موقف الصين من قضية الروهينجا
"رؤية في الصحافة الصينية"
- مقدمة
مع التغافل العالمي لقضية مسلمي الروهينجا، وما يُعَرَّضوا له من تشريد ومجازر وصفتها منظمة العفو الدولية بالتطهير العرقي، ومع دور الأزهر الشريف المستمر في دعمه لهذه القضية وللقضايا الإنسانية في كل مكان، حرصت "وحدة اللغة الصينية" بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف على تقديم دور دولة الصين والتي تُعد من أكبر الدول المؤثرة في القضية؛ حيث إنّ الموقف الصيني تِجاه أزمة الروهينجا كان له أثرٌ كبير في توجيهها، خاصة في مجلس الأمن، حيثُ تُعتبر هذه القضية من القضايا ذات الحساسية لدى الصين، خاصة أنها تتعلق بقضية المسلمين في إقليم "راخين" حيث تشترك ميانمار حدوديًّا مع إقليم التبت الصيني - أحد الأقاليم التي لها تاريخ في المطالبة بالانفصال عن الصين. ولاعتبار المصالح المشتركة بين الصين وميانمار، وتأثر الصين بالقضايا الداخلية لميانمار، فإنّ الصين وميانمار تسعيان للحفاظ على الهدوء ومنع أيّ توتر في كِلا الجانبين. وفي هذا الصدد يُلقي مرصد الأزهر الضوء على الموقف الصيني من القضية وذلك وفقًا لما تم رصده من خلال رؤية الصُحف ووكالة الأنباء الصينية الرسمية للأزمة.
- أزمة الروهينجا
لكي نستطيع فهم أزمة الروهينجا يجب إلقاء الضوء على تاريخها أولًا: حيثُ تعتبر من المشكلات القديمة في المنطقة والتي بدأت مع الاستعمار البريطاني؛ فمنذ إعلان استقلال ميانمار توالت الانتهاكات ضد مسلمي الروهينجا، خاصة بعدما تولى النظام العسكري الحكم بعد عام 1962 م، وسعى لبناء وتأسيس مفهوم جديد للقومية، حيث اعتبر النظام العسكري أنّ مسلمي الروهينجا ليسوا من المواطنين الأصليين، وأنهم قَدِموا من الهند أثناء فترة الحكم الاستعماري، وساعد في تأكيد تلك النظرة اختلاف ديانتهم عن باقي البورميين الذين يدينون بالبوذية.
- الأزمة الحالية في إقليم راخين
بدأت الأزمة الأخيرة بإقليم راخين في أكتوبر 2016، حين أعلنت الحكومة عن وقوع هجوم مسلح شارك فيه المئات على مراكز للشرطة الحدودية مع بنجلاديش، وأنّ الهجوم كان بالأسلحة البيضاء والمُصنّعة منزليًّا، واتُهمت تنظيمات روهينجية كانت موجودة خلال عِقدي الثمانينيات والتسعينيات بالمسؤولية عنه؛ لتبدأ قوات الشرطة والجيش بهجوم على المدن والقرى، وهو ما أدّى إلى نُزوح مئات الآلاف صوب بنجلاديش المجاورة.
- موقف الصين من الأزمة
من خلال رصد ومتابعة "وحدة اللغة الصينية" للصحف ووكالات الأنباء الصينية كان من الملاحظ التحفّظ الشديد في نقل صورة المذابح الوحشية التي تعرّض لها المسلمون، وعدم ذِكر أيّة معلومات عن عمليات القتل الجماعي والمذابح التي ارتكبت بحقهم، وعلى الجانب الآخر تم تسليط الضوء على الهجمات الإرهابية التي شنّتها حركة جيش إنقاذ الروهينجا، مع الاقتصار على ذكر عدد اللاجئين وفقًا لما تناقلته منظمات الأمم المتحدة، ودعوات المنظمات الدولية لاتخاذ الإجراءات الضرورية لمعالجة الأسباب الجذرية لتدفق اللاجئين وفرارهم مؤخرًا إلى بنجلاديش، وكيف يُمكنهم العودة إلى ديارهم.
وفي ظل الاهتمام البالغ من الإعلام العالمي بالقضية وتسليط الضوء على قضايا الاغتصاب والقتل، وتزايد أعداد النازحين إلى بنجلادش؛ بدأت تظهر في وكالة الأنباء الصينية الرسمية أخبارٌ عن القضية تعتمد على رواية الحكومة البورمية الرسمية في نشر الأخبار والمقالات، وخاصة مزاعم الحكومة من أنّ الهجوم الإرهابي هو السبب في عمليات النزوح الكبيرة للروهينجا إلى بنجلاديش، وغضت الطرف عن التقارير الدولية التي تُوثق عمليات الإبادة المُمنهجة التي يقوم بها الجيش البورمي.
