في إطار جهوده الدؤوبة لمكافحة التطرف، واصل مرصد الأزهر الشريف سلسلة فعالياته ضمن مبادرة: "نحو رؤية أزهرية لمواجهة التطرف". وقد استضافت كلية الدراسات الإسلامية والعربية فرع البنات ببورسعيد الأربعاء 23 أبريل، ندوة قيمة قدمها مجموعة من باحثي المرصد، تم خلالها تناول مختلف جوانب التطرف واستعراض أبرز سبل مواجهته وتفنيد الأفكار المغلوطة التي تروج لها التنظيمات المتطرفة.
واستقبل فريق مرصد الأزهر لدى وصوله إلى الكلية كل من الأستاذ الدكتور/ محمد محمد عامر، عميد الكلية؛ والأستاذ الدكتور/ محمد موسى جباره، وكيل الكلية للدراسات العليا والبحوث؛ والأستاذ الدكتور/ محمد المتولي فاضل، وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب؛ إضافة إلى الأستاذ الدكتور/ وائل كامل، أستاذ الصحة النفسية.
مفهوم الولاء والبراء بين الفهم المتطرف والاعتدال
في هذا السياق، تناول الدكتور محمد عبد الرحمن عطية، مشرف وحدة رصد اللغة العربية، مفهوم الولاء والبراء، حيث أكد أن التنظيمات المتطرفة تولي مفهومي الولاء والبراء أهمية قصوى، بل تعتبرهما ركنًا من أركان الإيمان وأحد معاني "لا إله إلا الله". وشدد عبد الرحمن أن هذا الفهم يخالف حقيقة الأمر، حيث إن السلف الصالح والأئمة الأربعة لم يصنفوا الولاء والبراء ضمن أركان الإيمان أو الإسلام، ولا يوجد في علم التوحيد ما يعرف بـ "عقيدة الولاء والبراء".
كما أشار إلى أن قضية الولاء والبراء هي في الأساس من الأعمال القلبية الناتجة عن الإيمان الحقيقي، فالمؤمن الحق، الذي يؤمن بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقدر، يثمر إيمانه في قلبه حبًّا وموالاة ونصرة للمؤمنين بالحق، وبراءة من العقائد والأفكار المناقضة لإيمانه.
كما بين الدكتور عبد الرحمن أن للولاء والبراء مظهرين سلوكيين؛ الولاء يظهر في النصرة والتأييد، والبراء يظهر في المعاداة وعدم التأييد، مشددًا على أهمية فهم أن البغض والكراهية الناتجة عن البراء ليست مطلقة، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8].
وحذر الدكتور عبد الرحمن من أن تبني فكرة البغض والكراهية المطلقة كما تفعل التنظيمات المتطرفة، يولد طاقة سلبية ومشاعر وسلوكيات عدوانية تؤثر على المحيطين بالفرد نفسه، وتجعله في صراع دائم مع مجتمعه ومختلف المجتمعات.
خطر الأوهام وتأثيرها على الفكر المتطرف
من جانبه، تناول الأستاذ أحمد عبد العال، الباحث بوحدة رصد اللغة العربية، قضية "الوهم" وتأثيرها في حياتنا اليومية، مؤكدًا أن الأوهام تصيب الإنسان في مختلف جوانب حياته. وأشار إلى أن غالبية الناس قد تدور أمورهم في فلك الوهم الناتج عن وضع الأشياء في غير موضعها، مما يؤدي إلى تضخيم الصغير، وتصغير الكبير.
وشدد الباحث عبد العال على أن المتطرف يعيش في أوهام كثيرة، حيث يعتقد بأنه أعلى من الآخرين في الإيمان والعمل الصالح، أو أن الآخرين لا إيمان لهم، واصفًا ذلك بسوء الظن المستحوذ عليه، محذرًا من عاقبة التمادي في الوهم. وأكد أن صاحب الوهم يكذب دائمًا حتى يصدق نفسه ويدافع عنه، بل وقد يموت من أجله، مستشهدًا بقصة أبي جهل الذي كان يعلم في بداية أمره كذب ادعاءاته على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه استمر في الكذب حتى غرق في الوهم وهلك بسببه في معركة بدر.
