لطالما قدمت حكومات الكيان الصهيوني المتعاقبة "القضاء على المقاومة الفلسطينية" كون ذلك أحد أهدافها الإستراتيجية في عدوانها على غزة، لكن الواقع يكشف أن هذا العدوان لم ينجح في إنهاء المقاومة أو إضعافها فعليًّا، بل إن كل جولة تصعيد تؤدي إلى تعزيز حسّ المقاومة بين الفلسطينيين، والمقاومة هنا لا تعني حركة بعينها أو فصيلًا دون آخر، بل صارت تعبيرًا عن شعب يناضل من أجل استرداد أرضه المغتصبة، وأمة تواجه إرهابًا لم يسبق له مثيل في سبيل الدفاع عن الأرض والكرامة.
كما أن الادعاء الصهيوني بأن ضرباته تستهدف التمركزات العسكرية للمقاومة يبدو متناقضًا مع طبيعة الاستهدافات الميدانية؛ إذ يتركز القصف على البنية التحتية المدنية، من المنازل والمستشفيات، ما يكشف عن سياسة العقاب الجماعي، وتصفية القضية الفلسطينية بأكملها.
السبب الحقيقي لاستئناف الكيان الصهيوني العدوان على غزة:
يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن الكيان الصهيوني استأنف العدوان على غزة للهروب من مأزق وأزمات داخلية تعرض لها الكيان الصهيوني؛ فمع ادعاء الكيان الصهيوني استئناف العدوان لاستعادة المحتجزين والقضاء على المقاومة الفلسطينية، لا يمكن أن نتجاهل السياق السياسي الداخلي في الكيان الصهيوني، فالحكومة الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو وتحالفه اليميني المتطرف، تواجه تحديات غير مسبوقة، من أزمات اقتصادية واجتماعية إلى احتجاجات داخلية ضد سياسات الحكومة المتطرفة، إضافة إلى ملفات الفساد التي تلاحق نتنياهو نفسه.
لذا استأنف الكيان الصهيوني العدوان بوصفه أداة لصرف الانتباه عن الأزمات الداخلية، وإعادة توحيد الجبهة الداخلية خلف حكومة الكيان الصهيوني، وسحب البساط من تحت أقدام الخصوم السياسيين في الداخل، فالعدوان على غزة يمكن أن يكون وسيلة للهروب من المحاسبة، حيث يستغل الكيان الصهيوني الشعور بالخطر الأمني لتكميم أفواه المعارضة، وتقليل الضغوط السياسية عليه، حتى بات التلاسن وتبادل الاتهامات بين المستويين السياسي والعسكري، وبين الحكومة المتطرفة ورؤساء الأجهزة الأمنية من قبيل الطرح الإعلامي العلني اليومي!
عقيدة الكيان الصهيوني التوسعية: الاحتلال والعدوان سياسة ثابتة
المتأمل في دوافع الكيان الصهيوني الحقيقية من وراء العدوان الوحشي، لا يمكن بحال من الأحوال أن يفصل العدوان على غزة عن عقيدة الكيان التوسعية، التي تقوم على السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي، مع تقليل عدد السكان الفلسطينيين قدر الإمكان، تلك العقيدة التي تستند إلى مفهوم "إسرائيل الكبرى"، ومن خلالها يسعى الكيان الصهيوني إلى توسيع حدوده ورقعة أرضه على حساب الأراضي الفلسطينية والعربية، مستخدمًا وسائل متعددة، بدءًا من الاستيطان والتهجير القسري، وصولًا إلى العدوان المستمر وبث الرعب والإبادة.
وسياسة الكيان في التوسع ليست مجرد تكتيك عسكري، بل هي جزء من رؤية إستراتيجية تؤمن بها التيارات الصهيونية المتشددة، التي ترى أن وجود دولة فلسطينية مستقلة يُشكل تهديدًا للمشروع الصهيوني، ومن هنا يتعمد الكيان الصهيوني إضعاف أي كيان فلسطيني يسعى إلى تحرير أرضه، سواء عبر الحصار المستمر على غزة، أو تفتيت الضفة الغربية بالمستوطنات، أو تهويد القدس.
ازدواجية المعايير الدولية غطاء لاستمرار إرهاب الكيان الصهيوني:
لو صدقت مزاعم الكيان الصهيوني بأن عملياته تستهدف القضاء على المقاومة، لكان من الطبيعي أن يبحث الكيان الصهيوني عن حلول بديلة بعد فشل العدوان مرارًا وتكرارًا، لكن الدعم الغربي المتواصل، يمنح الكيان الضوء الأخضر للاستمرار في عدوانه وإرهابه دون خشية من عواقب حقيقية. فبينما تُفرض العقوبات على دول أخرى، يستمر الكيان الصهيوني في عدوانه دون أية محاسبة حقيقية، وهو ما يشجعه على استغلال العدوان أداةً سياسية داخلية دون قلق من ردود الفعل الدولية.
