الجماعات المتطرفة

 

30 ديسمبر, 2024

حالة الإرهاب واتجاهاته في الاتحاد الأوروبي.. نظرة شاملة وتوصيات

نشرت وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون "اليوروبول" تقريرها السنوي حول حالة الإرهاب واتجاهاته في الاتحاد الأوروبي لعام 2024م، حيث يقدم التقرير نظرة شاملة على تطور الوضع الإرهابي في أوروبا، مع تسليط الضوء على التعقيد المتزايد للتهديدات والتحديات التي تواجه قوات إنفاذ القانون.

كما يركز التقرير على ديناميات التطرف الأيديولوجي، والمشاركة المتزايدة للشباب في الأنشطة الإرهابية، واستخدام التنظيمات المتطرفة للتقنيات الناشئة، وتداعيات التطورات الجيوسياسية على الوضع الأمني في أوروبا.

المستجدات

بدأ التقرير بالحديث عن المستجدات على الصعيد العالمي، لمناقشة تأثيرها على حالة الإرهاب والتطرف العنيف. وسلط التقرير الضوء على عدد من المستجدات على الصعيد العالمي، والتي جاءت كالآتي:

1-     التطورات الجيوسياسية في الشرق الأوسط

تحدث التقرير عن الصراع الدائر في فلسطين بين الكيان الصهيوني وحركة حماس، مشيرًا إلى أن هذه الحرب وارتفاع عدد القتلى في صفوف المدنيين في غزة يمثلان أرضًا خصبة لمزيد من التطرف، وتزايد الدعوات إلى العنف، والتجنيد، وأنشطة جمع التبرعات من قبل التنظيمات الإرهابية.

2-     استهداف الشباب يثير المخاوف

في عام 2023م، شارك شباب بالغون وقاصرون في التخطيط لعدد من الهجمات، وإنتاج الدعاية الإرهابية، والتحريض على العنف، ويمثل هذا الانخراط النشط للشباب في الإرهاب والتطرف العنيف اتجاهًا عامًّا عبر مختلف الأطياف الأيديولوجية، ومصدر قلق؛ لاحتمال تزايد استغلالهم من قبل الإرهابيين.

3-     موضوعات متكررة

تمثل التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ظروفًا مواتية لانتشار السرديات الإرهابية، والمتطرفة العنيفة، ونظريات المؤامرة. ومن ثم يُساء استخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي لنشر روايات مختلفة، وتُستخدم بعض هذه الرؤى بشكل واسع لتسويغ العنف، والترويج له.

4-     التقنيات الناشئة

لا يزال الإرهابيون والمتطرفون يتسمون بالبراعة في توظيف التكنولوجيا للتواصل، وإعادة نشر المواد الدعائية، وكذلك في التدريب والتمويل، وتجنيد أتباع أو مقاتلين جدد، والتحريض على العنف، والدعوة إلى التعبئة والهجوم. وقد بدأت بعض التنظيمات بالفعل في تبني الذكاء الاصطناعي، وتوظيفه في نشر التطرف، وفي أدواتهم الدعائية. فعلى سبيل المثال، نجد بعض الجهات اليمينية المتطرفة قادرة على تسريع انتشار المعلومات المضللة وخطاب الكراهية على الإنترنت من خلال الاستخدام الفعال للذكاء الاصطناعي، بل وربما توليد مواد دعائية بشكل كامل.

تطور الإرهاب في الاتحاد الأوروبي

يؤكد التقرير الطبيعة المتباينة للإرهاب في الاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أن الهجمات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأيديولوجيات الانفصالية، والجهادية، واليسارية، واليمينية المتطرفة. وقد شكَّل الإرهاب الانفصالي أعلى عدد من الحوادث، لا سيما في جزيرة كورسيكا التي تقع في البحر المتوسط، حيث واصلت جبهة التحرير الوطني في كورسيكا تنفيذ أنشطتها. وتعكس هذه الهجمات استمرار المظالم المحلية التي تتطلب تدخلات سياسية واجتماعية، بيد أن الإرهاب الجهادي، على حد وصف التقرير، لا يزال الأشد فتكًا على الرغم من خموله في الآونة الأخيرة؛ إذ أسفرت 5 هجمات مكتملة عن مقتل 6 أشخاص، وإصابة 12 آخرين. ونفذت ذئاب منفردة هذه الهجمات في المناطق الحضرية من خلال استخدام أساليب بسيطة مثل: حوادث الطعن، وعمليات إطلاق النار.

