دراسات وتقارير

 

06 يوليه, 2024

سلسلة قراءة في كتاب.. الحلقة الأولى: كتاب: هل تعرضت لغسيل الدماغ؟!

اسم الكتاب: هل تعرضت لغسيل الدماغ؟ نقد نظرية التطور (Have you Been Brain Washed?)

المؤلف: الأمريكي دوان تي كيش (Dr. Duane T. Qish) - المترجم: أورخان محمد علي

مما يظهر من عنوان الكتاب أنه محاولة لنقد نظرية التطور النافية لوجود إله مدبّر للكون مصرّف لشؤونه وهو محل الخلاف، أما التطور من حيث هو في حقيقته من تغير الكائنات الحية وانتقالها من حال إلى حال بفعل الزمن فلا خلاف فيه.

نبذة عن المؤلف:

البروفيسور الدكتور دوان تي كيش أستاذ بجامعة كاليفورنيا، متخصص في الكيمياء الحيوية، وهو مساعد رئيس معهد "The Institute for Creation Research" بالولايات المتحدة الأمريكية الذي يعمل فيه ما يزيد عن ٤٥٠ عالمًا في مختلف فروع المعرفة، وله بحوث عديدة في الكيمياء الحيوية والكيمياء الطبية لأكثر من ١٨ عامًا في جامعة كورنل، وهو باحث ومؤلف معروف ومحاضر في بحوث الخلق والتطور. ومن مؤلفاته المهمة: "الأحفوريات تنقض نظرية التطور" (Evolution? The Fossils Say No!).

محتوى الكتاب:

يقول المؤلف: يكاد ينعقد الإجماع بين علماء الحفريات على أن الأنواع الجديدة لم تكن تظهر نتيجة لتراكم التغيرات الصغيرة على مدار فترات طويلة جدًّا من الزمن كما قال دارون، ولكنها كانت تظهر فجأة، ثم تستمر في الوجود دون أن تطرأ عليها أية تغيرات.

وقد كشف السجل الحفري عن وجود كائنات عضوية تنتمي إلى أنواع مستقرة ومتكاملة التكوين ومتمايزة، ويمكن تحديد رتبتها بكل دقة، ولكنه لا يضم حفريات تشير إلى وجود أنواع هامشية أو وسيطة تمثل مرحلة الانتقال من نوع متكامل معين إلى النوع الذي تطور منه ونشأ عنه.

فمثلًا: يذكر التطوريون أن الأسماك احتاجت إلى خمسين مليون سنة لكي تتطور إلى البرمائيات، بينما لا نجد أي شكل من الأشكال الانتقالية من الأسماك إلى البرمائيات. ولا نجد أية متحجرة تملك جزءًا من الزعانف وجزءًا من الأقدام... وتنطبق هذه الحقيقة على جميع الأنواع الرئيسة للنبات والحيوان. فكل الفئات والأصناف الراقية من الأحياء كاللافقريات المتطورة، والأسماك، والبرمائيات، والبرمائيات الطائرة، والزواحف، والطيور، والخفافيش، والثدييات، والإنسان... كل هذه الفئات والأنواع ظهرت فجأة.

يقول البروفيسور الأمريكي جون إن مور في بحثه المعنون: "دراسة في الكروموزومات والطفرات والتطور" (On Chromosomes Mutations And Phylogeny):

لقد توصلنا من تدقيق المتحجرات إلى النتائج التالية: (١) لا نجد أية أحفوريات متحجرة (بمعنى: الأحياء القديمة) تعود إلى حياة سابقة لحياة اللافقاريات. (٢) أن الأنواع الرئيسة تظهر فجأة. (٣) خلافًا لما تدعيه نظرية التطور، لا نجد أية أحفورية تعود إلى الحلقات الوسطى المزعومة... كما أن السجل التاريخي يهدم نظرية التطور بدلًا من أن يقويها ويسندها... [ثم يقول]: وأخيرًا، فقد تم التوصل إلى نتيجة ثبوت الأنواع، وأن التفكير الحيادي المستند إلى البحوث التي أجريت في خلال المائة سنة الماضية يقودنا إلى هذه الحقيقة، أي إلى حقيقة ثبات الأنواع.

البعد الأخلاقي لنظرية التطور:

يصور أصحاب نظرية التطور الحياة على أنها صراع دائم بين الأحياء، ويقيمون أهم ركن في نظريتهم وهو "الانتخاب الطبيعي" على هذه النظرية الضيقة، بينما لو ألقينا نظرة متفحصة شاملة للحياة فسنرى سمة التعاون فيها أشمل وأكثر وأوضح، فلولا التعاون بين النباتات والحيوانات لما استمرت الحياة؛ إذ تنتج النباتات الأكسجين الضروري للحيوانات التي تنتج بدورها ثاني أكسيد الكربون الضروري للنباتات، فيما تلقح الحشراتُ أزهارَ النباتات، وتوفر النباتات الرحيق اللازم للحشرات. نعم؛ يوجد صراع بين الأحياء ولكننا إن دققنا النظر سنتأكد أن معظمه في صالح المجموع ومن أجل إبقاء التوازن بين الأحياء.

