من نصيب مالي؛ إذ استأثرت بما يقرب من نصف إجمالي عدد الهجمات المسجلة في منطقة غرب إفريقيا بأكملها. وتعد جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" مسذولة عن ٤٥ عملية تقريبًا من عمليات العنف التي ارتُكبت على الأراضي البوركينية، البالغ عددها ٤٩ عملية إجمالًا، تاركةً لتنظيم الدولة الإسلامية في الساحل (داعش) أربع عمليات فقط، لكنها أشد فتكًا؛ إذ قُتل فيها ما لا يقل عن ٣٥ شخصًا، معظمهم من المدنيين.
وقد وقع أحد أهم الهجمات على الساحة البوركينية في ٢٣ من أبريل ٢٠٢٤م، عندما اقتحم مقاتلو الجماعة الإسلامية في بوركينا فاسو موقعًا لوحدة خاصة للشرطة في بلدة يوركودغين في منطقة سانغا الواقعة في شرق وسط البلاد، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ٣٥ من أفراد الشرطة، واستيلاء المقاتلين على الأسلحة، والمركبات، والمعدات، كما بثوا العملية عبر شريط فيديو غير رسمي يُظهرون فيه الغنائم المنهوبة - حسب زعمهم. كما أظهرت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين قدراتها في نشر العبوات الناسفة، وحجم الأضرار التي حققتها؛ إذ أعلنت في منتصف أبريل ٢٠٢٤م مسئوليتها عن هجوم بين جيبو وبورزانغا باستخدام العبوات الناسفة ضد مركبة تركية الصنع (إيدير يالشين رباعية الدفع) كانت متجهة إلى الجيش البوركيني، متحدية القدرات والمعدات التركية الواردة ضمن صفقة التعاون الصناعي الدفاعي الحديثة بين بوركينا فاسو وتركيا.
وفي مالي، استخدمت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عبوة ناسفة في ٢٧ من أبريل ٢٠٢٤م ضد دورية مشاة للجيش في دائرة نيونو، ما أسفر عن مقتل ١٠ أشخاص، وإصابة أفراد من القوات المسلحة المالية. وفي اليوم نفسه، تمكنت الجماعة من تفجير آخر ضد دورية تابعة لشركة فاغنر، ما أدى إلى تدمير إحدى مركباتها، وإحداث خسائر جسيمة في الأرواح في صفوفها.
وعلى ذلك، انخفض مستوى العنف في مالي إلى النصف تقريبًا (١٩ عملية)، مقارنة بالتحليل السابق (٣٧ عملية). وعلى غرار الحالة البوركينية، احتكرت حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا جميع العمليات تقريبًا ضد أهداف متنوعة شملت المدنيين، وقوات الأمن، ومعاونيها (وصلت إلى ١٣ عملية). وإضافة إلى تلك الأهداف، فإن الحدث الذي أخل بتوازن القوى المستمر هذه المرة هو الاشتباك الذي وقع بين عناصر حركة "جيش التحرير الوطني الصومالي" مع قوات الأمن المركزي على الحدود الموريتانية، وتحديدًا في نامبالا (دائرة نيونو) في بداية شهر مايو ٢٠٢٤م، الأمر الذي يعد خطوة غير اعتيادية أسفرت عن سقوط عدد كبير من المقاتلين من الجانبين. ووفقًا لبعض التقارير، فإن هذه المحاولة من "تحالف القوى الوطنية لتحرير أزواد" للتقدم في هجومه ضد القوات العسكرية المالية -وأدى إلى دخولها الأراضي التي تسيطر عليها حاليًا حركة العدل والمساواة في مالي- كانت السبب الرئيس لهذه المعركة غير المسبوقة. وتشير مصادر أخرى إلى التوصل أخيرًا إلى اتفاق غير رسمي - سواء كان مؤقتًا أو دائمًا - ما خفف من حدة التوتر بين الجانبين.