كما يؤكد التقرير أن ارتفاع النشاط الإرهابي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأحداث الجيوسياسية العالمية مثل: الصراع الدائر بين حركة حماس والكيان الصهيوني، والذي استغلته التنظيمات المتطرفة في إذكاء أنشطة الدعاية، وجهود التجنيد.

ويشير التقرير إلى التقارب بين الأيديولوجيات، والدليل على ذلك أن المتطرفين اليمينيين زاد استخدامهم للتكتيكات الجهادية، ما يمثِّل اتجاهًا مثيرًا للقلق للتطرف الهجين الذي يجعل الأساليب الأيديولوجية التقليدية أكثر ضبابية.

مؤشر الإرهاب في الاتحاد الأوروبي خلال عام 2023م

شهد عام 2023م (120) هجومًا إرهابيًّا، من بينها (98) هجومًا مكتملًا، و(9) هجمات أخرى فشلت في التنفيذ،  وإحباط (13) هجومًا في 7 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمثل زيادة في عدد الهجمات مقارنة بالسنوات السابقة.

كما ارتكب الإرهابيون الانفصاليون أكبر عدد من الهجمات الإرهابية، حيث نفذوا (70) هجومًا مكتملًا،  يليهم عناصر يسارية وفوضوية نفذوا  (32) هجومًا، من بينها (23) هجومًا مكتملًا.

كما شهد العام ذاته تنفيذ (14) هجومًا إرهابيًّا - بحسب التقرير-، من بينها (5) هجمات مكتملة. وأحبطت الشرطة هجوميْن إرهابييْن شنّهما عناصر يمينية متطرفة. ويؤكد التقرير أن الهجمات الإرهابية كانت الأشد فتكًا؛ إذ أسفرت عن سقوط (6) ضحايا، وإصابة (12) آخرين.

الاعتقالات

ألقت قوات الشرطة القبض على (426) شخصًا في تهم إرهابية في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والبالغ عددها 22 دولة.

وتأتي التهم المرتبطة بالإرهاب على رأس الاعتقالات، حيث تم تنفيذ (334) حالة اعتقال، ما يمثل أيضًا زيادة عن حالات الاعتقال التي جرت عام 2022م.

في حين كانت هناك (26) حالة اعتقال على خلفية الإرهاب اليميني، وانخفضت الاعتقالات على خلفية الإرهاب اليساري والفوضوي بشكل طفيف، حيث بلغت (14) حالة اعتقال فقط مقارنة بعام 2022م، والذي بلغت في حالات الاعتقال (19) حالة.

أما بالنسبة للإرهاب العرقي والقومي والانفصالي فقد ارتفع عدد حالات الاعتقال إلى (25)، مقارنة بعام 2022م الذي بلغت فيه حالات الاعتقال (18) حالة.

كما انخفض عدد الاعتقالات المرتبطة بأنواع أخرى من الإرهاب إلى (18)، مقارنة بعام 2022م الذي بلغت فيه حالات الاعتقال (26) حالة. والجدير بالذكر أن هناك (9) حالات اعتقال لم يتم تحديد نوع الإرهاب فيها.

كما أسفرت الدعاوى القضائية في 14 دولة من دول الاتحاد الأوروبي عن إدانة (290) شخصًا، وبراءة (68) آخرين في قضايا جرائم إرهابية.

نظرة عامة في أنواع الإرهاب

يشير التقرير إلى أن الإرهاب الجهادي (على حد وصف التقرير) يشكل تهديدًا أمنيًّا شديدًا على دول الاتحاد الأوروبي؛ حيث شكَّل هذا النوع من الإرهاب التأثير الأشد وطأة على الضحايا. وأسفرت الأحداث التي شهدها الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن الأحداث العالمية في هذا العام، عن تفاقم التهديدات التي يواجهها الاتحاد، وخلق تربة خصبة لممارسة نشاطات الدعاية، والتطرف. وينبع التهديد الجهادي من نشاط التنظيمات الإرهابية الأجنبية، والشبكات التي تمارس أعمالها عبر الإنترنت، والجهات الفردية الفاعلة.

وفي سياق الإرهاب اليميني المتغير، تشكل الجهات الفاعلة المنفردة أو المجموعات الصغيرة، التي غالبًا ما تكون مدفوعة بأفكار تسريعية تقدمية - التهديد الأكبر على دول الاتحاد الأوروبي. ويؤدي المتطرفون والإرهابيون اليمينيون دورًا أكبر في مجال الدعاية والتجنيد، وتنظيم شن الهجمات، والتحريض على العنف. كما تنشط مجموعات متطرفة يمينية جديدة عبر الإنترنت، فضلًا عن سعيها إلى النزول إلى أرض الواقع.