وفي تاريخ 13 سبتمبر 2017، نَشرتْ وكالة الأنباء الصينية تقريرًا صحفيًّا أوردت فيه تاريخ الأزمة مُتبنيّة فيه وجهة نظر الدولة البورمية، وتعرُّضها لضغوط داخلية وخارجية كبيرة، واستعرضت فيه تاريخ مسلمي الروهينجا، والتي وصفتهم بالسكّان الوافدين إلى الإقليم والذين جلبهم الاستعمار البريطاني، ووصفتهم بأنهم مهاجرون غير شرعيين قُدامى. وأوضح التقرير أنّ المشكلة تكمُن في عدم تفهّم الدول الغربية للوضع الداخلي، واستمرار الضغط الغربي الدائم على (أونغ سان سو كي) زعيمة ميانمار، والهجوم الإعلامي الشرس من قِبل الإعلام الغربي، وأنّ حل مشكلة بورما ستحتاج عدة سنوات، وأنّ حل المشكلة في ظل حكومة منتخبة منذ سنتين سيكون أمرًا غير مُنصف وغير واقعي، وأضاف التقرير أيضًا أنّ الحل الوحيد يكمُن في التنمية الشاملة للإقليم، ولا يعتمد فقط على الحكومة البورمية، لكنّه يتطلب مساعدة عملية وفعالة من جانب المجتمع الدولي؛ من أجل التسوية السليمة للأزمة.
وبعد توالي تقارير منظمات دولية عديدة - وخاصة منظمة العفو الدولية - عن الانتهاكات المُتعلقة بمسلمي الروهينجا، وأعمال العنف والاغتصاب وإحراق المنازل، ووصف المنظمة لهذه الأعمال بالإبادة الجماعية، بدأت الصين في تقديم إحصائيات رسمية عن أعداد اللاجئين والتي وصلت إلى مئات الآلاف، وأعلنت الصين أنها ستُقدم مساعدات مالية لحكومة ميانمار لمساعدتها في استعادة السلام والاستقرار في إقليم راخين، وأعرب السفير الصيني لدى ميانمار عن إيمانه بأنّ مثل هذه المساعدات ستعمل على استعادة الاستقرار في الإقليم، وأنّ الصين مستمرة في مساعدة حكومة ميانمار في تنفيذ عملية استعادة السلام؛ من أجل تعزيز العلاقات الوُديّة بين البلدين.
وقد حاولت حكومة ميانمار تصوير أزمة اللاجئين على أنها أزمة بين مواطنين شرعيين ومهاجرين غير شرعيين. ففي مقابلة لزعيمة ميانمار أعلنت فيها أنّ الحكومة ستبدأ إجراءات تأكيد هوية البنغال "الروهينجا" الذين هربوا من ميانمار إلى بنجلاديش، حتى يتمكّنوا من العودة للحياة في بورما، وقالت: "نحن على استعداد لبدأ عملية تأكيد الهويّة في أيّ وقت". وأكدت أنّ الحكومة البورمية ستبحث عن الحقيقة وراء موجة اللاجئين هذه، وحاولت أن تُصور ما يحدث في بورما على أنه تشويه وتزوير للحقائق، ونفت وجود مذابح من قِبل الحكومة بحق المسلمين، وصرّحت قائلة: "إننا نُدين جميع انتهاكات حقوق الإنسان والعُنف غير القانوني، ويجب على الدبلوماسيين الأجانب عدم الانسياق وراء الرسائل المنقوصة". كما دعت المؤسسات الأجنبية إلى زيارة إقليم راخين، والوقوف على حقيقة الأوضاع هناك، مؤكدة أنّ معظم الناس لم يفروا، وادّعت أنها لا تعرف السبب الحقيقي لهذا الهروب الكبير للسُكان، وقالت (أونغ سان سو كي) عن العلاقة بين ميانمار والصين: "إنني آمل في استمرار العلاقات بين البلدين على أساس التفاهم المتبادل والاحترام، وإنني مُمتنة للصين في تفهّم مشكلة إقليم راخين ".