وقد أدى استعداد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وقدرتها على مهاجمة القوات المسلحة المالية، إلى مضاعفة الاحتياج إلى رد من قوات الأمن. وتجلى ذلك في النجاح في صد بعض الهجمات متوسطة التأثير ضد قوات الأمن، كالتي وقعت في منطقتي كورو (موبتي) ودجيغو، وانتهت بمقتل ما لا يقل عن ٢٠ من عناصر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في كلا الهجوميْن. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تواصل شنّ هجمات عنيفة وقوية. وفي ١٦ من أبريل ٢٠٢٤م أعلنت الجماعة مسئوليتها عن هجوم على مجموعة فاغنر في سوفارا (موبتي)، ورغم أن هذا الموقع يعد القاعدة الرئيسة للقوات الخاصة المالية المتمركزة في المنطقة، فإن الحركة الوطنية لتحرير أزواد وحلفائها عجزت عن السيطرة الفعلية على هذه المساحات في عدد من العمليات التي نفذتها. وإضافة إلى القدرة الهجومية المتزايدة للجماعة الوطنية لتحرير أزواد فإن التنديد المستمر بالجيش وفاغنر بسبب الهجمات المزعومة ضد المدنيين في موبتي وسيغو، لا شك سيؤدي إلى تدهور خطير في أمن وحماية المجتمعات المحلية وسيصبح مصدرًا رئيسًا للسخط الشعبي.
وأخيرًا، كان أحد أهم الأحداث على الساحة المالية هو إعلان الجيش عن مقتل القائد البارز في التنظيم، أبو حذيفة، الملقب بـ"هيغو"، في بلدة إنديليمان (غاو). كان حُذيفة الذي قُتل في عملية عسكرية أحدَ أهم عناصر التنظيم نظرًا لخبرته القتالية ودوره قائدًا ميدانيًّا لإحدى وحدات ميناكا حتى مقتله على يد القوات المسلحة المالية.
وفي حالة النيجر، يتناقض ارتفاع عدد الهجمات (١١ هجومًا) مع جارتها نيجيريا (٧ هجمات) لتتفوق عليها في حجم الأعمال الإرهابية، وهو ما لم يحدث منذ أغسطس ٢٠٢٣م. وعلى صعيد الخسائر البشرية، شهدت البلاد ارتفاعًا في عدد الضحايا من المدنيين وقوات الأمن للشهر الثالث على التوالي، وخاصة على يد فرعي تنظيم الدولة الإسلامية في كل من منطقة الساحل (داعش) وغرب إفريقيا. وقد شهدت المنطقتان؛ ديفا وتيلابيري، هجمات منخفضة التأثير في الغالب، باستثناء هجوم واحد، وهو هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا على بلدة ديبلو (تيرا)، الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ١٣ مدنيًّا وإصابة مثلهم على الأقل.
بحيرة تشاد
تحسنت أرقام الهجمات الإرهابية في نيجيريا إلى حد كبير مقارنة بجيرانها الإقليميين في منطقة بحيرة تشاد، إذ بلغت المواجهة بين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا / بوكو حرام وقوات الأمن النيجيرية حدًّا جعل العمليات البرية والجوية ضد مقاتلي التنظيمين حول بحيرة تشاد وغابة سامبيسا تسفر عن انتصارات كبيرة للسلطة التنفيذية. وقد تحقق أحد هذه الانتصارات في منتصف أبريل ٢٠٢٤م، عندما أسفرت عملية للجيش عن قتل أكثر من ٣٠ من أعضاء وقادة التنظيم ونجحت في تدمير مركبات وأسلحة في بلدة كوليرام.