التغييب العقلي واستغلال العاطفة الدينية في غسيل المخ
وحول التغييب العقلي والمراحل التي تتبعها التنظيمات المتطرفة في عملية غسيل المخ، أوضحت الدكتورة شيماء سيد عباس، الباحثة بوحدة رصد اللغة الفارسية، كيف تستغل هذه التنظيمات العاطفة الدينية لدى الشباب من خلال الحديث عن معاناة المسلمين وتطبيق الشريعة وإقامة الخلافة، مما يمكنها من التأثير على الشباب ذي الطابع الحماسي وتحويله إلى شخص مسلوب الإرادة والعقل يبرر العنف ويؤيده.
وأكدت الباحثة أن الفراغ الفكري وقلة الوعي الديني يجعلان الشباب غير قادر على التمييز بين الصواب والخطأ، وبين الأفكار المعتدلة والمتطرفة. وشددت على أهمية التفكير النقدي وإعمال العقل للتصدي للأفكار الغريبة، والموازنة بين الخير والشر، وإدراك صحيح الدين، مشيرة إلى أهمية تكاتف المؤسسات المختلفة في تعزيز التوعية الثقافية والدينية وتنفيذ برامج دعوية وتوعوية لتحصين عقول الشباب.
مخاطر الاستخدام السيئ للتكنولوجيا الحديثة
في ختام الندوة، ناقش الأستاذ أحمد الجعيصي، الباحث في وحدة رصد اللغة الإنجليزية، مخاطر الاستخدام السيئ للتكنولوجيا الحديثة من جانب المتطرفين، ومن بينهم أنصار اليمين المتطرف، خاصة تطبيقات الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد.
وأوضح الباحث أن مخاطر الذكاء الاصطناعي تتضمن تهديدات مادية في صورة مركبات مسيرة يمكن تزويدها بخاصية التعرف على الوجوه، إضافة إلى استغلال منصات التواصل الاجتماعي في نشر المعلومات المضللة وتشويه الآخر، مشيرًا إلى الانتشار غير المسبوق للجرائم الإلكترونية المرتبطة بهذه التطبيقات، مثل: تزييف المحتوى والاحتيال المالي وبرامج القرصنة واختراق الحسابات. كما تطرق إلى خطورة استخدامات الذكاء الاصطناعي في تخليق الحمض النووي والأسلحة البيولوجية وإنتاج الفيروسات أخطر، وكذلك محاولات الحصول على أسلحة نووية وكيماوية عبر الهجمات الإلكترونية.
وفيما يتعلق بالطباعة ثلاثية الأبعاد، حذر الباحث من إمكانية استخدامها في تصنيع الأسلحة في المنازل بسهولة، حيث يمكن لأي شخص يمتلك طابعة ثلاثية الأبعاد تنزيل تصميمات أسلحة بلاستيكية وتصنيعها دون رقابة. وأشار إلى أن هذا الأمر بدأ منذ عام 2013 وتطور ليشمل إنتاج أسلحة نصف آلية وبنادق ومسدسات وذخائر.
وأكد الأستاذ أحمد الجعيصي على ضرورة زيادة الوعي المجتمعي وسن تشريعات تتناسب مع التطورات التكنولوجية الحالية، وإشراك جميع الأطراف المعنية للحد من الأمية الرقمية والمعلوماتية، ومواجهة إستراتيجيات التضليل التي تتبناها الجماعات المتطرفة لاستغلال التكنولوجيا في تحقيق أهدافها.
مبادرة: "نحو رؤية أزهرية لمجابهة التطرف"
تجدر الإشارة إلى أن مبادرة: "نحو رؤية أزهرية لمجابهة التطرف" هي ثمرة تعاون مثمر بين مرصد الأزهر لمكافحة التطرف وجامعة الأزهر الشريف. وتهدف هذه المبادرة إلى الوصول إلى شباب الجامعات في مختلف محافظات جمهورية مصر العربية، انطلاقًا من إيمان المرصد الراسخ بأهمية التواصل المباشر مع هذه الفئة العمرية وتحصينهم من الأفكار المتطرفة والمغلوطة التي باتت أكثر انتشارًا وتأثيرًا في ظل التوسع الهائل لمنصات التواصل الاجتماعي والتحول الرقمي المتسارع الذي يشهده عالمنا اليوم.