دراسات وتقارير

 

30 نوفمبر, 2024

قراءة في النشاط الإرهابي بمنطقة جنوب شرق آسيا خلال الربع الثالث من عام 2024م

 

استمر الوضع خلال الربع الثالث لعام 2024م على نفس ديناميكية الستة الأشهر السابقة من العام، حيث استسلمت التنظيمات الإرهابية الموجودة في منطقة جنوب شرق آسيا الواحدة تلو الأخرى، وذلك بفضل جهود قوات مكافحة الإرهاب للدول التي تشكل هذه المنطقة.

وبتحليل الوضع في هذه الدول كل على حدة، يتضح أن الهدوء الذي كانت تنعم به سنغافورة في الأشهر السابقة قد تعكر صفوه لحظيًّا عندما تم تقييد حركة مراهق وامرأة قانونيًّا؛ بسبب الخطر الاجتماعي الذي يشكله تطرفهما.

بينما قامت قوات الأمن في الجارة ماليزيا بتقديم رجلين للمحاكمة بتهمة حيازة مواد دعائية لتنظيم داعش الإرهابي، وهي جريمة يمكن أن يعاقبا عليها بالسجن لمدة قد تصل لسبع سنوات.

أما فيما يتعلق بتايلاند نجد أن الاتفاقيات التي توصل إليها ممثلون للحكومة، والمتمردون في بداية هذا العام في محافظات جنوب البلاد لم تؤت ثمارها بعد، مما أدى إلى استبدال الوسيط بين الطرفين في أوائل شهر يوليو 2024. ومع ذلك فإن عملية تعيين ممثل جديد للحكومة الماليزية في عملية السلام لم تؤد إلى تغيير جوهري. فبعد ذلك بعدة أيام اقتحمت مجموعة من المتمردين أربع قواعد عسكرية لقوات الدفاع المدني للاستيلاء على أسلحة وعتاد عسكري.

ولم تُفد عملية تغيير الوسيط هذه في إيقاف سلسلة الاعتداءات التي تمت في الشهور السابقة، فلقد تم تسجيل عدد 21 اعتداء قام بهم المتمردون بين شهري يوليو وسبتمبر لعام 2024م، أدت إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ستة وأربعين شخصًا من المدنيين ورجال الشرطة والجيش.

ولقد جاء الرد من جانب القوات المسلحة وأجهزة الأمن حازمًا بالمثل؛ حيث إنه في أوائل شهر يوليو 2024م استطاعت الشرطة توقيف اثنين من المنفذين للاعتداء الذي تم باستخدام سيارة مفخخة على مبنى كان يقيم فيه رجال شرطة مع عائلاتهم، كما استطاعت قتل 4 متمردين خلال العديد من المواجهات على مدى شهر أغسطس 2024م.    

وبالنسبة لإندونيسيا فلقد اقتربت من التوصل لعملية السلام التي طالما تم انتظارها بفضل المجهود الكبير الذي تبذله جماعات مكافحة الإرهاب المختلفة العاملة في الأقاليم سواء خلال الربع الثالث لعام 2024م أو خلال السنوات السابقة. وبفضل هذا المجهود أعلن قادة منظمة الجماعة الإسلامية المسلحة في بداية شهر يوليو 2024م حلَّ هذه المنظمة الإرهابية، وذهب المئات من أفرادها، ومَثَلُوا أمام السلطات الإندونيسية، وسلموا أسلحتهم، وحلفوا قسم الولاء للدولة الإندونيسية.

وفوق ذلك قامت "المفرزة الخاصة لمكافحة الإرهاب 88" باعتقال عضوين من جماعة "أنشاروت دولة"([1]) بتهمة حيازة أسلحة، والقيام بالدعاية لهذه الجماعة الإرهابية، كما اعتقلت 17 شخصًا آخرين، بتهمة حيازة متفجرات، وإطلاق التهديدات عبر شبكات التواصل الاجتماعي ضد بابا الفاتيكان؛ بسبب زيارته لإندونيسيا، أو بتهمة حيازة مواد تعليمية خاصة بتنظيم داعش الإرهابي.

أما فيما يتعلق بالفلبين نستطيع القول أن العمل المضني الذي قامت به قوات الشرطة والجيش في الفترة الأخيرة جعل التنظيمات الإرهابية الفاعلة في جنوب البلاد على حافة الانهيار. ولذلك نجد أن نشاط هذه التنظيمات الإرهابية خلال الربع الثالث من عام 2024م كان طفيفًا. فلقد تلقت جماعة "ماؤوتي"([2]) ضربات موجعة، ولذلك لم تستطع تنفيذ أي اعتداء بين شهري يوليو وسبتمبر 2024م. وإضافة لذلك، فإن صفوف هذه الجماعة قد تم تقليصها أكثر وأكثر بعدما قام اثنان من مقاتليها بتسليم أنفسهما للسلطات الفلبينية.

كما نجد أن الوضع الخاص بجماعة أبو سيَّاف وجماعة حسن ((Hassan Group الإرهابيتين كان مماثلًا؛ حيث إنه إضافة لكونهما لم يكن لديهما القدرة على بث الرعب بأفعالهما، فإن التنظيم الأول قد تعرض لاعتقال اثنين من مقاتليه بينما المجموعة الأخرى من داعش قد تعرضت لاعتقال اثنين من مقاتليها علاوة على تسليم 3 من مقاتليها أنفسهم للسلطات الفلبينية.

وأخيرًا، ومثلما حدث في الأشهر السابقة، نجد أن الجبهة الإرهابية "مناضلو بانغسامورو" قد استطاعت تكبيد القوات المسلحة الفلبينية الخسائر بعدما قتلت جنديًّا فلبينيًّا وأصابت آخر في كمين قامت بتنفيذه في شهر يوليو 2024م. لكن هذا الهجوم لا يعوض النزيف الذي تعرضت له الجبهة بين صفوفها؛ حيث اختار تسعون من مقاتليها، خلال هذا الربع الثالث لعام 2024م، تسليم أنفسهم للسلطات الفلبينية، من بينهم مقاتلون قدامى بالتنظيم، والعديد ممن يقومون بصنع المتفجرات.

وختامًا، يثمن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف الدور الكبير الذي قامت به دول جنوب شرق آسيا للتصدي للتنظيمات الإرهابية ومكافحتها بكل السبل الممكنة، لكن في الوقت نفسه يناشد هذه الدول باليقظة للقضاء على التنظيمات الإرهابية بشكل نهائي؛ لأنها تتحيَّن الفرصة وتستغل الأحداث الجارية في العالم من تنظيمات إرهابية مماثلة، أو تنظيمات تنتمي لها كي تعود أكثر شراسة.

     وحدة البحوث والدراسات

المصادر:

 

 

([1]) جماعة "أنشاروت دولة" هي مجموعة إندونيسية تم الإبلاغ عن ارتباطها بتفجيرات سور ابايا 2018م، وتفجيرات كاتدرائية جولو 2019م. في 31 يوليو 2018م أصدرت محكمة بجنوب جاكرتا قرارًا يحظر المنظمة، مما يسمح بالقبض على جميع أعضائها والمنظمين.

([2]) جماعة "ماؤوتي": تعرف أيضًا باسم "دولة لاناو الإسلامية"، هي جماعة مسلحة تتألف من "جبهة تحرير مورو"  السابقة وبعض المقاتلين الأجانب، بقيادة "عبد الله ماؤوتي" مؤسس الجماعة، أو الدولة الإسلامية المتمركزة في لاناو ديل سور في مينداناو جنوب الفلبين.