تأتي القضايا المتعلقة بالأمن في الوقت الحالي على رأس أولويات الحكومات الوطنية والمؤسسات والمنظمات الدولية. ويُعد نقل هذه القضايا بموضوعية للمجتمعات مهمة صعبة وفيها تحدٍّ كبير، سواء بالنسبة لوسائل الإعلام، أو بالنسبة للأكاديميين المتخصصين. فبالنسبة لوسائل الإعلام تُعد هذه المهمة معقدة؛ إذ إنهم من الممكن أن يقوموا بتصرفات حسنة النية تشوه خطورة التهديد، وبالنسبة للأكاديميين المتخصصين؛ لأنهم من الممكن أن يلجأوا إلى استخدام لغة لا يفهمها جزء كبير من الرأي العام.
إن الثلاثة الأعمال التي نقوم بقراءتها وعرضها لا تقع في أي من هذه المخاطر، لكن على العكس من ذلك ينطلق مؤلفو الكتب الثلاث من معرفة متميزة بموضوع دراستهم وبحثهم، وهذا ما يؤكده الجزء الضخم الخاص بالمصادر والمراجع والتي ينقلونها للقارئ بكل دقة. وإضافة لذلك فإن هذا الجانب لا يتعارض مع دقة تحليلاتهم، ولا مع النتائج التي يستخلصونها منها.
وتقوم هذه القراءة على ثلاثة كتب؛ هي: كتاب "سنوات الرعب. من القاعدة لتنظيم الدولة " للكاتب الأمريكي لورانس رايت، الصادر عن دار نشر "ديباتى" عام 2017م، ويحتوي على 477 صفحة، وكتاب "تاريخ الإرهاب الجهادي: من القاعدة لداعش" للكاتب الإسباني خوان أبيليس، الصادر عن دار نشر "سينتيسيس" عام 2017م، ويقع في 248 صفحة، وكتاب "الجهاد في روسيا. من إمارة القوقاز لتنظيم الدولة" للكاتب الإسباني أدريان تارين سانث، الصادر عن دار نشر "إكاريا" عام 2017م، ويقع في 159 صفحة.
ورغم أن الأعمال الثلاثة تنصب على تتبع ظاهرة الإرهاب، لكن ثمَّة بعض الاختلافات بين الأعمال الثلاثة، فمن جانب، يغلب على كتاب "سنوات الرعب. من القاعدة لتنظيم الدولة " أسلوب صحافي بشكل أكبر، فعلى سبيل المثال في المقابلات التي تمت مع مختلف الشخصيات التي يعرضها الكتاب، بدءًا برجال الأمن، وأجهزته بالولايات المتحدة الأمريكية، وانتهاءً بممثلين عن المجتمع المدني بالدول الإسلامية التي أقام بها، ووثق هذه اللقاءات.
ومن جانب آخر نلاحظ في أعمال تارين وأبيليس وجود التاريخ والجيوسياسة والعلم السياسي بشكل أكبر، فضلًا عن وجود تسلسل زمني يحكم المحتوى. ويقربنا أبيليس بفضل هذه المنهجية من أصول الإرهاب، وجدلية العدو البعيد (الغرب، روسيا) مقابل العدو القريب (الدول الإسلامية)، ونظريات عن أبرز الشخصيات التي أسهمت في نمو تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين – في رأيه-؛ مثل سيد قطب الذي كان يرى أن المجتمعات الإسلامية قد سلمت السلطة التشريعية للأشخاص بينما هذه السلطة يختص بها الله تعالى وحده؛ ومحمد عبد السلام فرج، المناصر لمحاربة العدو القريب قبل البعيد.
وقد أشارت الكتب الثلاثة، وخاصة كتابي رايت وأبيليس إلى سوابق الإرهاب الذي قام به منتسبون للدين الإسلامي، للتأكيد فيما يبدو على أن الإرهاب لم يبدأ فقط يوم الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001م. لكن على العكس من ذلك، حيث ذكر المؤلفون أدلة واضحة على عمليات الإرهاب الدموية على طول تسعينيات القرن العشرين، كما كشفوا عن الاعتداءات التي تم ارتكابها ضد المصالح الأمريكية في كينيا وتنزانيا. وقام المؤلفون الثلاثة انطلاقًا من هذه الملاحظة بتركيز محتوى أعمالهم على المنظمتين الإرهابيتين اللتين أظهرتا دموية أكبر خلال العقود الأخيرة؛ وهما تنظيما القاعدة وداعش، إضافة لتحليل الأيدلوجية والمبادئ الخاصة بهما، علاوة على تحليل العلاقات الموجودة بين التنظيمين من حيث أوجه التشابه في الأيدولوجية والأسلوب، وكذا الصراع المحتدم بينهما؛ بهدف السيطرة وتحقيق أكبر مكاسب لكل طرف على حساب الآخر.