كما شهد هذا الشهر اشتباكات بين الجماعات المتنافسة؛ وتسبب أحد هذه الاشتباكات بالقرب من مالام فاتوري (أبادان، بورنو) في سقوط عشرات الضحايا في صفوف تنظيم داعش في غرب إفريقيا وجماعة بوكو حرام. وأعقبت هذا الاشتباكات عدة محاولات لتقويض قدرات القوى المناوئة طوال الشهر. وفي ٢٤ من أبريل ٢٠٢٤م، اشتبك عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا مع عناصر بوكو حرام في محور كوكاوا (بورنو)، وعززوا المنطقة بنشر مقاتلين من مواقع مختلفة محيطة بها لمنع خصومهم من استعادة السيطرة على المنطقة. واستمرت المعركة في منطقة كوكاوا لمدة ثلاثة أيام، ما أسفر عن سقوط ٨٥ قتيلًا. وفي اليوم الأخير، تمكنت بوكو حرام من القضاء على اثنين من قادة التنظيم والعشرات من مقاتليه، في حين تمكن التنظيم من أسر ٢٤ عنصرًا من بوكو حرام، ومصادرة مخزون كبير من الأسلحة.
وعلى النقيض من نيجيريا، تشهد الكاميرون تفاقمًا ملحوظًا في ديناميات العنف. فقد تضاعف عدد الهجمات (٢٠ هجومًا) مقارنة بالشهر السابق (١٠ هجمات)، وجميعها ذات تأثير منخفض، خصوصًا في مقاطعتي مايو سافا ولوغون إي شاري، الواقعتين أقصى الشمال. وينطبق الأمر نفسه على عدد الضحايا، إذ ارتفع من ١٦ إلى ٣٢ ضحية هذه المرة. وتُعد أرقام شهر أبريل ٢٠٢٤م الأسوأ مقارنة بباقي الأرقام على مدار عام ٢٠٢٤ بأكمله.
وإذا كان من حادث بارز بين بقية الحوادث على الساحة الكاميرونية في أبريل ٢٠٢٤م، فهو بالتحديد الاشتباك واسع النطاق بين عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا وعناصر بوكو حرام شمال داراك (لوغون إي شاري). وقد قُتل نحو ١٠٠ شخص وأصيب العشرات بجروح، ما يجعلها واحدة من أكثر الاشتباكات دموية بين الطرفين على الإطلاق.
ومن الملاحظ أن جماعة بوكو حرام تفقد قوتها؛ ففي ٦ من أبريل ٢٠٢٤م حاولت الجماعة اقتحام بلدة نغوركوما في لوجون-إيت-تشاري، لكن السكان المحليين تصدوا لها، وصادروا أسلحتها. وعلى الرغم من هذا العمل الشجاع من السكان المحليين، فإن تهديد الجماعة لأطفال القرويين دفع القرويين إلى الفرار من البلدة خوفًا من الأعمال الانتقامية. وفي النصف الثاني من أبريل ٢٠٢٤م حاول فصيل باكورا نهب الموارد في القرى الواقعة في ضواحي بلدات ماغديمي، ومورا، وكولوفاتا، وزيغي، القريبة من الحدود النيجيرية. وتحتاج المنظمة إلى إحياء قدرتها على استعادة قوتها التي فقدتها في خضم العديد من المواجهات مع خصمها الإقليمي. في هذه الأثناء، تحصد قوات الأمن الكاميرونية نجاحات ضد التنظيم، فأفرجت في ٢٥ أبريل ٢٠٢٤م عن نحو ٢٠ امرأة اختطفتهن جماعة بوكو حرام بالقرب من أمشيدي قبل هذا التاريخ بيومين.
فيما يخص المغرب العربي، لا توجد هجمات إرهابية مسجلة في هذه المنطقة.
