مأساة مليون طفل لاجئ

وحدة رصد اللغة الإسبانية

  • | الثلاثاء, 23 فبراير, 2016
مأساة مليون طفل لاجئ

يهربون من الموت إلى الموت. هذا هو حال أطفال اللاجئين السوريين الذين يصلون إلى أوروبا هربًا من جحيم داعش ليقابلهم جحيم آخر بارد كالزمهرير يعانون فيه من البرد والأمراض؛ هذا إن نجوا من عصابات المافيا التي تنتظرهم. ويبدو أننا نعيش في عالم يتعاطف وقتاً مع الكوارث الإنسانية، ثم ما يلبث أن ينساها تماماً مع مرور الوقت. إن صورة الطفل إيلان كردي الذي كان يبلغ من العمر ثلاث سنوات ومات غرقا إثر انقلاب قارب كان يقله مع أفراد من أسرته إلى جزيرة "كوس" اليونانية قد هزت ضمير العالم لأسابيع، ثم طويت صفحتها سريعاً.  

يعيش مئات الآلاف من السوريين النازحين من لظى داعش ومن يحاربونها مأساة اللجوء، ولكن من يلقى النصيب الأكبر من العذاب هم الأطفال والنساء. فقد ذكرت دراسة لمجموعة أكسفورد البحثية أنه منذ بداية الحرب في سوريا توفي 11,460 قاصرا، 70% منهم جراء البراميل المتفجرة. وقد لفت هذا التقرير الأخير النظر إلى أزمة أخرى لا تقل سوءًا عن الأزمة التي يعيشها من بقي في أراضي النزاع، كما أثارت نفس المشكلة تقارير صادرة عن مؤسسة Save the children (أنقذوا الأطفال) وعن اليونيسيف حول أوضاع الأطفال على الحدود بين مقدونيا وصربيا.

 ولتصور مأساة الأطفال اللاجئين في العالم، يجب علينا أن نعلم أن المفوضية الأوروبية لشئون اللاجئين  قد أعلنت أن 1,1 مليون لاجئ من أصل 2,2 مليون هم من الأطفال، أي أن نصف اللاجئين في العالم قصر وأطفال، ذهبوا إلى بلاد اللجوء مصحوبين بذويهم أو بدونهم.

وفي بلاد البلقان يصل اللاجئون بأطفالهم إلى مقدونيا بهدف العبور إلى أراضي أوروبا الغربية. وقد صرحت منسقة اليونيسيف لشئون اللاجئين ماري بيير بواريير أن نسبة الأطفال بين اللاجئين على حدود مقدونيا واليونان وصلت إلى طفل بين كل ثلاثة مهاجرين، بينما كانت هذه النسبة قبلها بأربعة أشهر فحسب طفلاً واحدًا من بين كل عشرة مهاجرين. ويستلزم هذا العدد المتضاعف من الأطفال عناية أكبر من بلاد اللجوء وهو ما لا يحدث، فبعد النجاة من الغرق في المياه الإقليمية الأوروبية وبعد رمي جميع أمتعتهم في المياه لتخفيف الأحمال يصل هؤلاء الأطفال منهكين ومرضى، دون ملابس أو طعام كاف يقيهم برد شتاء أوروبا الذي وصل الشهر الماضي إلى 13 درجة مئوية تحت الصفر على الحدود الصربية. وقد أعلنت مؤسسة " save the children" أن "الوضع بائس للغاية"  في اليونان ومنطقة البلقان، وخاصة على الحدود بين  صربيا ومقدونيا، وهي منطقة مغطاة بالثلوج، وأن الأطفال يعانون خطر انخفاض حرارة الجسم والتجمد، وحتى الالتهاب الرئوي وأمراض أخرى ترجع للبرد وسوء التغذية وبسبب نومهم في الشوارع خارج الملاجئ الدافئة  التي تلفظهم. وقد ازداد الأمر سوءا لدرجة  أن بعض اللاجئين يفكرون في العودة إلى سوريا حيث كانوا يُقتلون، هربًا من هذا البرد القارص الذي لم يعانوه قط من قبل هناك. أما اليونيسيف فقد أعلنت أن الأطفال يصلون مرهقين جسديا، ومرعوبين وأحيانا بحاجة إلى رعاية طبية.

وعلى الحدود اليونانية، التي تعد إحدى الجهات المفضلة لدخول اللاجئين إلى أوروبا، والتي تصل درجات الحرارة فيها كذلك  إلى عشرين درجة تحت الصفر يعاني الأطفال من الأمراض الصدرية وأمراض انخفاض الحرارة، والتي أدت إلى وفاة طفل في الخامسة من عمره بعد إنقاذه من مركب لاجئين غارق على حدود البلاد.