شهادات زعماء رواد نظرية التطور :

ثم أورد المؤلف شهادات لزعماء نظرية التطور تثبت خلق الكائنات لا تطورها:

يقول المؤلف: "اعترف تشارلز دارون أنه حسب نظرية التطور، لا بد من وجود أعداد كبيرة جدًّا من الأشكال الانتقالية (Transitional Forms)، فلمَ لا نجد آثارها في طبقات الأرض؟!" وقال البروفيسور إي جيه إتش كورنر من جامعة كمبريدج: "ما زلت أعتقد اعتقادًا محايدًا أن سجل المتحجرات للنبات هو في صالح فكرة الخلق الخاص". ولا يوجد أي دليل -ولو في نوع واحد فقط- يثبت أن نوعًا من الأحياء تبدل وتحول إلى نوع آخر.

وفي هذا يقول البروفيسور جولد شميت من جامعة كاليفورنيا: "من المستحسن أن نتذكر جيدًا أنه ما من أحد نجح البتة في أن يقدم لنا نوعًا تحول من نوع آخر نتيجة لتراكمات التغيرات الطفيفة".

يقول المؤلف: إن غلاف مجلة "العلم" (Science) بتاريخ ٩ من ديسمبر ١٩٦٦م يرينا صورة متحجرة لخفاش قيل إن عمرها يتجاوز ٥٠ مليون سنة، وقد ذكر أنها أقدم متحجرة لخفاش. ومع ذلك فهي تبدو مثل الخفاش الحالي تمامًا ودون أي فرق... إذًا لماذا لا نرى أية علامة أو بينة على أي تطور أو تغير بعد ٥٠ مليون سنة؟!

يقول المؤلف: "وقد أورد دارون الزرافة بوصفها مثالًا واضحًا على نظرية الانتخاب الطبيعي، فقد افترض أن قحطًا شاملًا تسبب في تعذر الحصول على الأوراق الخضراء إلا من قمم الأشجار، لذا فإن الزرافات من ذوات الأعناق القصيرة ماتت وانقرضت بينما عاشت الزرافات ذوات الأعناق الطويلة. ومع ذلك فلم يثبت في أي سجل من سجلات المتحجرات أن زرافة ذات عنق قصير قد وجدت أصلًا، أو أنها عاشت في هذه الأرض على الإطلاق.

وبخصوص تطور الإنسان يذكر المؤلف:

أعلنت مجلة "ريدرز دايجست" (Reader's Digest) في تقرير لها عام ١٩٧٣م التوصل لاكتشافين مهمين في إفريقيا، وقد أحدث هذان الاكتشافان هزة كبيرة في عالم الأنثروبولوجيا لأنهما تحديا صحة كثير من النظريات عن أصل الإنسان بعد أن كانت تلك النظريات عزيزة مقدسة لمدة طويلة. تمثل الاكتشافان في ما يلي:

الاكتشاف الأول: اكتشاف هيكل عظمي لإنسان عاش قبل ٢.٨ مليون سنة حسب تقدير التطوريين، بينما تقرر معظم الكتب المدرسية أن الإنسان لم يبدأ بالتطور إلا قبل مليون سنة فقط، في حين كانت العظام المكتشفة لإنسان يماثل الإنسان المعاصر تمامًا.

أما الاكتشاف الثاني: فقد كان اكتشاف هياكل عظمية لإنسان... عاش قبل ١٠٠ ألف سنة؛ إذ تبين أنه استطاع تطوير التنقيب في المناجم والتعدين، وتوصل إلى التدوين والحسابات وإلى تطوير آلات وعدد معقدة، بينما كان من المفترض بالنسبة للتطويريين ألا يظهر مثل هذا الإنسان المتطور المتقدم على مسرح الحياة إلا بعد ٦٥ ألف سنة من التاريخ أعلاه.

وفي هذا يقول المؤلف: "وقد استمعت شخصيًّا إلى ريتشارد ليكي صاحب الاكتشاف الأول في محاضرة ألقاها في سان دييجو معلقًا على هذين الاكتشافين، إذ قال: ""إن ما اكتشفناه أزاح وبكل بساطة كل ما علموه ولقنوه لنا عن نظرية تطور الإنسان"."

دقة العالم وعظمة النظام الكوني:

يقول دوان تي كيش (عند تدقيق حجم الأرض نكتشف أن حجمها وكتلتها هما الحجم والكتلة المناسبتان تمامًا دون زيادة أو نقصان. فلو كان قطر الأرض ٧٢٠٠ كم بدلًا من ٨٠٠٠ كم لتحولت إلى قفار تكسوها الثلوج بسبب عدم كفاية غلافها الجوي، ولو وُجِدَ تغيير ولو بنسبة ١٠٪ سواء في زيادة حجم الأرض أو نقصانه لما وُجِد أي احتمال لأية حياة على هذه الأرض. ولو ارتفع معدل درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين أو ثلاث درجات لغرقت عدة مدن نتيجة لذوبان جبال الثلج.