كما استمرت التنظيمات الإرهابية اليسارية والفوضوية في الالتفاف حول السرديات المناهضة للدولة، والرأسمالية، والفاشية، والعنصرية، والعسكرية، والمتعلقة بالمناخ. وتواصل التنظيمات الإرهابية القومية والانفصالية نشاطها في الاتحاد الأوروبي مثل: جبهة التحرير الوطنية في جزيرة كورسو، وحزب العمال الكردستاني، والذي واصل جمع التبرعات، والتجنيد، والدعاية في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وقد أحبطت الشرطة هجومًا واحدًا تم تصنيفه على أنه شكلٌ آخر من أشكال الإرهاب.

وفي عام 2023م، ألقت قوات الشرطة القبض على (27) شخصًا في الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بأشكال أخرى، أو غير محددة من الإرهاب، بما في ذلك حركة "مواطني الرايخ"، وهي حركة متطرفة ترفض الاعتراف بالدولة الحالية في ألمانيا، وتؤمن باستمرارية الإمبراطورية الألمانية.

تطور أوضاع الإرهاب والتطرف في الاتحاد الأوروبي

تخلق التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بيئة تسمح للروايات الإرهابية، والمتطرفة العنيفة، ونظريات المؤامرة بالانتشار. وفي خِضمِّ الأزمات المتعددة التي تواجه عالمنا اليوم، والذي يتسم بحالة من الغموض والتذبذب، أصبح المزيد من الناس عرضة لاعتناق أفكار، أو روايات، أو أيديولوجيات إرهابية، أو متطرفة عنيفة لتنظيمات متطرفة، أو إرهابية؛ حيث تستغل هذه التنظيمات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتطبيقات المشفرة في نشر روايات مختلفة، غالبًا ما تقترح أهدافًا، وخصومًا مشتركين.

وقد أسفرت أحداث السابع من أكتوبر 2023م، وما تلاها من هجمات شنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة، عن زيادة حدة التوتر وارتفاع مُعدَّل معاداة السامية والإسلاموفوبيا. وقد استغلت التنظيمات الإرهابية هذه الظروف المثيرة للانقسام في تجنيد واستقطاب مزيد من العناصر، فضلًا عن نشر الدعايات، وتحفيز شن هجمات الذئاب المنفردة.

وفي عام 2023م، شارك الشباب والقُصَّر في التخطيط لشن هجمات، وإنتاج الدعاية الإرهابية، والتحريض على العنف. كما ينشط بعض الشباب الذين تجتذبهم الأيديولوجيات الإرهابية عبر الإنترنت، ويُظهر هؤلاء الشباب درجة أكبر من المرونة الإيديولوجية، والاستعداد للجوء إلى العنف. وتستهدف التنظيمات المتطرفة الفئة الهشَّة من الشباب في أغراض التجنيد. وغالبًا ما يكون منفذو هجمات الذئاب المنفردة من الشباب المندمجين في مجتمعات تروج للعنف عبر الإنترنت.

وهكذا شهد الاتحاد الأوروبي تغيرات ملحوظة في تهديدات الإرهاب خلال العقد الأخير، حيث اتخذت الهجمات الإرهابية أشكالًا متعددة، من الهجمات الفردية إلى العمليات المنظمة. وقد اعتمدت هذه التهديدات على خلفيات متنوعة؛ تشمل الدوافع الأيديولوجية، والانتماءات الدينية أو السياسية، إلى جانب صعود التنظيمات المتطرفة، واستغلال التكنولوجيا لنشر دعايتها، وتنفيذ خططها.

الوضع الحالي للإرهاب في الاتحاد الأوروبي

يتسم الوضع الحالي للإرهاب في الاتحاد الأوروبي بعدد من السمات، من بينها:

تنوع التهديدات الإرهابية: فهناك نوعان رئيسيان للتهديديات الإرهابية، هما:

·       الإرهاب الديني: ما زالت التنظيمات الإرهابية مثل: "داعش"، و"القاعدة" تمثل مصدر تهديد رئيسي، رغم تراجع قدرتها التنظيمية بفعل العمليات الأمنية المكثفة.

