قراءة في كتاب "الدولة الاسلامية داعش"

  • | الأحد, 24 سبتمبر, 2017
قراءة في كتاب "الدولة الاسلامية داعش"

     تزخر المكتبات العربية والأجنبية بالكثير من الكتابات التي تناولت التنظيمات الإرهابية بالبحث والدراسة، وبمراجعة الأدبيات الحديثة التي تناولت تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بالوصف والدراسة، نطالع كتابًا للسيدة لوريتا نابوليوني بعنوان "الدولة الاسلامية داعش وإعادة ترسيم حدود الشرق الأوسط " السيدة نابوليوني من الباحثات في مجال الإرهاب بصفة عامة، وهي صحفية إيطالية ومحللة سياسية - ممن تقدم تقارير عن تمويل الإرهاب، ومن الجدير بالذكر نابوليوني تميل في حل بعض المشكلات إلى الرجوع إلى الدين الإسلامي في كثير من المعاملات، حيث أشارت في إحدى اللقاءات على يوتيوب إلى أن الحل للأزمة المالية العالمية يكمن في النظام المالي الإسلامي مشيرة إلى وجود رموز أخلاقية في التعاملات الإسلامية، مضيفة أن الإسلام لم يشترك فى التعاملات غيرالأخلاقية وغيرالقانونية كما في الأنظمة المالية الحالية - وقد حصلت المؤلفة على الماجستير في دراسات الإرهاب من جامعة شرق لندن، وهي من المهمتين بشأن الإرهاب الدولي في كثير من مقالاتها وكتاباتها، فنجدها قد تناولت الحديث عن هذا التنظيم في كتابها الدولة الإسلامية "داعش".

    ويعرض الكتاب في الكثير من المقالات التي تتناول فيها الباحثة بالشرح والتحليل بدايات هذا التنظيم ومؤسسيه، وفي مقالها عن التحدي الأصعب للخلافة أشارت إلى مزج هذا التنظيم بين الأساليب الحديثة التي يستخدمها في تنفيذ عملياته الإجرامية، والأساليب القديمة في الترابط بين أعضاء هذا التقسيم من خلال الزواج المدبر بين نساء القبائل السنية والجهادية، ووصف تلك الأساليب بأنها ماكينة سياسية وعسكرية منخرطة كل الانخراط في بناء الأمة التي يحاول التنظيم الدموي بنائها على أرواح أبرياء.

    وقد استطاعت الكاتبة إظهار التناقض الذي يعتري هذا التنظيم لتحقيق أهدافه من خلال اتخاذه لمصطلح دولة الخلافة كغطاء للعنف المستخدم لبناء الدولة الإسلامية - كما يزعمون - وتبريرًا للحرب الشعواء على الأرض، وإلحاق الضرر بالكثير من المدنيين وعدم الاستقرار في المنطقة.

     بينما نجد أن الكاتبة قد أضاعت جهدًا في إلقاء الكثير من التساؤلات المفتوحة التي ألقتها على عاتق القارئ ليجيب عليها، والتي تدور حول مدى إمكانية سماح الغرب بوجود هذا التنظيم باعتباره دولة مستقلة بعد تقسيم العراق وعلى مقربة من إسرائيل، كيف وأن سيارات داعش تتحرك تحت حماية طائرات حربية أمريكيه؟ ألا ترى بذلك سماح الغرب بوجود هذا التنظيم أم لا؟، ولكننا نجد في هذه التساؤلات رؤية مستقبلية بعيدة المدى حول انضمام هذا التنظيم إلى المحافل الدولية والاعتراف به إذا ما نجح في إنشاء دولة مستقلة، ألم يكن من الأجدر هنا التساؤل حول هزيمة هذا التنظيم من خلال تكاتف المجتمع الدولي؟ ووضع مثل هذه التساؤلات بجوار تساؤلاتها الأخرى ؟

وقد نجحت الكاتبة من خلال عددٍ من مقالات هذا الكتاب في إخراج المشهد الذي يتبناه التنظيم الدولي في إرهاب المحافل الدولية من خلال اختراع الأساطير ذات الصبغة الشرعية وتوظيفها في تأسيس هذا التنظيم، والنبؤات الكاذبة التي يتبناه لتصبح واقعاً، لتطلق على أبو بكر البغدادي في إحدى المقالات بـ "طائر الفينيق الإسلامي"، وهو طائر خيالي ورد ذكره في الأساطير العربية القديمة.

