الدواعش الجدد...قراءة في مجزرة مسجد الروضة

  • | السبت, 2 ديسمبر, 2017
الدواعش الجدد...قراءة في مجزرة مسجد الروضة

مرصد الأزهر: 

يبدو واضحا جليًا لكل عاقل أن استهداف المصلين وقتلهم بمسجد الروضة في مدينة بئر العبد بسيناء أثناء صلاة الجمعة بهذة الطريقة المروعة يهدف لإيصال رسائل وليس كما يعتقد الكثير أنه تم من منطلق ديني خاطئ أو فهم عَقَديٍ مغلوط لتلك الجماعة المجرمة الغادرة التي ارتكبت هذا المذبحة البشعة.
إن هذا العمل الإرهابي الخسيس -بهذا التكتيك وبهذة الطريقة- لا يدل على أنه من صنيعة تنظيم ولاية سيناء، على الرغم من أن التنظيم قد أعلن قبل عام تقريباً عن استهداف الزوايا الصوفية ومشايخها وأتباعها؛ فقد نقلت مجلة النبأ في عددها الثامن والخمسين تصريحًا لأمير مركز الحسبة بالولاية جاء فيه:" نقول لجميع الزوايا الصوفيّة شيوخا وأتباعا في داخل سيناء وخارجها.. اعلموا أنكم عندنا مشركون كفار، وأن دماءكم عندنا مهدورة نجسة، ولكننا ندعوكم ونستتيبكم، ونرجو لكم الإسلام والهداية".
كذلك أكد ما يطلق عليه "أمير الحسبة لولاية سيناء" في العدد نفسه على وجوب إزالة معالم الشرك والجاهلية، لاسيما في مناطق نفوذهم وسيطرتهم وخاصة مسجد الروضة ببئر العرب ومسجدي سعود والعرب بالإسماعيلية، حيث إنهما يتبعان للطريقة الصوفية الجريرية المنتشرة في سيناء.
بل إنه ورد أيضا في تقريرَ لمجلة رومية ــ إحدى مجلات تنظيم داعش باللغة الإنجليزية ــ في عددها الخامس تهديدًا صريحًا للتنظيم باستهداف هذا المسجد بالإضافة إلى المسجدين الأخرين التابعين للطريقة الصوفية الجريرية (مسجد سعود ومسجد العرب).
وهنا يأتي السؤال: كيف يُمكن استبعاد تنظيم ولاية سيناء من الاتهام بارتكاب هذه المجزرة على الرغم من تهديده السابق بضرب مسجد الروضة وغيره من المساجد التابعة للطرق الصوفية في سيناء ؟!
لقد ورد في نفس العدد الذي بعث فيه التنظيم تهديده باستهداف مسجد الروضة أن من أهم وظائف ديوان الحسبة عند التنظيم هو محاربـة الشرك وأهله حيـث يقـوم الديـوان باسـتتابة ــ ما يسمونهم مشركي الصوفيـة ــ وإحالـة بعضهـم إلى القضاء ليحكـم فيهم بمـا أنـزل اللـه"، بل إن عنوان الحوار نفسه كان:" هدايتكم أحب إلينا من قتلكم".
إذًا على الرغم من قسوة تنظيم "داعش" وتعطشه للدماء فضلًا عن دماء الصوفية فهي عندهم ليست مهدورة لا ثمن لها فقط، بل نجسة قذرة يجب التطهر منهاــ كما يقولون ــ ومع هذا كله فإن الأصل عندهم في التعامل مع عوام الصوفية وأصحاب البدع تبدأ بالدعوة إلى ترك الشرك والبدع ثم الاستتابة وأخيرا إما قبول التوبة أو القتل كفرًا لا حدًا، ولذلك فإنه بعدما تم القبض على سليمان أبو حراز "شيخ الطريقة الجريرية" صاحب السبعة والتسعين عاما تم عرضه على المحكمة الشرعية التابعة للتنظيم بولاية سيناء وبعد استتابته تم الحكم عليه بالقتل ردة لادعائه علم الغيب وممارسة الكهانة والعرافة، ولأنه كان رأسا من رؤوس الطواغيت، يدعو الناس إلى الشرك في عبادة الله تحت مسمى الصلاح والخير والولاية، وهذا ما أقره التنظيم في تعامله مع الصوفيين وأصحاب البدع، من خلال مجلة النبأ في عددها الثامن والخمسين، وفي المقطع المصور الذي بثَّه التنظيم بعنوان:"نور الشريعة" وبالتالي فإذا كان هذا تعامل التنظيم من واقع مصادرهم مع ما يعتقدون أنه رأس الفتنة ومصدرها فيعرضون عليه الاستتابة، ويرفعون أمره إلى المحكمة الشرعية لتحكم فيه، فكيف يقوم نفس التنظيم بمخالفة معتقده ومذهبه بقتل عوام الصوفية بهذه الطريقة البشعة، ودون وجود أي سند شرعي أومخرج ديني يبيح لهم ذلك؟
ثم إنه من المعلوم والمتفق عليه بين فكر القاعدة وداعش وجوب إزالة الأضرحة والأوثان ومعالم الشرك ــ كما يدَّعون ــ، فلماذا أقبلت هذه العصابة المجرمة على قتل المصلين الموحدين ولم تقم بتدمير الزاوية المجاورة للمسجد والتابعة للطريقة الجريرية؟! خصوصًا أن تنظيم داعش قد قام سابقًا بتفجير الأضرحة بنفس القرية كضريح "شميعة" و"صبيحة"، كما قام التنظيم بتفجير ضريح وقبر "الشيخ زويد" على ساحل مدينة الشيخ زويد، وضريح "الشيخ حميد" في منطقة المغارة بمركز الحسنة فى وسط سيناء، وضريح "الشيخ سليم" في منطقة مزار بمركز بئر العبد أيضا، ولم يعمد التنظيم إلى قتل أتباع هذه الطريقة أو غيرها من أبناء الطرق الصوفية في سيناء.
إن التفسير الأقرب لما حدث هو أن الذين قاموا بتلك العملية هم "الحازميون" وهم جماعة منشقة عن تنظيم ولاية سيناء"، والذي بزغ نجمهم في عام 2014 في سوريا والعراق، وأصحاب هذا الفكر يكفرون عوام الناس الذين يخالفونهم حتى في الفروع، بل إنهم يكفرون بعض أعضاء تنظيم داعش أنفسهم، لأنهم لا يكفرون عوام المسلمين، وهو ما يعرف بقضية "تكفير العاذر" وهو الذي يعذر العوام بجهلهم ويعتبرون أي شخص يختلف معهم كافر، دمه مستباح وماله حلال، يجب قتاله وقتله.
ومما يؤكد هذا الطرح ما يلي:
1- البيان الأخير لجماعة "جند الإسلام" التابعة لتنظيم القاعدة، والذي كان" بعنوان" تبني عملية أمنية لدفع صيال خوارج البغدادي بسيناء"، يُظهر جليا مدى حالة الصراع والقتال بين عناصر التنظمين الرئيسيين في سيناء، حيث قامت عناصر من تنظيم "جند الإسلام" بقتل وأسر تلك العناصر الداعشية التي تنتمي إلى التيار الحازمي في صفوف تنظيم "ولاية سيناء" والذين يصفون تنظيم "جند الإسلام" بالخوارج والصحوات"، ودعا تنظيم "جند الإسلام" هذه العناصر الحازمية إلى التوبة والعودة عن هذا الفكر التكفيري الذي يستبيح دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم بلا سند شرعي، وهددهم باستئصالهم من سيناء إن لم يكفوا ويرتدعوا عن أعمالهم وضلالهم.