المنظور الإقليمي
يشهد المشهد الاجتماعي والسياسي في منطقة الساحل الغربي وبحيرة تشاد إعادة تشكّل سريع للمشهد الاجتماعي والسياسي في منطقة الساحل الغربي وبحيرة تشاد. ففي أعقاب انهيار الاتفاقات العسكرية مع واشنطن في مارس الماضي ٢٠٢٤م، نظمت جماعات المجتمع المدني في النيجر احتجاجًا في ١٣ من أبريل ٢٠٢٤م في العاصمة نيامي لدعم الحكومة والمطالبة بالرحيل الفوري للعسكريين الأمريكيين الموجودين في البلاد. وضمت أيام الاحتجاج آلاف الأشخاص في العاصمة، بينما سار مئات آخرون في الأيام التالية إلى مدينة أغاديز، حيث توجد القاعدة الأمريكية، قبل وصول وفد من واشنطن في ٢٥ من أبريل ٢٠٢٤م لتنسيق الانسحاب. وتأكد أخيرًا رحيل القوات الأمريكية، وهو القرار الذي أيدته الإرادة الشعبية في دول مثل النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي، التي تبحث عن جهة قادرة على ضبط السلطة بشكل أفضل دون أن تطالب بمقابل من الإصلاحات الدستورية، أو الشفافية الديمقراطية.
وبعد النيجر، اختارت تشاد خطوة مماثلة، وهو ما أكدته رسالة من رئيس أركان القوات الجوية. وقد اضطرت الولايات المتحدة إلى سحب عدد صغير من قوات العمليات الخاصة التابعة لها في البلاد مؤقتًا. وبالنظر إلى الوضع السياسي، فلا يزال نشرهم في المستقبل غير مؤكد. كما أثارت الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في تشاد اضطرابات مدنية. فقد كان ارتفاع أسعار الوقود أو نقص الكهرباء من العوامل التي أدت إلى مفاقمة احتجاجات القطاعات العمالية المتضررة بشدة من الواقع الحالي وكذلك فئات الطلاب على حد سواء. وقد تردد صدى هذا المسار من الاحتجاجات في بلدان مجاورة أخرى، مثل غينيا. ففي منطقة كانكان الواقعة في الجزء الأوسط الشرقي من البلاد، تظاهر السكان في منطقة كانكان بسبب النقص الحاد في الإمدادات، لا سيما الكهرباء والماء.
وفي ما يتعلق بالجانب السياسي، تعيش بوركينا فاسو لحظات سيئة. ففي أبريل ٢٠٢٤م، صدر تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش يزعم مقتل ٢٢٣ مدنيًّا على يد الجيش البوركيني في مقاطعة ياتنغا الشمالية في أواخر فبراير ٢٠٢٤م، ما دفع الحكومة إلى تعليق عمل العديد من وسائل الإعلام الدولية، بما في ذلك هيئة الإذاعة البريطانية وصوت أمريكا، بسبب تغطيتها للتقرير. وسارعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى الرد ببيان مشترك في نهاية الشهر دعت فيه إلى إجراء تحقيق في هذه المزاعم، وطالبت بتفسيرات لتعليق عمل وسائل الإعلام. كما أن بوركينا فاسو لا تحافظ على علاقات وثيقة مع جيرانها. ومع استمرار غليان الحادث الذي وقع بين هذه الأخيرة وكوت ديفوار في شهر مارس ٢٠٢٤م، سافر وزير الدفاع إلى بلدة نيانغولوكو الحدودية في بوركينا فاسو في ١٩ من أبريل ٢٠٢٤م لمناقشة التوترات مع نظيره كاسوم كوليبالي.
إن إعادة تشكيل العلاقات والتحالفات هي العنصر الرئيس في صراعات القوى العديدة وإعادة التوازن الجيوسياسي لها. ففي النيجر، تأكد وصول نحو ١٠٠ مدرب عسكري روسي وموظف من وزارة الدفاع في إطار التحالف الجديد بين البلدين، وذلك لدعم النيجر بمهام تدريبية على استخدام المعدات الجديدة، بما في ذلك النظم المضادة للطائرات. وقد أُعلِن على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي عن تأسيس "فيلق إفريقيا" ليكون الاسم الجديد "لمجموعة فاغنر".