 ولنا أن نتخيل حال أطفال بعضهم لم يصل لسن المدرسة وبعضهم لا يزال رضيعا يرتدون ملابس خفيفة يركبون بها البحر ويخرجون بها مبللة ليمشي منهم من يستطيع المشي عشرات الكيلومترات على الأقدام للوصول لأقرب نقطة عبور إلى دول لا يدرون هل ستستقبلهم أم ستمنع مواطنيها ومؤسساتها المدنية من تقديم المساعدات لهم. ولا يخفى على أحد مشروع قرار مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي الذي نشرته منظمة الحريات والحقوق المدنية في أوروبا "Statewatch " والذي سيجرم المساعدات الفردية أو المؤسسية التي تخرج دون تصريح رسمي.

أما عن مشكلة اختفاء الأطفال، فقد أثارها ما نشرته جرائد بريطانية نقلا عن صحيفة الأوبزرفر بعد لقائها قائد جهاز الشرطة في الاتحاد الأوروبي، بريان دونالد، والذي صرح فيه باختفاء أكثر من 10,000 طفل لاجئ بعد تسجيل بياناتهم لدى السلطات الأوروبية. ووفق تصريحات دونالد فإن 5,000 من هؤلاء الأطفال قد فقدوا في إيطاليا وحدها، في حين بلغ عدد المختفين في السويد حوالي ألف طفل ممن دخلوا البلاد عبر ميناء تريلبرج.

هذا، ويرفض بعض الأطفال تسجيل أنفسهم كقُصر حيث يريدون أن يتم التعامل معهم كبالغين من حيث توفير أعمال لهم، حيث أن العمل هو أحد أهم الأسباب التي يهرب بسببها الأطفال من مخيمات اللاجئين، وذلك لتسديد آلاف اليوروهات للمهربين الذين أدخلوهم إلى أوروبا، وذلك بحسب كارلوتا سامي مسئولة المفوضية الأوروبية لشئون اللاجئين في إيطاليا. كما كانت نفس المسئولة قد صرحت منذ أكتوبر الماضي أن الأطفال المختفين يُستعبدون جنسيا.

والمؤسف أن أجهزة الشرطة في تلك الدول لا تقوم بواجبها الإنساني لحماية هؤلاء الأطفال الذين يطلبون اللجوء إليها، مما يساعد عصابات المافيا في تنفيذ عمليات الاختطاف بحرّية، حيث ينقلونهم نظير مبالغ مادية باهظة ويقدمون لهم الطعام بثلاثة أضعاف ثمنه.  

وهناك آلاف الأطفال اللاجئين يمتهنون صناعة النسيج في تركيا كعمل مؤقت ينتقلون بعده إلى دول أوروبية أخرى، ولكن عصابات المافيا التي تتواجد على حدود المجر وألمانيا وإيطاليا والسويد لممارسة نشاطاتها الإجرامية ترى في هؤلاء الأطفال هدفاً سهلاً، حيث يمثلون مخاطرة بسيطة ومصدراً للكسب السريع. وتجبر هذه العصابات الفتيات القاصرات على ممارسة أعمال الدعارة والفتيان على المشاركة في الأنشطة المشبوهة كتجارة المخدرات والبشر.

أما تلك المنازل التي تئوي هؤلاء الأطفال فتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الإنسانية، ففي مدينة جوتمبرج السويدية عُثر على 18 طفلاً يعيشون في منزل لا يوجد به حمام أو تدفئة وينامون على أرضية المنزل حيث تصل درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر. وعلى الرغم من ذلك فعند إيداعهم الملاجيء يهربون من قسوة المعاملة.

لاشك أن أزمة أطفال سوريا في أوروبا تكمن في غياب الضمير الإنساني. إن هؤلاء الذين وضعتهم الحياة بين مطرقة الحرب وسندان الضياع في بلاد الغرب، التي أولتهم حكوماتها ظهرها ولم تكترث لجوعهم واستغلال طفولتهم، بل تركتهم يواجهون الموت والبرد والتشرد وعصابات المافيا، مغلقة أبوابها دونهم إلا في حالات استثنائية، يطرقون كل الأبواب للبحث عن ملاذ مما يقاسونه من ويلات، فهلّا استيقظ ضمير العالم ليفتح لهم باب أمل جديد في الحياة، أم أنهم أيضاً سُلبوا حق الحياة؟  

 

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.