2- عدم إعلان داعش المسئولية عن هذا العمل الإجرامي رغم الضجة الإعلامية العالمية التي أعقبت هذا الحادث، وهذا من أهم أهداف وإستراتيجية التنظيم الإعلامية، ورغم أنها لا تقل فظاعة وبشاعة عن أحداث الذبح والحرق والقتل التي قام بها التنظيم سابقًا في حق أبرياء عزل وسارع التنظيم بعدها مباشرة إلى الإعلان عن مسئوليته وتبنيه للعملية.


3- إنه من المعروف طبقا لإسترتيجية داعش الإعلامية أن تقوم بتصوير الحدث ونشره لتاكيد المسئولية والتبني، وهذا مالم يحدث حتى تاريخة.

4- تنصل التنظيمات الأخرى من هذا العمل والتبرؤ منه كما فعل التنظيم الأقوى في سيناء وهو تنظيم "جند الإسلام" حيث أصدر بيانا يتبرأ فيه من هذا العمل الخسيس جاء فيه "إن من المنكر العظيم والإثم المبين التعدي على حرمات المسلمين لا سيما الدماء المعصومة التي عظم الله استباحتها، بغير حق".
5- أغلب البيانات التي صدرت مؤخرًا تتبنى عمليات إرهابية جاءت باسم أشخاص ولا تحمل اسم التنظيم ولا شعاره، وهذا ما يؤكد أن العمليات الأخيرة لجماعات منشقة أو خلايا عشوائية قد تتفق أو تختلف مع التنظيمات الأم
6- إن التنظيم الوحيد في سيناء، والذي يمكن أن يقوم بارتكاب هذه الحادثة هو تنظيم الحازميون، حيث إن تكتيك هذا الحادث ينسجم مع أسلوبه وفكره وعقيدته من ناحية، بالإضافة الى أنه المستفيد الوحيد من هذا الحادث، وذلك عن طريق الانتقام من غريمه التقليدي (جند الإسلام)، والذي يعتبر الأقدم والممثل لجميع التنظيمات الإرهابية في منطقة سيناء بالكامل، وبالتالي تحدث الوقيعة بين أهالي الشهداء جراء هذا الحادث وبين المؤيدين أو حتى المتعاطفين مع هذا التنظيم، وهذا ما يفسر صدور بيان التبرئة السريع لجماعة جند الإسلام في سيناء من ارتكاب هذا الحادث.

7- لم يحدث في تاريخ مصر أن قامت جماعة إرهابية بضرب المصلين أثناء الصلاة في المسجد، حتى ولو أن رواد ذلك المسجد من الصوفيين، رغم وجود جماعات تؤمن بكفر هؤلاء الصوفيين الذين يطلقون عليهم قبوريين متوسلين، وهذا يدعو للتساؤل لماذا الآن ولماذا سيناء؟

وأخيرًا فإذا كان مرصد الأزهر يرى أن تنظيم داعش الإرهابي بات يتصدع ويتمزق من داخله، إلا أنه ينبه على خطورة هذا التنظيم الوليد (الحازميون) في سيناء، الذي وصل لمرحلة من التشدد والغلو والتكفير فاقت كل التنظيمات الإرهابية التي ظهرت حتى الآن، والذي يستبيح الدماء والأموال والأعراض بحجة التكفير التي لا ينجو منها إلا من يوافق عقيدته الفاسدة ويتبع مذهبه الضال.

وحدة الرصد باللغة العربية

طباعة

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.