إن محور الأرض الذي يشير إلى النجم الشمالي يميل الميل الصحيح تمامًا؛ فهو يميل بالزاوية الغربية ٢٣ درجة عن المحور العمودي، وبسبب هذا الميل يظهر لنا أن الشمس تذهب شمالًا في الصيف وجنوبًا في الشتاء معطية لنا أربعة فصول في المناطق المعتدلة، وللسبب نفسه تضاعفت مساحة الأرض التي تصلح للزراعة وللسكنى بمقدار ضعف المساحة التي كانت ستتوفر لو كانت الشمس عمودية على خط الاستواء على الدوام؛ فلو حدث ذلك لما وُجِدَت فصول مختلفة، وتأملوا للحظة مصيرَ الأرض لو كان ميل محورها غير هذا الميل الحالي.

نحن نعيش على سطح هذا الكوكب بمعجزة؛ إذ تقوم طبقة رقيقة من الأوزون الموجود في غلافنا الجوي بحمايتنا من ثمانية أنواع من إشعاعات الشمس. ولو أن هذا الحزام الضيق انجرف وضاع في الفضاء لكان مصير جميع أشكال الحياة على هذه الأرض الهلاك والزوال. لا أحد يستطيع ذلك سوى القدرة اللانهائية للخالق. إنني أعتقد وأؤمن إيمانًا جازمًا أن الطبيعة نفسها والخلق نفسه يوحيان -بل يثبتان- وجود الخالق، ونحن نعلم أن لكل تصميم مصمم، وأن لكل قانون مشرعًا؛ لذا فإن القول بأن الله خلق الأشياء كلها في البداية لا يزال حتى الآن أصح ما يقال حول أصل الكون وحول أصل كل ما يحتويه.

تعقيب المرصد:

يعد كتاب: "في نظرية التطور: هل تعرضت لغسيل الدماغ؟!" شهادة غربية علمية دقيقة على بطلان نظرية التطور، ونقدها نقدًا علميًّا من عالم متخصص في علم الأحياء؛ إذ يثبت أن علم الأحياء القديمة يؤكد أن الكائنات خلقت خلقًا بتكوينها الجيني وتركيبها الحيوي، ولم تتطور في أية مرحلة من الزمن، ويبرهن على ثبوت ذلك اكتشاف الهياكل العظمية المحفوظة منذ ملايين السنين كما هي، وكذلك اكتشاف الهياكل البشرية التي أثرت في الحياة أثرًا متقدمًا يدل على علم الإنسان الأول، وفهمه وعقله وإدراكه عمليات البحث والتنقيب والحساب، وغير ذلك مما يخالف صراحة ما يذكره أصحاب نظرية التطور، كما يثبت المؤلف –من خلال هذا الكتاب- أنه لم توجد أية حفريات في مراحل التطور إطلاقًا مما يؤكد أن القول بالتطور ظني -بل خيالي- يناقض العلم الصحيح. وقد تبين من خلال آراء العلماء وشهادات المحققين في علوم المتحجرات بطلان نظرية التطور، كما أثبت من خلال دقة النظام الكوني وعظمته وجود خالق قدير مدبر لهذا الكون، إضافة إلى بطلان نظرية البعد الأخلاقي الذي ينادي به أصحاب نظرية التطور وهو اعتبار أن الحياة صراع بين المخلوقات، بخلاف الواقع العلمي للانسجام بين العوالم وملاحظة تكاملها وتعاونها وتوازنها.

وهذا ما يؤكده الإسلام من أن الإنسان وجميع الكائنات خلق الله تعالى الذي يقول: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: ٢٩)؛ ويقول تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأعراف: ٥٤). ولو أنا أطعنا أمر الله تعالى في التفكر في الخلق لأرحنا أنفسنا بما هو يقيني جاء من عند الله عما هو ظني قال به دارون وغيره، قال تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (العنكبوت: ٢٠). وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾ (المؤمنون: ١٧).

فالكون مخلوق ولكل مخلوق خالق وهو الله تعالى وقد خلق الخلق لحكمة وخلق الإنسان لعبادته وجعل الكون متناغمًا كل في فلك يسبحون، ولكل مخلوق من المخلوقات وظيفة ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ (سورة الأنعام: ٣٨).

وختامًا، فهذا توجيه علمي مفيد جدًّا من الدكتور دوين تي كيش يحذر فيه من غسل الدماغ بأساليب لا يثبتها العلم ولا تقر بصحتها البحوث العلمية، ونحن في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إذ نقدم هذا الطرح نؤكد أن تفنيد الفكر المتطرف والآراء المشوهة مهم على الرغم من صعوبته؛ لكنه يظل مهمة حيوية في سبيل حماية المجتمعات من الانحرافات الفكرية التي غالبًا ما تكون أساسًا لتخريج أجيال من المتطرفين، والمقصود بالمتطرفين هنا كل من ابتعد عن الصواب والاعتدال وتبني آراءً متطرفة يمينًا أو يسارًا، تشددًا أو انحلالًا، عسى الوعي والفهم الصحيح أن يجد مكانه ويقود العالم -وخاصة الشباب- نحو السلام والتعايش والاستقرار والتنمية.

وحدة البحوث والدراسات