وإذا كان هذا الطائر أو - العنقاء - خرافة مُستقاة من خيال الكتاب لا وجود لها إلا في الحكايات والأساطير، إلا أننا نجد أن التجدد والخلود هما الرمزان الآخران للعنقاء في الثقافة العربية، ومن ثم فيتخذه هذا التنظيم رمزاً في تحقيق أهدافه، ومحاولة في إثبات ذلك داخل المحافل الأقليمية والدولية، رغبةً في بناء دولة الخلافة – كما يزعمون –، دون النظر إلى الموت المتواصل المتمثل في الحرب والمجازر للأبرياء في شتى بقاع العالم حتى يحققوا ما يبتغونه.

 واستمرارًا لأحقية هذا اللقب الوهمي على قيادات التنظيم فنجد إضفاء كلمة الشهيد على أبي مصعب الزوقاوي فى كتابات يبثها التنظيم الإرهابى لاستكمال السير على نهج تحقيق أهداف التنظيم من وهم الطائر الأسطورة ودغدغة المشاعر بين الكثير من الأفراد لاستقطابهم إلى التنظيم الإرهابي بحجة الشهادة في سبيل الله - كما يدعون-، والأحرى من ذلك تبرير السجن للأعضاء بأنه نعمة عظيمة قد منَّها الله عز وجل على الزرقاوي حتى أيقن أنه لا حل إلا بالإسلام، كما أن الجميع يتآمر على الإسلام والمسلمين سواء كانوا في الداخل أو الخارج، وإطلاق لفظ أعدى أعداء الإسلام على من كانوا خارج التنظيم (قارن: الشهاب الثاقب ـ دروس وعبر من حياة الشهيد الحي أبى مصعب الزرقاوي.2012م. ص 11).

ومما لا شك فيه أن إطلاق تلك التسمية على إحدى العناصر الإرهابية ليكون رمزًا لأسطورة الإرهابى الخارق إنما تنبع من إضفاء صبغة مزيفة مرعبة عن قيادات ذلك التنظيم من خلال ما صورته إدارة بوش عن الملامح الخارقة للزرقاوي، ثم يأتي البغدادي ليستعير من الأمريكيين أدوات وفنيات الحرب الدعائية ذاتها في محاولة منه لتحقيق أهداف التنظيم من إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وإعلان دولة جديدة هي دولة الخلافة، شأنهم في ذلك شأن القيادات الأمريكية ومحاولتهم المستمرة دائماً في تغيير ملامح الشرق الأوسط.   

    ومن الطريف أننا نجد إظهار الكاتبة لدهاء البغدادي ومكره أثناء سجنه فى معسكر بوكا، وذلك بعدم تصنيفه من السجناء المنضمين إلى خانة المتشددين الذين يبرزون العداء لأمريكا طوال فترة سجنه، مقابل الجهل المحض للولايات المتحدة الأمريكية والتخطيط الرديء بتجاهل عدوٍ لدودٍ ليصبح على قائمة الإرهابيين المطلوبين دولياً فيما بعد، وسط تخاذل من قبل قيادات مركز نيويورك في عدم النظر إلى ما قاله البغدادي ساخرًا عند مغادرة السجن بقوله " أراكم في نيويورك"، ليصابوا بالدهشة عند إعلان البغدادي خلافته للدولة الإسلامية عام 2014م.

   ولكن لا نرى فائدة من استمرار الكاتبة في إلقاء العناوين البراقة على مقالاتها لتضخيم تلك الأسطورة الإرهابية سواء الزرقاوي أو البغدادي، لتطلق مرة أخرى في إحدى المقالات عنوان صناعة الإرهابي الخارق، وكان من الأجدر بها أن تكتفي بالإشارة إلى ذلك في مقال واحد دون هذا الإسهاب.

     هذا وقد سعت الكاتبة إلى إظهار سعي السلطات الأمريكية إلى إبراز أسطورة وهمية لتبرر دخولها إلى العراق، من خلال مجموعة من الاتهامات التي أفضى إليها تحقيق أمريكي مفاده اتهام الزرقاوى بأنه العقل المدبر لمحاولة تفجير فاشلة قامت بها القاعدة أثناء احتفالات الألفية في الأردن، جدير بالذكر أن داعش يستهدف الأردن منذ فترة طويلة في ضوء موقفها من المنظمات المتطرفة، وفي ظل غياب الأدلة الخاصة باغتيال مواطن إسرائيلي، وامتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، أصبح إضفاء صبغة تبني الدولة للإرهاب والعناصر الإرهابية حتى يقتنع العالم بضرورة الإطاحة بهذا النظام، الأمر الذي أشار له خالد سعد السهلي في كتابه حرب الخليج الثالثة (2003م) وانعكاساتها على دولة الكويت، وهي رسالة ماجستير في العلوم السياسية، قدمت في قسم العلوم السياسية، كلية الأداب والعلوم جامعة الشرق الأوسط  2012م. 

وحدة رصد اللغة العربية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.