- الموقف الصيني في مجلس الأمن
في تاريخ 28 سبتمبر 2017، أظهرت الصين موقفها الرسمي بشكل مباشر في جلسة مجلس الأمن، حيث ناشد مندوب الصين الدائم المجتمع الدولي بالنظر بموضوعية تِجاه التحديات والصُعوبات التي تُواجه حكومة ميانمار، والتحلّي بالصبر، وتقديم الدعم والمساعدة. وقال مندوب الصين: إنّ الصين تُندد بأحداث العنف الأخيرة التي حدثت في ميانمار، وتدعم الجهود التي تَبذُلها الدولة في المحافظة على الاستقرار، ونتمنى بصدق العودة السريعة إلى الأوضاع الطبيعية، وعدم تكرار إلحاق الإضرار بالمدنيين الأبرياء، والحفاظ على استقرار المجتمع في ميانمار، ووحدة القوميات وتنمية الجانب الاقتصادي، لكنه في الوقت ذاته تغافل عن تحميل حكومة بورما أو الجيش والشرطة البورمية المذابح التي شاهدها العالم ونقلتها وكالات الأنباء، وشدّد على وجوب مراعاة الجانب التاريخي المُعقّد، وعنصر الدين والقومية، وعلى أنّ هناك الكثير من الخلافات والتناقضات التي نتجت على المدى الطويل، ولا يُمكن حلها بين عشية وضحاها، وينبغي حلها بعملية سلام ومصالحة في ميانمار. يُذكر أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد حثّت ميانمار على إنهاء حملتها العسكرية ضد الروهينجا، ودعت إلى تعيين مبعوث خاص بشأن هذه الأزمة.
وربما جاءت مساندة الصين لميانمار لأسباب جغرافية وتجارية فقط، فالمتابع للشأن الصيني يحد أنها تُواجه صعوبات وتحديّات داخلية من بعض الجاليات المسلمة، وخاصة من قومية "الأويغور" المسلمة والتي تطالب بالاستقلال عن الدولة الصينية، ووهناك تخوفات من احتمالية وصول النزعات الانفصالية والمشاكل العِرقية إلى إقليم "شينجيانغ" أو إقليم "التبت"، وبالتالي فإنّ الصين حريصة على إخماد أيّة مطالب انفصالية في الإقليم والدول المحيطة، وخاصة أنّ بورما تشترك مع إقليم "التبت" الصيني بحدود مشتركة، والذي تسعى عدة منظمات تعمل خارج الصين إلى الانفصال عن الصين.
- حل القضية من وجهة نظر الحكومة الصينية
في تصريح لوزير الخارجية الصيني (وانغ يي) بشأن إقليم راخين قال: "إنّ هذه المسألة لها خلفية مُعقدة ولا يُمكن حلّها سلميًّا إلا من خلال المشاورات الوديّة بين ميانمار وبنجلاديش، وينبغي على المجتمع الدولي أن يُهيئ الظروف اللازمة والبيئة الجيدة لهذا الغرض". وتقترح الصين حل مسألة راخين بعد وقف إطلاق النار، أن يجد الجانبان - بورما و بنجلادش- حلًّا عمليًّا للقضية من خلال المُشاورات الودية، وتوقيع اتفاقية إعادة التوطين في أقرب وقت ممكن، ووضعها موضع التنفيذ. كذلك ضرورة أن يُكثّف المجتمع الدولي دعمه واستثماره في حل مشكلة الفقر في راخين؛ من أجل رفع المستوى المعيشي، وتعزيز التنمية من أجل تحقيق الاستقرار.
وقد أوضح وزير الخارجية الصيني أنّ الصين تَعتبر الجانب الميانمارى شريكًا مهمًّا في إقامة مشروع (الحزام والطريق) - مشروع طريق دولي يمر عبر عدة دول تسعى الصين به إلى زيادة نشاطها التجاري - وأنّ الدولتين تتمتعان بمزايا واضحة لزيادة تعزيز الشراكة التعاونية الإستراتيجية الشاملة بينهما، وتعميق التعاون الفعلي، كما أنّ الصين مُستعدة لمساعدة ميانمار وفقًا لخطط التنمية الوطنية والاحتياجات الفِعلية.
لا شك أنّ قضية بورما هي قضية إنسانية في المقام الأول، ولا تنتمي إلى كيان بعينه، بل تمس ضمير العالم أجمع، إضافة إلى كونها قضية إسلامية تخص المسلمين بشكل عام، وأنّ الموقف يتعدّى المصالح السياسية والاقتصادية بين الدول إلى الواجب الأخلاقي، وبالرغم من مرور عدة أشهر على قضية مسلمي الروهينجا، فإنّ قضيتهم لن تُنسى من تاريخ الإنسانية.
وحدة الرصد باللغة الصينية
5795