ويشغل أيضًا ما يجذب الآخرين للإرهاب والتنظيمات الإرهابية مكانًا بارزًا في الأعمال الثلاثة؛ فإظهار ضعف العدو البعيد أو القريب، يعد وسيلةً فعالةً لاستقطاب أعضاء جدد من جانب التنظيمات الإرهابية. ولقد أثبت تنظيما داعش والقاعدة هذا التأكيد. وفي هذا الصدد يشير لورانس رايت إلى أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، سمحت لأسامة بن لادن بنشر إشاعة أطلق عليها وقتئذٍ: "هشاشة الولايات المتحدة الأمريكية"، وهي إستراتيجية تنتهجها التنظيمات الإرهابية لإضعاف ثقة الشباب في الحكومات والتعظيم من نفسها؛ ومن ثم انجذاب الشباب للانضمام إلى صفوف تلك التنظيمات. ولقد أشار رايت إلى أمر وثيق الصلة بهذه الفكرة، وهو تفشي تنظيمات إرهابية في الغرب أكدت كونها جزءًا من تنظيم القاعدة. وهذه الظاهرة لم تتغير في الوقت الراهن في أوروبا مع الاعتداءات التي قام بها ما يطلق عليهم "الذئاب المنفردة"، والذين ينفذونها باسم تنظيم داعش.
ويؤكد هذا الحدث إحدى النظريات التي عرضها الدكتور أبيليس في حديثه عن عمليات "الذئاب المنفردة" بأنها: "عبارة عن هجمات سهلة التنظيم يقوم بتنفيذها محليون تحت راية وشعار التنظيم، الأمر الذي يمثل تهديدًا كبيرًا ومقلقًا جدًّا نظرًا لصعوبة التعرف على المعتدين المحتملين الذين من الممكن أن يكونوا بعيدين عن الأنظار حتى وقت تنفيذ الجريمة" (أبيليس، ص. 202).
ويشير الكتاب إلى أنه منذ انتشار تنظيم داعش وتمدده بدءًا من عام 2014م، بدأنا نرى زيادة كبيرة في معدل العمليات الإرهابية. وبالنسبة لتنظيم القاعدة، فإن تنظيم داعش أحدث بعض التطورات التي ضاعفت من فتك عملياته الإرهابية، موضحًا في هذا السياق التمويل من خلال عمليات الاختطاف، أو البترول، أو المركزية التنظيمية، وهذه هي الخصائص التي يعرضها خوان أبيليس في كتابه. أما الكاتب الأمريكي لورانس رايت فقد كان له رأي مختلف؛ حيث عدّ تنظيم داعش "دولة في طور التكوين" بحسب تعبيره، وهو ما نراه في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف مبالغة منه في وصف مجموعة إرهابية ظهرت وانتشرت بفعل فاعل، ثم خبت نيرانها من جديد.
هذا وقد اتفق الكُتَّاب الثلاثة على أن هذه التنظيمات الإرهابية لديها القدرة على الاستمرار، رغم تعرضها للتراجع بفضل جهود المكافحة، فبالنسبة لخوان أبيليس يرى أن ضياع أراضي الخلافة لا يعني بالضرورة اختفاء تنظيم داعش "لأنه من الممكن أن يحافظ على نفسه كتنظيم إرهابي فقط" (أبيليس، ص. 189). وبالفعل فإن الماضي القريب يقدم لنا أدلة واضحة تدعو لعدم توقع القضاء بشكل نهائي على الإرهاب، مثلما حدث لتنظيم القاعدة بعد القضاء على أحد قادته الرئيسيين وهو أسامة بن لادن، وهو موضوع تعمق فيه لورانس رايت. ويضيف أيضًا أن الإرهاب لديه القدرة على التكيف مع أوضاع معقدة تهدد وجوده (كفقد الحاضنة الشعبية أو تلقي ضربات موجعة من أجهزة الأمن)، ورغم ذلك فإن التنظيمات الإرهابية دائمًا ما تتحين الفرص وتختلق الأسباب والمبررات الواهية لاستئناف أنشطتها الإجرامية.
وختامًا، تعد هذه الأعمال الثلاثة محاولة لتتبع وتحليل ظاهرة الإرهاب بكل دقة وتقديم معالجة لتلك الظاهرة، حيث عرض رايت وتارين وأبيليس خصائص التنظيمات الإرهابية المنتسبة للدين الإسلامي مبينين الاختلافات والتشابهات والتداخلات فيما بينها. إن تنظيمي داعش والقاعدة ما زالا موجودين ونشطين في الوقت الحالي، ولذلك فإن أي تأكيد يفترض هزيمتهما بشكل نهائي يُعد افتراضًا غير واقعي، وهذه فكرة رئيسية نجدها في الكتب الثلاثة.
ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن مؤلفي الكتب الثلاثة قد أصابوا في تحليلاتهم ورؤيتهم بأن الإرهاب وإن كان في حالة ضعف الآن إلا أنه من الممكن أن يعود إلى قوته وسابق عهده، وذلك إذا لم تنتبه الحكومات والشعوب لمخاطره وإذا لم تقم الأجهزة المختلفة بتوعية الجميع بهذه المخاطر، وعلى الرغم من أنهم أصابوا في تتبع التنظيمات الإرهابية، فإنهم أغفلوا جانبًا في غاية الأهمية وهو التمويل ومن أين يأتي التمويل لهذه التنظيمات والذي يعد المحرك الرئيسي لها.