النتائج المتوقعة: هل تمتد الحرب الحالية بلا نهاية؟
في ظل هذا الواقع، من المرجح أن يستمر الكيان الصهيوني في استخدام غزة ساحةً لتصفية حساباته الداخلية، مع كل أزمة سياسية يواجهها، وهذا يعني أن العدوان ليس سوى أداة بيد الكيان الصهيوني يتم تشغيلها وتعطيلها وفقًا للمصالح السياسية الداخلية، وليس بناءً على ضرورات أمنية حقيقية.
لكن هذا النهج يحمل في طيّاته مخاطر كبيرة، فهو يفاقم الأوضاع في المنطقة ويزيد من احتمالات اندلاع مواجهات أوسع، قد تشمل أطرافًا إقليمية ودولية، ما يهدد الأمن والاستقرار العالميين.
في نهاية المطاف، يتضح أن العدوان على غزة ليس مجرد صراع عسكري ضد المقاومة، بل هو جزء من إستراتيجية أوسع تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية للكيان الصهيونى وحكومته المتطرفة، فهي حرب للهروب من الأزمات الداخلية، ولو كان الثمن هو أرواح المدنيين الأبرياء.
كما أن هذا العدوان لا ينفصل عن المشروع الصهيوني التوسعي، الذي يسعى إلى تكريس الاحتلال والهيمنة الصهيونية على حساب الفلسطينيين وشعوب المنطقة، لذا فإن استمرار هذه السياسة دون محاسبة سيجعل العدوان خيارًا دائمًا لهذا الكيان المتطرف، ما يعني أن الشعب الفلسطيني، ومعه المنطقة بأسرها، سيدفع ثمن الصراعات السياسية الداخلية للكيان الصهيوني المتطرف.
سبل مكافحة إرهاب الكيان الصهيوني ووقف العدوان:
لمواجهة إرهاب الكيان الصهيوني، ينبغي اتخاذ خطوات عملية على المستويات المختلفة، ومنها:
- تعزيز الوحدة الفلسطينية: يجب على الفصائل الفلسطينية توحيد جهودها السياسية والميدانية لمواجهة المشروع الصهيوني التوسعي بشكل أكثر فاعلية.
- ضغط دولي فعَّال: يتوجب على الدول العربية والإسلامية، إلى جانب الدول المناصرة للحقوق الفلسطينية، ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية، ومطالبة المجتمع الدولي باتخاذ مواقف أكثر صرامة.
- إعلام مؤثر في مواجهة التضليل: من الضروري تفعيل الإعلام العربي والدولي لكشف حقيقة العدوان الصهيوني، والتصدي للروايات المضللة التي يروجها الكيان وحلفاؤه.
- محاسبة الكيان الصهيوني قانونيًّا: من خلال العمل على إقامة دعاوى قضائية في المحاكم الدولية ضد جرائم الحرب التي ارتكبها الكيان الصهيوني، مع الاستفادة من تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، والتعاون من أجل إنفاذ قرارات تلك المحاكم وما يتصل بها من عقوبات على المدانين.
- تفعيل المقاطعة الاقتصادية: دعم الحملات العالمية لمقاطعة المنتجات والشركات الداعمة للاحتلال، بهدف الضغط على الكيان الصهيوني وداعميه اقتصاديًّا.
- تعزيز الدعم الإنساني لغزة: توفير المساعدات العاجلة للمتضررين من العدوان، والتنسيق مع المنظمات الدولية لإعادة الإعمار ومساعدة السكان على الصمود.
وختامًا، فإن الكيان المتغطرس لم يبلغ هذه الدرجة من الوحشية والهمجية إلا بعد فرقة أصابت الأمة فأوهنتها، وتشتيت أصاب الرأي فأذهب الحكمة والمنعة، وتبعية اقتصادية سلبت حق تقرير المصير، واستتباع سياسي لا يراعي مصلحة القضية بل مصالح أدعياء الرعاية، وهشاشة للمنظمات والهيئات الدولية أتاحت للمجرم ارتكاب جرائم دون محاسبة، وازدواجية في المعايير نتج عنها معاقبة البعض على أفعال وتجاهل العقاب أو حتى الإدانة إزاء الأفعال والممارسات ذاتها إذا ما صدرت عن البعض الآخر، وإنسانية أصيبت بالتبلّد في المشاعر، وضمائر غاب عنها الشعور بما يلاقيه المستضعفون شيوخًا ونساءً وأطفالًا من قتل بدم بارد وتشريد وتقتيل وتنكيل، لا لشيء إلا لأنهم أبوا أن يتخلوا عن أرضهم لغاصب محتل. وعليه يرى مرصد الأزهر أن حلَّ القضية يكمن في التغلب على هذه المشكلات والنقائص، فتحًا لباب التعاون وإحقاق الحقوق، فبذلك يتسنى نصرة القضية، وردع المعتدي، وإنقاذ الأبرياء.
وحدة البحوث والدراسات