·       الإرهاب اليميني المتطرف: حيث شهد إرهاب اليمين المتطرف تصاعدًا ملحوظًا مدفوعًا بالأزمات السياسية والاجتماعية، وخاصة أزمتي الهجرة والبطالة.

·       الإرهاب اليساري والفوضوي: فعلى الرغم من أنه أقل انتشارًا بالمقارنة بأنواع الإرهاب الأخرى، فإن بعض الحركات المناهضة للرأسمالية والعولمة ما زالت تشكل خطرًا في بعض الدول.

أنماط الهجمات: حيث اتخذت الهجمات الإرهابية نمطيْن، هما:

·       الهجمات الفردية: والتي غالبًا ما ينفذها أفراد متطرفون ليس لهم اتصال مباشر بتنظيمات إرهابية.

·       الهجمات المنسقة: وهي عبارة عن هجمات ينفذها عناصر إرهابية بتوجيه من تنظيمات متطرفة.

استغلال التكنولوجيا: حيث تستغل التنظيمات المتطرفة التكنولوجيا في أحد أمرين:

·       التجنيد عبر الإنترنت: حيث تستغل التنظيمات الإرهابية منصات التواصل الاجتماعي لاستقطاب العناصر الجديدة.

·       الهجمات السيبرانية: من خلال القيام باختراقات للأنظمة والحسابات الخاصة بمؤسسات أو أفراد، مما يشكل تهديدًا متزايدًا على البنية التحتية الحيوية.

التحديات الأمنية:  وتتمثل التحديات في أمرين، هما:

·       صعوبة اكتشاف الأفراد الراديكاليين الذين يعملون بمفردهم.

·       إدارة تدفقات اللاجئين والمهاجرين لضمان عدم تسلل عناصر إرهابية.

اتجاهات الإرهاب في المستقبل القريب

هناك أربع اتجاهات متوقعة للإرهاب في المستقبل القريب:

تصاعد الهجمات الفردية: حيث ستفضل العناصر المتطرفة تنفيذ العمليات الفردية باستمرار؛ نظرًا لصعوبة تعقبها.

زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا: حيث ستعتمد عليها التنظيمات المتطرفة بشكل كبير في التخطيط، والتنفيذ، ونشر الدعاية.

تحول الأيديولوجيات: حيث إنه من المحتمل ظهور أيديولوجيات جديدة مدفوعة بالأزمات الاقتصادية أو تغير المناخ.

تنسيق الجهود الدولية: حيث سيزداد التعاون الأمني بين دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة مع تصاعد التهديدات عبر الحدود.

وفقًا لما عرضه التقرير وما رصده المرصد عبر وحداته المختلفة؛ فالمرصد يوصي بعدد من التوصيات لمواجهة الإرهاب:

تعزيز الاستخبارات والتكنولوجيا: وذلك من خلال:

·       تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي لرصد الأنشطة المشبوهة على الإنترنت.

·       تعزيز التعاون بين أجهزة الاستخبارات في دول الاتحاد.

الاستثمار في الوقاية: وذلك من خلال :

·       إنشاء وتفعيل مجموعة من البرامج التوعوية سواء التعليمية أو المجتمعية للوقاية من التطرف والاستقطاب الفكري.

·       مراقبة السجون وخاصة تلك التي يقطنها عناصر متطرفة للحد من نشر الأيديولوجيات المتطرفة من داخل تلك السجون.

تقوية التشريعات: وذلك من خلال:

·       تحديث القوانين المتعلقة بمكافحة الإرهاب لتشمل الجرائم السيبرانية.

·       استحداث قوانين لتنظيم استخدام الإنترنت ومنصات التواصل.

التعاون الدولي: وذلك من خلال:

·       عقد شراكات دولية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والدول غير الأعضاء، وزيادة التنسيق بينهما.

·       دعم الجهود الإقليمية والعالمية كافة لمكافحة الإرهاب والحد من انتشار التطرف الفكري.

ختامًا، يظل الإرهاب يمثل تهديدًا مستمرًّا ومتغيرًا في الاتحاد الأوروبي. ورغم ذلك، فمن الممكن أن يقلل الاتحاد الأوروبي من مخاطره، وأن يعزز الجهود الأمنية في مكافحته من خلال الجمع بين التكنولوجيا، والوقاية، والتشريعات الفعالة، والشراكات الدولية؛ حيث إن التكيف مع التحولات السريعة في طبيعة الإرهاب هو السبيل الوحيد لضمان استقرار وأمن المنطقة.

 

وحدة الرصد باللغة الإنجليزية