كما تبذل الصين أيضًا جهودًا قوية لتوثيق العلاقات مع دول الساحل. ففي ١٢ من أبريل ٢٠٢٤م أُعلِن عن قرض بقيمة ٤٠٠ مليون دولار من شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) سلفةً على مبيعات النفط المستقبلية، وبعد أربعة أيام، توصل وزير النفط في النيجر إلى اتفاق مع زعيم المجلس العسكري في مالي لتزويد الأخير بالغاز، مدفوعًا جزئيًّا بأزمة الطاقة والأزمة الاقتصادية التي تعانيها دولتا مالي والنيجر، حيث ستتمتع شركة البترول الوطنية الصينية المملوكة للدولة بحقوق تفضيلية في الاستغلال. وتشير كل هذه التقلبات والمنعطفات إلى رؤية جديدة للواقع الإقليمي بعيدة كل البعد عن الوضع الراهن؛ فالتغييرات في التحالفات وإعادة التشكيل السياسي تهدف فقط إلى تأمين السلطة، مهما كان الثمن.
كما أن موقف مالي واضح في هذا الشأن. وقد برهنت السلطات على ذلك في ١٠ من أبريل ٢٠٢٤م بتعليق جميع أنشطة الأحزاب السياسية والجمعيات حتى إشعار آخر، وهو أمر لا يبدو أنه سيتغير على الرغم من الاستئناف الذي تقدمت به العديد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني إلى المحكمة العليا. ولا جدوى من محاولة مقاطعة هذا المرسوم أو مقاطعة الحوار بين الماليين الذي جرى لتعزيز استعادة النظام الاجتماعي في البلاد. والواقع أن هذه المحادثات، التي بدأت مرحلتها الأولى في منتصف أبريل ٢٠٢٤م انتهت بتأييد تمديد ولاية غويتا العسكرية "لسنوات عديدة أخرى"، في ممارسة يرى البعض أنها أداة أخرى من أدوات السلطة التنفيذية الحالية للاستمرار في الحكم.
وغابت عن هذه المناقشات بالتحديد الجماعات الجهادية والانفصالية المسلحة التابعة للإطار الإستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية، الذي أصبح الآن الإطار الإستراتيجي للدفاع عن شعب أزَواد، بقيادة زعيم الحركة الوطنية لتحرير أزواد([2]) بلال آغ الشريف. وقد استبعدت الحركة الشعبية لتحرير أزواد والإطار الإستراتيجي للدفاع عن شعب أزواد والجهات السياسية الفاعلة الرئيسة الأخرى من المشاركة في الحوار، ما أدى إلى توسيع فجوة المصالحة التي كانت تسمح لهم بالجلوس والتفاوض بموجب اتفاقات الجزائر عام ٢٠١٥م.
ومما يؤكده مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن الاحداث المتسارعة في القارة السمراء والتوجهات السياسية والعسكرية للفصائل والقوى والجماعات على أرضها تنذر بسلسلة طويلة من النزاعات والنشاط الإرهابي في المستقبل القريب، وهو ما ينبغي للمجتمع الدولي أن يدركه قبل فوات الوقت، حتى لا تتحول منطقة الساحل والمناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية في القارة إلى بؤرة خارجة عن السيطرة تمامًا في ظل انصراف الأنظار إلى مناطق صراع أخرى في الوقت الراهن.
وحدة الرصد باللغة الإسبانية
([1]) أسس المرصد الدولي لدراسات الإرهاب (OIET) بناءً على رغبة تجمع ضحايا الإرهاب (COVITE) في إنشاء منظمة تشجع المشاريع البحثية التي تركز على منع التطرف العنيف ونشر المبادئ الديمقراطية.
[2] دولة أزَواد هي الدولة التي أعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد استقلالها في 6 أبريل 2012م عن جمهورية مالي، بعد أن قادت ثورة الطوارق 2012م، ولم تحظ الدولة بالاعتراف الدولي أو الإقليمي الذي يكفله حق تقرير المصير الوارد في ميثاق الأمم المتحدة.